أحزاب وشخصيات تونسية: سجن الغنوشي خطوة جديدة لضرب المعارضة

16 مايو 2023
حكمت المحكمة على الغنوشي بالسجن مدة عام (أسوشييتد برس)
+ الخط -

قضت محكمة ابتدائية تونسية، غيابياً، مساء أمس الاثنين، على رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان المنحل، راشد الغنوشي، بالسجن مدة عام وغرامة ألف دينار تونسي، في خطوة اعتبرتها شخصيات وأحزاب سياسية "استكمالاً لمسار الرئيس التونسي قيس سعيّد في ملاحقة معارضي الانقلاب والضغط عليهم". 

وجاء الحكم على الغنوشي بسبب تصريحات له في تأبين المناضل السابق في الحركة فرحات لعبار، يوم 20 فبراير/ شباط من عام 2022، قال فيها إنّ لعبار "قضى حياته ولم يكن يخاف فقراً ولا حاكماً ولا طاغوتاً، ولم يكن يخشى إلا الله"، فتولى رجل أمن تقديم شكاية ضد الغنوشي.

وعن تداعيات هذا الحكم، أكد المستشار السياسي للغنوشي رياض الشعيبي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ هذا الحكم يمثل استمراراً لسياسة الهرسلة (التحرش) التي تمارسها السلطة ضد راشد الغنوشي وضد حركة النهضة، وهي تدفع اليوم ثمن موقفها السياسي المعارض للانقلاب والمطالب بالعودة إلى الديمقراطية"، و"كل المساجين السياسيين اليوم هم في وضعية الهرسلة نفسها والضغط للتراجع عن موقفهم السياسي المبدئي، الذي انطلقوا منه بداية في معارضة الانقلاب".

واعتبر الشعيبي أنّه "من الواضح أنّ سياسة السلطة هي ضرب المعارضة بغاية إضعافها، لأن القوى المعارضة للانقلاب أثبتت أنّ مقاربتها صحيحة، باعتبار أنّ ما حصل في 25 يوليو/ تموز 2021 لم يكن تصحيحاً للمسار، بل انقلاباً على المسار الديمقراطي".

وحول تداعيات سجن رئيس الحركة، وغيابه عن الحركة تنظيمياً وقانونياً، شدد الشعيبي على أنّه "ليس هناك فراغ تنظيمي، باعتبار أنّ نائب رئيس الحركة (منذر الونيسي) يتولى صلاحيات ومهام الرئيس، ويباشر مهامه، وفق هذه المقاربة".

وأفاد المتحدث بـ"أننا سنتابع وضعية رئيس الحركة، وكذلك المقار المغلقة حتى اليوم، وبناءً على ذلك، وعلى الوضع القانوني للحركة، سنحدد الإجراءات القانونية القادمة".

وبخصوص إغلاق المقار، أشار الشعيبي إلى أنّ "الأصل في الأمر أن ينتهي اليوم الثلاثاء تفتيش المقار، ولا يبقى بعد ذلك معنى لإغلاقها ومنع الدخول إليها".

وحول تأثير الإيقافات على وضع المعارضة عموماً، وهل نجحت السلطة في تحقيق أهدافها، بيّن المستشار السياسي للغنوشي أنّ "ما يمكن أن يضعف المعارضة هو موقفها الخاطئ وليس عدد المعتقلين، لأن الموقف السياسي الصحيح هو ما يعطيها قوة"، معتبراً أنّ "تقدير المعارضة لموقفها السياسي صحيح في أنّ هذه السلطة انتهكت كل المكتسبات، ولا طريق آخر لاستئناف المسار الديمقراطي إلا الحوار الوطني وبانتخابات رئاسية مبكرة، فتعدد الاعتقالات لن يؤثر في الموقف، وربما سيعرقل النضال الميداني، بينما الموقف السياسي لا يزال قوياً جداً".

كذلك، اعتبر المتحدث الرسمي باسم النهضة عماد الخميري، في تدوينة على صفحته بـ"فيسبوك"، أن "إيداع راشد الغنوشي والحكم عليه بالسجن بسبب تصريحات يقع تأويلها على خلاف منطوقها ومدلولها، يثبتان من جهة أن السلطة لم تستطع إثبات أي أعمال مادية مجرمة في حق رئيس الحركة وعموم السياسيين الموقوفين".

وأضاف الخميري: "سياسة التخويف والترهيب بالاعتقال أو بالسجن سياسة فاشلة وجربت من قبل، وهي ملاذ السلطة في وجه إخفاقها في إدارة الشأن الاقتصادي، وفشلها في معالجة الأزمة المالية والاجتماعية الخانقة التي تجتازها البلاد، وكان الأجدر بهذه السلطة أنّ تعكف على حلّ القضايا الحقيقية للتونسيين، وهي بالتأكيد قضايا اقتصادية واجتماعية ومالية، وكان الأولى أن تتراجع عن هذه السياسة".

