استمع إلى الملخص
- بعد التحرير في 1944، اندلعت صراعات داخلية بين قوات الأمن والمقاتلين الشيوعيين، مما أدى إلى حرب أهلية وتهميش ذكرى المقاومة الوطنية، التي لم يُعترف بها رسمياً حتى 1981.
- زاد اهتمام سكان أثينا بماضيهم، وبدأت البلدية بتنظيم فعاليات تكريمية، لكن الوصول إلى الأرشيفات التاريخية لا يزال تحدياً.
تحتفل أثينا، اليوم السبت، بذكرى تحريرها قبل 80 عاماً من الاحتلال النازي الذي شهد مجاعة رهيبة، ثمّ اختفت ذكراه لفترة طويلة في اليونان بسبب الحرب الأهلية التي تلته. وفي وسط أثينا، تحوّل المقر السابق للشرطة السرية الألمانية (غستابو) إلى متجر كبير. ولم يبق هناك سوى نصب تذكري بسيط يوحي بأنّ هذا الموقع كان يضم مكاتب ومركز تعذيب تابعاً للشرطة السرية النازية أثناء احتلال قوات هتلر اليونان بين عامَي 1941 و1944.
وفي تلك الحقبة التي تُعَد الأكثر عنفاً في التاريخ اليوناني المعاصر، تعرّض آلاف المقاومين للتعذيب والقتل. ويقول المؤرّخ المتخصّص في شؤون الاحتلال مينيولواس خارالامبيديس في مقابلة مع وكالة فرانس برس: "في بلد أوروبي آخر، تتحوّل هذه المواقع إلى متحف".
لا نصب تذكارياً
ويضيف أنّ مواقع ذكرى هذه الفترة "لم يتم تسليط الضوء عليها بشكل كافٍ. وبالنسبة إلى بعض الأحداث الكبرى، لا يوجد حتى نصب تذكاري". وفي 12 أكتوبر/ تشرين الأول 1944، سار جيش التحرير الشعبي (Elas)، وهو حركة ضخمة تضمّ مقاتلي المقاومة، في ساحة سينتاغما أمام البرلمان حيث كان في استقباله مئات الآلاف من الأشخاص.
وكان ذلك بعد وضع حدّ للاحتلال الذي تعرّضت خلاله اليونان للدمار على يد القوات المسلّحة النازية التي واجهت بدورها مقاومة كبيرة من جانب السكان. وفي كل أنحاء اليونان، أدّت المجاعة إلى مقتل 250 ألف شخص، من بينهم 45 ألفاً في أثينا وبيرايوس الميناء الكبير القريب. كما أُبيد أكثر من 86 % من الطائفة اليهودية اليونانية.
وفي كتاب مرجعي بعنوان: "يونان هتلر"، يوضح المؤرّخ البريطاني مارك مازوير أنّ المجاعة نتجت عن "عدم قدرة الحكومة اليونانية المتعاونة... على إمداد أثينا" بالغذاء، وعن تدمير شبكة النقل. وفي ديسمبر/ كانون الأول 1944، سرعان ما طغت أعمال العنف بين قوات الأمن والمقاتلين الشيوعيين من جيش التحرير الشعبي على الحدث المتمثّل في تحرير أثينا. وفي هذا السياق، تقول المؤرّخة تاسولا فيرفينيوتي إنّ "الحرب الأهلية في اليونان، كما في إسبانيا، أصابت المجتمع بصدمة عميقة، ما حال دون معالجة أحداث الماضي".
ديمقراطية وحرية
مع ذلك، تؤكد الباحثة أنه "إذا لم نتمكّن من معالجة ماضينا، هناك خطر فقدان الأماكن المرتبطة بالذاكرة". غير أنّ بلدية أثينا دعت سكان المدينة هذه السنة إلى المشاركة في مؤتمرات ومعارض "تكريماً لجميع الذين قاتلوا من أجل الديمقراطية والحرية".
وقال رئيس البلدية الاشتراكي خاريس دوكاس أخيراً: "نحن نحافظ على الذاكرة حية حتى يتمكّن الأصغر سنّاً من التعلّم واتخاذ القرار بقوة ونشاط بشأن مستقبلهم". من جهته، يرى مينيلاووس خارالامبيديس أنّ "المقاومة الوطنية ضدّ النازيين في اليونان والتي كانت في معظمها من اليساريين، حُكم عليها بالنسيان بسبب المواجهة الشرسة بين الأحزاب اليمينية والشيوعيين" خلال الحرب الباردة.
ولم يتمّ الاعتراف رسمياً بـ"المقاومة الوطنية" إلا في عام 1981، عندما وصلت أول حكومة اشتراكية إلى السلطة. وفضلاً عن ذلك، أُعيقت الأعمال البحثية التاريخية لفترة طويلة بسبب عدم إمكان الوصول إلى أرشيفات الشرطة. وفي عام 2017، أنشأت الحكومة اليسارية برئاسة أليكسيس تسيبراس مديرية لتاريخ الشرطة اليونانية. لكن حتى الآن، لم يتم دمج أرشيفات الشرطة في هذه المديرية، الأمر الذي لا يضمن الوصول إليها بشكل منهجي، وفقاً لعدد من الخبراء.
وفي السنوات الأخيرة، ازداد اهتمام سكان أثينا بماضي هذه المدينة، وراح العشرات يطلبون من خارالامبيدس تنظيم "جولات تاريخية" في المواقع التي كان يحتلها النازيون. وعلى عكس العديد من الدول الأوروبية التي تحيي ذكرى هزيمة الرايخ الثالث، تحيي اليونان ذكرى دخولها الحرب العالمية الثانية في 28 أكتوبر/ تشرين الأول 1940.
ويعد هذا اليوم الوطني ذكرى "الرفض" الذي أطلقه الدكتاتور اليوناي إيونيس ميتاكساس في مواجهة إيمانويلي غراتسي السفير الإيطالي الذي كان يطلب منه الاستسلام للقوات الإيطالية التي يتزعّمها بينيتو موسوليني.
(فرانس برس)