آخر عقبة أمام بايدن: المخاطر والمضاعفات

04 يناير 2021
ينعقد الكونغرس الأربعاء للتصديق على تصويت المجمّع الانتخابي (Getty)
+ الخط -

بعد غد الأربعاء كان يفترض أن يكون مجرد يوم عادي في الروزنامة؛ فيه يجتمع الكونغرس بمجلسيه الشيوخ والنواب للتصديق رسمياً على تصويت المجمّع الانتخابي، في ما يشبه وضع الخاتم الرسمي الأخير على فوز جو بايدن بالرئاسة. إجراء دستوري احتياطي، لكنه عملياً أقرب إلى الشكلي، ولا يستغرق أكثر من نصف ساعة، من دون أن يثير أي اهتمام، باعتباره عملية تحصيل حاصل لا تحظى بأكثر من إشارة عابرة.

لكن في الحالة الراهنة، سيشذ هذا الإجراء عن القاعدة، للمرة الثانية في تاريخ الرئاسة الأميركية. الرئيس ترامب قام بحملة مركّزة في أوساط الجمهوريين في المجلسين لحملهم على الاعتراض ورفض التصديق بحجة لا شرعية الانتخابات في عدد قليل من الولايات، علّ ذلك يكون يكون مدخلاً لإثارة قضية تؤدي إلى انقلاب الأكثرية على النتائج. يكفي أن يرفض جمهوري واحد في مجلس الشيوخ، إلى جانب جمهوريين في مجلس النواب، لينفتح النقاش في المجلسين ولمدة ساعتين، يعقبه تصويت بالأغلبية.

فجأة أعلن زعيم الأغلبية السناتور، ميتش ماكونيل، أنه يترك لكل سناتور حرية "التصويت وفق ضميره " وذلك بعد أن تراجع أو اضطر إلى التراجع عن ضبط فريقه

في ضوء التوازنات والأجواء القائمة، تبدو هذه الخطة محكومة باللاجدوى: الأغلبية في مجلس النواب بيد خصوم الرئيس الديمقراطيين، وفي مجلس الشيوخ لا توجد رغبة لممارسة هذه اللعبة، خاصة بعد اعتراف قيادتهم بفوز بايدن.

بقي الأمر كذلك لغاية أواخر العام الماضي، حين كشف أحد الجمهوريين في مجلس الشيوخ، السناتور جوش هاولي، عن عزمه على تحدّي النتيجة. وبذلك ضمن الرئيس ترامب فتح الجدل حول الموضوع في الكونغرس والتصويت عليه، بالرغم من فضيحة اتصاله يوم السبت بمسؤول الانتخابات في ولاية جورجيا ومطالبته بتغيير أرقام التصويت فيها.

وكان ترامب قد كثّف حملته بعد عودته من فلوريدا، التي يبدو أنها آتت ثمارها، إذ أعلن 12 سناتوراً جمهورياً دفعة واحدة انضمامهم إلى هاولي. وفجأة، أعلن زعيم الأغلبية، السناتور ميتش ماكونيل، أنه يترك لكل سناتور حرية "التصويت وفق ضميره "، وذلك بعد أن تراجع أو اضطر إلى التراجع عن ضبط فريقه. موقف يشير إلى أن المزيد من الجمهوريين في مجلس الشيوخ قد ينضم إلى المعترضين. ومع أنه ليس من المتوقع أن ينقلب كل مجلس الشيوخ إلى جانب الرئيس، إلا أن التحوّل بهذ الشكل والسرعة أثار مخاوف من احتمال نشوب أزمة تزيد، في أقله، من تعقيد المشكلة، ولو أن مجلس النواب قد يبقى السد في وجه أي تغيير.

