شهدت العاصمة التونسية، صباح اليوم الأحد، مسيرة حاشدة، نفّذتها عدة حركات تونسية معارضة، إحياءً للذكرى الـ66 لعيد الاستقلال، ورفضاً للاستشارة الوطنية، والمطالبة بعودة المسار الدستوري، وإلغاء التدابير الاستثنائية التي فرضها الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو/تموز 2021.
وعبّر المشاركون في هذه المسيرة التي انطلقت من ساحة باب سعدون في اتجاه ساحة باردو، عن رفضهم للاستشارة الوطنية التي أطلقها رئيس الجمهورية، معتبرين أنها ضرب من ضروب التّحايل، ولإحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية، ولكل أشكال التضييق على الحريات العامة والخاصة. مطالبين بإطلاق سراح "المساجين السياسيين"، وفي مقدمتهم العميد عبد الرزاق الكيلاني. ورفع المحتجون عدة شعارات منها: "انتهى عهد التعليمات"، و"تونس حرة حرة"، و"يسقط الانقلاب"، مطالبين قيس سعيد بالرحيل.
وقال أحد المشاركين في التظاهرة، ويُدعى محمد علي شادي، لـ"العربي الجديد"، إن "أكاذيب قيس سعيد ظهرت رغم خطاباته الشعبوية بالتشغيل والتنمية والحرية ومقاومة الفساد، ولكن ما حصل على أرض الواقع مخالف لذلك، وبعد أشهر من الانقلاب ساءت الأوضاع، ولا يوجد أي منفذ لسعيد، فالبلاد تسير نحو الانهيار".
وقال القيادي في حركة النهضة، بلقاسم حسن، في تصريح لـ"العربي الجديد"، "نحن نحتفل اليوم بذكرى عيد الاستقلال، ولكن هذا الانقلاب لا علاقة له بالاستقلال، ونذكّر بأنه حصل يوم 25 يوليو، أي في عيد الجمهورية، وبالتالي هو لا يعترف بالاستقلال ولا بالديمقراطية".
وأضاف أن "سعيد يدّعي الدفاع عن الحرية، ولكنه في الحقيقة ضد الدستور وضد الحريات، وبالتالي فالانقلاب إلى زوال، ورغم أنه جمع كل السلطات بالأمر 117، التشريعية والتنفيذية ثم القضائية، فلم يقدم شيئا للتونسيين".
ولفت إلى أن "المحتجين الحاضرين اليوم جاؤوا من أجل الدفاع عن البرلمان وعن الدستور"، مؤكداً أن "الثورة التي أسقطت الانقلاب والفساد لن تقبل باستمرار الوضع وبالإجهاض على مكتسباتها".
وحسب ما نشرته صفحة "مواطنون ضد الانقلاب" التونسية، فقد شاركت الحركة ومعها حركة النهضة والمبادرة الديمقراطية وائتلاف الكرامة، في مسيرة حاشدة، صباح اليوم الأحد.
ووفقاً لما أكدته الحركة في بياناتها، فإن المسيرة تحركت من منطقة "باب سعدون" في تونس العاصمة، ووصلت إلى ساحة باردو، لكنها لم تستطع أن تدخلها، نظراً للحواجز التي وضعتها القوات الأمنية التونسية.
وأكد عضو مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب"، الحبيب بو عجيلة، في كلمة ألقاها أمام المحتجين، أن "على قيس سعيد الرحيل، لأنه فشل وتونس تنهار، ليغلق قوس الانقلاب، وكل القوى السياسية والنخب الوطنية ضده، وبقي معه فقط عدد قليل من أنصار الثورة المضادة والدولة البوليسية التي لن تعود، وهذه الديمقراطية دفع ثمنها التونسيون".
وقال إن "هذا الحضور الكثيف سيزلزل المنقلب، وإصراره على السير في هذا الطريق المسدود يقود إلى الخراب والدمار لن يستمر".
ولفت إلى أن "منع المحتجين من التوجه نحو البرلمان وغلقه بالدبابات، لم يمنع الحشد الشعبي اليوم من الوصول إلى ساحة باردو، وهذا أكبر دليل على أن الانقلاب فشل، والسلطة اليوم تفكر في كيفية التخلص من هذا المأزق. فعلى امتداد 8 أشهر تم صناعة ملحمة قادها المحتجون بكل أطيافهم وانتماءاتهم السياسية، وجعلوا المترددين يراجعون حساباتهم".
ورأى القيادي في مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب"، جوهر بن مبارك، أن "الشعب التونسي حدد مسار الانقلاب، ولن تكون هناك بعد اليوم لا استشارة ولا انتخابات مزوّرة، ولكن ستكون هناك انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة وديمقراطية لاختيار حكام تونس".
