أحكام الإعدام في قضية رابعة: رسالة للخارج وتمسك برفض المصالحة في الداخل

16 يونيو 2021
لم يدن قادة "الإخوان" بقتل أي شخص (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -

وجه النظام المصري رسائل لأطراف مختلفة، خارجية وداخلية، بإصراره على إصدار الحكم بإعدام 12 من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، هم كل السجناء من المحكوم عليهم في القضية المعروفة إعلاميا بـ"اعتصام رابعة"، التي دارت وقائعها في فترة إقامة الاعتصام حتى فضه بالقوة المفرطة بمذبحة رابعة في 14 أغسطس/آب 2013، إذ اكتفت محكمة النقض، في حكمها الصادر أول من أمس، بتخفيف بعض أحكام السجن، التي كان أقصاها 10 سنوات، وأبقت أحكام الإعدام والمؤبد كما هي.
ويمثل هذا الحكم سابقة تاريخية تعبر عن الوضع القانوني الهش الذي بات يهدد منظومة العدالة الجنائية بشكل عام في مصر. فقادة وأعضاء الجماعة، المحكوم عليهم بالإعدام، لم يدانوا بقتل أي شخص، نظراً لعدم معرفة طبيعة الجناية في حالات الوفاة في صفوف الشرطة القائمة بالفض، بمساعدة الجيش، ما يخرج الحكم عن إطار السوابق المعروفة لمحكمة النقض المصرية، التي لطالما عُرفت بوضعها شروطاً صارمة لتأييد أحكام الإعدام.

مصدر دبلوماسي: تؤدي مثل هذه الأحكام إلى زيادة الأوراق التي يمكن للسيسي المساومة عليها مستقبلاً

إلا أن التعديل القانوني الذي أدخله النظام على قانون محكمة النقض عام 2017 بحجة "الإسراع في تحقيق العدالة" جعل المحكمة تمضي مسرعة في النظر بالطعون على أحكام الجنايات دون تدقيق كافٍ، ودون أن تكون ملزمة بإعادتها للدراسة الموضوعية في محاكم الجنايات مرة أخرى، ما حقق بالفعل سرعة في النظر بالقضايا، وبخاصة المتعلقة بوقائع "العنف والإرهاب"، المتهم فيها المعارضون السياسيون، بغضّ النظر عن تحقيق العدالة بذاتها. فضلاً عن ذلك فإن القضية، منذ تحريكها، مضت في اتجاه محاسبة شهود الدم والضحايا، لا الجناة الذين قُتل على أيديهم مئات المواطنين، وحتى إن تعبير "فض اعتصام رابعة" لم يعد مناسباً ليُطلق على هذه القضية، التي باتت موجهة لمحاسبة المعتصمين وحسب. 
وتجاهل القضاء المصري كل الدلائل، الموثقة في التقارير الدولية وحتى المحلية والحكومية، التي تنسف محاولة النظام تصدير ما حدث وكأنه كان معركة وجود بين تيار إرهابي وقوات الدولة، وأن كلا الطرفين كانا مسلحين، وأن الاعتصام كان خطراً على الأمن القومي، وأنه كان ساحة لارتكاب جرائم قتل وتعذيب لمعارضي الرئيس الراحل محمد مرسي ومؤيدي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأن المعتصمين، ومنهم المقتولون والمتهمون الذين قدموا للمحكمة وأدينوا، حرضوا على قتل أفراد الجيش والشرطة خلال فض الاعتصام، وما تلاه من أحداث شغب انتقامية ضد الأقسام في كرداسة بالجيزة وبعض محافظات الصعيد. وهذا الأمر لا يستوي مع أبسط الأدلة، وعلى رأسها ما أعلنه وزير الداخلية آنذاك محمد إبراهيم من أن الشرطة وجدت في اعتصام رابعة 9 أسلحة آلية وطبنجة (مسدس قديم جداً) واحدة و5 فرد خرطوش، بعدما كان يُصور في وسائل الإعلام، وحتى الآن، بأن الاعتصام كان به أسلحة ثقيلة.

وإمعاناً في محو الحقيقة، تناسى القضاء المصري، خلال التحقيق والمحاكمة، واقعة مقتل ما بين 600 و700 من المواطنين العزل، حسب بيانات منظمات حقوقية رسمية حكومية. فلم يتم استدعاء أي من المسؤولين عن الفض، بينما وجهت للمعتصمين السجناء اتهامات بالنسبة لسفك الدماء، كتنظيم اعتصامات دون تصريح وتعطيل الطرق والمواصلات. بل، واكتفت النيابة بندب قاضٍ من محكمة استئناف القاهرة للتحقيق في قتل المعتصمين، كواقعة مستقلة بذاتها عن جريمة الاعتصام. لكن ما حصل فعلياً في ذلك التحقيق، من واقع أوراق حصل عليها "العربي الجديد"، اقتصر على تجميع محاضر إثبات الوفاة وبعض المحاضر الشرطية الإدارية، التي وثقت خلال ساعات الفض، وأثبت فيها جميعاً أن الفض تم بواسطة قوات الشرطة، بعد استئذان النائب العام الراحل هشام بركات، في محاولة لقوننة إجراءات الفض وما ترتب عليها من سفك للدماء.
إلا أن تزامن هذا الحكم مع التقارب المصري مع قطر وتركيا، الدولتين اللتين استضافتا الآلاف من قيادات وأعضاء "الإخوان"، ومنهم محكومون غيابياً في قضية رابعة ذاتها، وكذلك بعيد فتح اتصالات متقدمة مع الإدارة الأميركية الجديدة، يعبر عن التوجه القائم للنظام حتى الآن، وهو المضي قدماً في التأكيد على غلق أي احتمالات للمصالحة مع جماعة "الإخوان" بصفة خاصة، والإسلام السياسي والمعارضة غير المستأنسة بشكل عام.