ما يقوم به مؤيدو الرئيس يبدو كمحاولة لاستنساخ تجربة انتخابات 1876، وقد تؤدي إلى ذات النتيجة التي انتهى إليها حسم الكونغرس الخلاف حول التصديق. آنذاك، حصل نزاع بعد الاتهام بالتلاعب في عملية عدّ أصوت المجمّع الانتخابي في أربع ولايات. حسب النتيجة، بقي الرئيس الديمقراطي صموئيل تلدن بحاجة إلى صوت واحد للفوز بالحد الأدنى من أصوات المجمّع، مع أنه نال الأكثرية من الأصوات الشعبية. كانت تركيبة الكونغرس كما هي الآن: النواب مع الديمقراطي والشيوخ مع الجمهوري. اجتمع الكونغرس في الموعد 5/1/1877 للبت في الموضوع، فاختار تشكيل لجنة ثلاثية من 15 عضواً: 5 نواب و5 شيوخ و5 قضاة من المحكمة العليا، توزعو مناصفة: 7 ديمقراطيين ومثلهم جمهوريون وواحد مستقل (من القضاة). انسحب عضو واحد وجرى استبداله بجمهوري، ما قلب المعادلة، فكانت نتيجة التصويت في اللجنة لمصلحة المرشح الجمهوري روثرفورد هايز، بعد تجيير أصوات الولايات المتنازع عليها له، وفاز بأكثرية صوت واحد.

هل ينجح البيت الأبيض في إحالة النزاع إلى صيغة مشابهة يمكن أن تفتح المجال أمام فذلكات واجتهادات تقود إلى سياقات غير معروفة؟ علما بأن المعترضين يعتزمون طرح مقترح يقضي بتأجيل تصديق الكونغرس لمدة عشرة أيام لتقصي الحقائق حول تهمة "التزوير". صيغة غير مسبوقة من المستبعد قبولها في الكونغرس في ضوء توازناته.

طبعاً حالة 1876 مختلفة. النزاع الذي حصل حول أصوات الولايات غير قائم في الحالة الراهنة. المحاكم ردت كل الطعون (حوالى 60) التي طرحت عليها "لعدم الجدارة". وبالتالي، إن عامل المنازعة غير متوافر قانوناً. ثم إن فوز بايدن حظي باعتراف كاسح من الأطراف كافة، ما عدا الفريق الصلب الواقف مع الرئيس. لكن تطورات اليومين الأخيرين لا تسمح بقفل باب المفاجآت. وقد تأخذ العملية شحنة زخم إضافي بعد انتخابات مقعدي الشيوخ في ولاية جورجيا التي ستُجرى الثلاثاء، قبل اجتماع الكونغرس بيوم واحد، والتي يجري التعامل معها وكأنها الشق الثاني من انتخابات الرئاسة نظراً لأهمية ما سترسو عليه. الديمقراطي بحاجة إلى المقعدين لضمان الأكثرية، والجمهوري بحاجة إلى واحد على الأقل للاحتفاظ بالأغلبية. وعلى الغلبة يتوقف الكثير من تسهيل الطريق أو عدمه أمام إدارة بايدن القادمة. ولا عجب أن كلفة المعركة التي نزل فيها كلا الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، بكل ثقلهما، بلغت نصف مليار دولار. رقم خيالي يوازي نصف كلفة انتخابات الرئاسة.

يوم الأربعاء القادم غير اعتيادي في واشنطن، التي تعيش حالة من حبس الأنفاس. قد لا يكون أكثر من جلبة عابرة. لكنه قد يتحول إلى محطة مفخخة ومحفوفة بمخاطر تثير خشية حقيقية حملت 10 من وزراء الدفاع السابقين لرفع عريضة تحذير الرئيس من المضي في محاولاته لإطاحة نتائج الانتخابات. والمقرر أن تشهد واشنطن تظاهرة كبيرة لأنصار الرئيس في ذات اللحظة التي يجري فيها نقاش الموضوع في الكونغرس. كذلك هناك خشية من احتمال العودة إلى الورقة الخارجية بعد التصويت في الكونغرس، حيث راج الحديث في الأيام الأخيرة عن تحركات واستعدادات باتجاه التحضير "لشيء ما " ضد إيران لو قامت بأي عمل انتقامي بمناسبة مرور سنة على اغتيال الجنرال قاسم سليماني.