وأوضح بن مبارك في كلمة له أن "رسالتهم موجهة للمنظمات الوطنية وإلى الأحزاب لرص الصفوف وإنقاذ تونس من براثن الشعبوية"، مؤكداً أنه "سيتم تشكيل الجبهة الوطنية لإنقاذ تونس التي تتقدم شيئاً فشيئاً. صحيح أن الوقت قاتل ولا يرحم، ولكن هذا ما يستدعي التسريع بالإعلان عن الجبهة لإيقاف هذا العبث".
وبيّن أن "على القوى السياسية ترتيب وضعها لإخراج تونس من وضعها"، مؤكداً أن "الدفاع عن الديمقراطية يقتضي وقفة جدية، فنحن في نهاية المسار، وتونس اليوم في خطر داهم، والمواطن مهدد في قوته".
وقال إن "الشعب التونسي يعبّر اليوم بصوت واحد عن رفضه للانقلاب، وحضور عشرات الآلاف في باردو تأكيد مرة أخرى على أن سعيد في وادٍ والشعب في وادٍ آخر".
وأكد أن "أشهر الانقلاب فترة سوداء في تاريخ تونس"، مشددا على أنه "لابد من المثابرة في المعركة الحالية ضد أجهزة الدولة المتحالفة مع الانقلاب".
وفي تصريح لـ"العربي الجديد"، أوضح بن مبارك أن "الانقلاب يتراجع بعد سقوط كل الأوهام التي روّج لها في الإصلاح والرخاء، وتبيّن بالواضح للتونسيين زيفها، وأنه لم يكن في الحقيقة سوى نزعة لحكم فردي ومجرد عبث بالدولة والمؤسسات، والتفقير والتجويع".
وأضاف أن "البلاد مفلسة ومعزولة دولياً، والتونسيين تفطنوا لذلك، وهذا ما أثبتته التحركات الميدانية، والعدد الكبير للمتظاهرين، فالانقلاب في تراجع مستمر".
وشدد على أنه "لن يتم ترك الشوارع قبل سقوط الانقلاب، وتونس اليوم في مفترق خطير وتعيش أزمة كبيرة، ولم يعد ينفع الصمت والنظر بسلبية للوضع بسبب حسابات سياسية".
كذلك، أكدت عضو مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب"، شيماء عيسى، في تصريح لـ"العربي الجديد"، اعتزامهم الخروج في مسيرة يوم 26 مارس/آذار المقبل لمواصلة النضال وإسقاط الانقلاب".
وبحسب عيسى، فإن "تونس مقبلة على فترة صعبة، رغم أنها بلد استراتيجي ولديها إمكانيات، ولكنّ هناك فشلاً في إدارة الدولة"، مؤكدة أن "الجبهة الديمقراطية السياسية في طريقها إلى التشكل، ويجب أن تكون وفق برامج، فالتوافقات السابقة عندما بنيت دون برامج فشلت، ولذلك اليوم هناك مشاورات ولقاءات من أجل مبادرة واقعية".
وأكدت أن "الحواجز الأمنية حالت دون تقدم المسيرة نحو ساحة باردو، إذ استعملت يد البوليس للقمع، ولكن الانقلاب انتهى، لأنه لم يجد حلولاً للتونسيين".
من جهته، أفاد القيادي في حركة "النهضة" والمستشار السياسي لراشد الغنوشي، رضا الشعيبي، في كلمة ألقاها أمام المحتجين، بأن "عدد المحتجين الحاضرين في مسيرة اليوم بلغ نحو 30 ألف تونسي، وهو رقم سيسجله التاريخ".
وقال إن "الحاضرين جاؤوا من كل المحافظات، من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال"، مبيناً أن "التونسيين الأحرار نزلوا اليوم للشارع وتجمّعوا في هذا المكان ليرددوا بصوت واحد: يسقط الانقلاب".
وقال أيضاً إن "إرادة المحتجين أقوى من المنقلب، وصوتهم من أجل الحرية والكرامة الوطنية أقوى، والانقلاب ساقط لا محالة".
بدورها، قالت نائبة رئيس البرلمان، سميرة الشواشي، إن "الكلمات تقف عاجزة أمام هذا الحشد الكثيف"، مبينة أن "لا نقاش بأن ما حصل هو انقلاب، وهذا قيل منذ اليوم الأول، وأن الاستشارة فاشلة ولن يتم القبول بنتائجها".
وبيّنت أن رسالتها اليوم "موجهة لكل مكونات الجبهة الديمقراطية الوطنية، بأن الانقلاب سيسقط".
ومنذ 25 يوليو/تموز 2021، تعيش تونس أزمة سياسية، حين بدأ سعيد فرض إجراءات استثنائية منها: تجميد اختصاصات البرلمان، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقالة الحكومة وتعيين أخرى جديدة، الأمر الذي وصفه معارضون بـ"الانقلاب".