مصدر أمني: النظام لا يرغب على الإطلاق في توجيه رسالة إيجابية من أي نوع للإخوان

ووصف مصدر دبلوماسي مصري، في حديث لـ"العربي الجديد"، هذا السلوك بأنه "تكتيك خاص برئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، والجميع ينفذه وفقاً لتعليماته الشخصية"، فالمفاوضات والاتصالات بشأن أوضاع المعارضين والاعتقالات والمحاكمات في رأيه يجب أن تكون بمنأى تام عن السياسة المصرية المحلية حيالهم، بما في ذلك الأحكام القضائية ضدهم، وقرارات سحب الجنسية، وتجديد الحبس وغيرها من الإجراءات، اعتقاداً من السيسي بأن إظهار هذه المواقف يكسب مصر احتراماً أكبر لدى الآخرين.
وأضاف المصدر أنه في الوقت ذاته تؤدي مثل هذه الأحكام إلى زيادة الأوراق التي يمكن للسيسي قبول المساومة عليها مستقبلاً، إذ يسمح له القانون بالتدخل في أي وقت للعفو الاستثنائي عن المحكوم عليهم بالإعدام، حتى بعد انقضاء الفترة القانونية المتاحة أمامه لتغيير العقوبة، والمقدرة بأسبوعين اثنين وفق قانون الإجراءات الجنائية. كما أن هناك عشرات السوابق خلال السنوات العشرين الماضية بإهمال تنفيذ أحكام الإعدام لسنوات طويلة، أو التباطؤ فيها، على الرغم من مسارعة الدولة بتنفيذ الأحكام في قضايا العنف ذات الطابع السياسي خلال السنوات الخمس الأخيرة.
لكن مصدراً أمنياً مطلعاً رجّح ألا تحدث أي استثناءات لإنقاذ "الإخوان" المحكوم عليهم بالإعدام "إلا إذا تغيرت الأوضاع السياسية تماماً، داخلياً وخارجياً، وليس فقط إحراز تقدم في المحادثات مع قطر وتركيا". وأشار إلى أن النظام "لا يرغب على الإطلاق في توجيه رسالة إيجابية من أي نوع للإخوان. وإلى جانب المحكوم عليهم بالإعدام، فإن قادة الجماعة المحبوسين مهددون بالوفاة داخل السجن، والنظام لا يكترث إطلاقاً بهذه المسألة". 
وأوضح المصدر أن مسألة موعد تنفيذ أحكام الإعدام تُدرس بواسطة وزارة الداخلية ورئاسة الجمهورية والمخابرات العامة، على ضوء الأوضاع الاجتماعية والسياسية القائمة، فاختيار مواعيد إعدام هشام عشماوي وأعضاء خلايا "أنصار بيت المقدس" وعناصر تكفيرية أخرى منذ 2017 وحتى الآن يتم بترتيب دقيق، وتتحيّن السلطات في ذلك أحوالاً معينة تكون فيها شعبية النظام مرتفعة، أو للاستفادة من ترويج إعلامي واسع لسياسات الدولة، كالأعمال الفنية عن محاربة الإرهاب في العامين الماضيين، أو لتوجيه رسائل معينة للخارج. وشدد المصدر على أن الحكم في حالة قيادات "الإخوان" في رابعة، وإن كان باتاً ونهائياً وغير قابل للطعن من الناحية القانونية، فلن ينفذ إلا بقرار يضع في الحسبان الأبعاد المختلفة للتنفيذ، داخلياً وخارجياً، من الأجهزة الرسمية للدولة، وعلى رأسها رئيس الجمهورية.
ونفذت السلطات في إبريل/ نيسان الماضي أحكام الإعدام بحق 16 من المدانين في أحداث كرداسة، التي تلت فض اعتصامي رابعة والنهضة، وذلك بالتزامن مع عرض مسلسل "الاختيار 2". واعتبرت منظمات حقوقية ذلك إشارة إلى تسارع وتيرة تنفيذ أحكام الإعدام في مصر، على عكس ما كان عليه الحال سابقاً، لا سيما وأنها جاءت في المركز الثالث عالمياً في تنفيذ أحكام الإعدام في عام 2020، بعد الصين وإيران، بحسب تقارير منظمة العفو الدولية.

المساهمون