وقال رئيس حزب العمل والإنجاز عبد اللطيف المكي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحكم على الغنوشي من الناحية السياسية هو استهداف للجميع وليس ضد الغنوشي فقط، والإشكال ليس في التفاصيل، فالحكم بسنة أو أكثر ليس الإشكال، بل هناك استهداف ممنهج للحريات، لأنه بعد وضع اليد على القضاء، أصبح الاستهداف ضد الجميع من سياسيين ونقابيين وإعلاميين، وحتى لسان الدفاع من محامين، وبالتالي، فكل من يرفع صوته يُستهدف، ويصبح شريكاً"، مبيناً أنّ "هذا المسار مظلم، وللأسف تُدفع إليه البلاد دفعاً، لكن ستُستعاد الديمقراطية ذات يوم" .

وأكد المكي أنّ "السلطة السياسية مصرة على مواصلة الخيارات نفسها، لأنه لا خيار آخر أمامها في غياب حلول اقتصادية واجتماعية للبلاد"، مشيراً إلى أنّ "انسداد الآفاق أمامها، وفشل شعارات عدة، كالصلح الجزائي، والعديد من الادعاءات التي رفعها سعيّد، سقطت ولا أحد يستطيع محاسبة الرئيس".

وأضاف المكي أنّ "الحل الوحيد للسلطة اليوم هو إسكات المعارضة، حيث تجرى التصفية بالأكبر ثم الأكبر، إلى أن تصل يوماً ما إلى المواطنين، وقد يحتج مواطن ذات يوم على الغلاء وتصبح تلك تهمة يدخل بمقتضاها السجن".

حركة النهضة: حكم سياسي ظالم

بدورها، أصدرت حركة النهضة بياناً ندّدت فيه بالحكم الصادر في حق الغنوشي، مشددة على أنه "حكم سياسي ظالم"، داعية إلى إطلاق سراحه فوراً.

وقالت إن "الإيقافات الظالمة وغير القانونية تتواصل في حق المعارضين السياسيين وبطاقات الإيداع من دون التحقيق مع الموقوفين"، مشيرة إلى أن "السلطة تمر إلى المحاكمات السياسية الجاهزة، وذلك بعد إصدار حكم بالسجن في حق رئيس حركة النهضة الأستاذ راشد الغنوشي، على خلفية تأبينه أحد الصحافيين، وذكر مناقبه في مقارعة الاستبداد والنضال من أجل الحرية والكرامة".

وأكدت النهضة أن "الغنوشي، المعتقل من أجل التعبير عن رأيه على خلفية تصريح مدلّس، لم يتردد أبداً في الحضور أمام قاضي التحقيق في مناسبات سابقة، ولكن لمّا تبيّن له التنكيل المتعمد به، قرر عدم المثول أمام قضاء خاضع للسلطة السياسية، ولم تعد تتوفر فيه شروط المحاكمة العادلة".

وذكّرت "بتصريحات وكتابات الأستاذ راشد الغنوشي المناهضة للتطرف والإرهاب والداعية للوسطية والاعتدال، ونضاله الطويل من أجل الحرية والوحدة الوطنية".

"جبهة الخلاص": الاعتباط حل محل القانون

وفي وقت لاحق، أصدرت "جبهة الخلاص الوطني" المعارضة في تونس بياناً، دعت فيه إلى الكف عن التنكيل بالمعارضين.

وأوضحت أن الحكم الصادر "في حق الشيخ راشد الغنوشي، رئيس مجلس نواب الشعب المنتخب ورئيس حركة النهضة، بسبب كلمة تأبين ألقاها في مدينة قابس، ثمّن خلالها مناقب الفقيد قائلاً إنه قضى حياته في مقاومة الطاغوت، وقد اعتبر أحد أعضاء النقابات الأمنية أن الأمنيين هم المقصودون بالطاغوت".

وأضافت أن "الغنوشي سبق أن مثل أمام قاضي التحقيق للرد على هذه التهمة الكيدية، ولكنه رفض المثول أمام الدائرة الجناحية، معتبراً أن القضية ملفقة ولا سند لها في الواقع والقانون".

واعتبرت الجبهة أن "إيداع إحدى أبرز الشخصيات السياسية السجن، بسبب تصريحات يقع تأويلها على خلاف منطوقها ومدلولها، يثبت من جهة أن السلطة لم تستطع إثبات أي أعمال مادية مجرمة في حق رئيس حركة النهضة وعموم السياسيين الموقوفين، ويقيم دليلاً إضافياً من جهة أخرى على أن الاعتباط حل محل القانون في الحياة العامة، وألا أحد من المعارضين مهما كان موقعه أو انتماؤه في مأمن من مصادرة حريته والزجّ به في السجن".

المساهمون