رفع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون سقف المواجهة ضد معارضيه، داخل حزبه "المحافظين" الحاكم، وخارجه، خصوصاً حزب "العمال"، بعد صدور تقرير كبيرة الموظفين الحكوميين سو غراي، بشأن "فضيحة الحفلات"، التي نُظّمت في المقرّ الحكومي، 10 داونينغ ستريت، أثناء الإغلاقات لحصر تفشي وباء كورونا.
ويحاول في الفترة الأخيرة التركيز على التخفيف من إجراءات كورونا في الداخل البريطاني، ومواجهة روسيا في الأزمة الأوكرانية في الخارج.
تقرير غراي عن حفلات داونينغ ستريت
وفي تقريرها الصادر أمس الإثنين، أقرّت غراي بمحدودية ما يمكنها التصريح به، لكن في تقريرها الواقع في 12 صفحة، ندّدت بـ"الاستهلاك المفرط للكحول" في مناسبات عدة أُقيمت في داونينغ ستريت.
واعتبرت في التقرير، الذي تسلّمه رئيس الوزراء: "لقد حصلت إخفاقات في القيادة وفي التقدير من جانب أفرقاء عدة في داونينغ ستريت ورئاسة الحكومة، في أوقات مختلفة. بعض الأحداث ما كان يجب أن يُسمح بحصولها".
لكن غراي لم تنتقد رئيس الوزراء شخصياً أو تصدر حكماً على تصريحاته السابقة، بل سلطت الضوء على الإخفاقات في قلب الحكومة.
وأدرجت غراي أسماء 16 تجمّعاً في 12 حفلة خلال 20 شهراً بين عامي 2020 و2021، فحصتها بحثاً عن أدلة على خرق القواعد، ويجري التحقيق في 12 منها من قبل الشرطة.
من جهته، قال رئيس "السوط" (لجنة الانضباط الحزبي) لدى المحافظين السابق مارك هاربر، إنه "غير مرتاح" بشأن التزام رئيس الوزراء بنشر تقرير غراي الكامل.
تقرير غراي: بعض الأحداث ما كان يجب أن يُسمح بحصولها
وعلى الرغم من إبداء "أسفه" أمام البرلمان بعد صدور التقرير، إلا أن جونسون رفض الاستجابة للأصوات الجديدة التي طالبته بالاستقالة، بل تعهّد بـ"تغيير طريقة إدارة الأمور في داونينغ ستريت". وأضاف: "يمكن الوثوق بأننا سنحقّق ذلك".
واعتبر زعيم المعارضة العمالية، كير ستارمر، أن جونسون "رجل لا يعرف الخجل"، وحضّ شركاءه في الحكومة على إطاحته بدلاً من "دعم مزيد من سوء السلوك والتستّر والخداع".
الصحافة تهاجم جونسون
وهاجمت الصحف البريطانية الصادرة اليوم الثلاثاء جونسون، واعتبرت "ذا غارديان" و"مترو" و"الإندبندنت" أن التقرير فضح "سقطات القيادة"، بينما وصفت "ميرور" رفض جونسون الاستقالة، على الرغم من تنظيم 12 حفلة أثناء الإغلاقات، بـ"العار".
وتطرقت "تايمز" إلى أن جونسون سيخضع للتحقيق مع الشرطة بشأن أربع حفلات على الأقل.
واعتبرت "إكسبرس" أن "جونسون فهم الأمر أخيراً"، مشيرة إلى أنه تمكّن من حشد مؤيدين له بعد قوله إن "كورونا كاد أن يقتلني"، في إشارتها إلى إصابته بالفيروس في مارس/آذار وإبريل/نيسان 2020.
بدورها، كتبت "تلغراف" أن "جونسون سيطلب تقريراً جديداً من غراي" لتحديث تفاصيل محددة بغية إرضاء النواب الثائرين عليه، في ظلّ مطالبة المحافظين بنشر التقرير كاملاً.
وذكرت المساعدة في حزب المحافظين، أنجيلا ريتشاردسون، في حديثٍ مع "ذا غارديان"، أنها استقالت من منصبها الأسبوع الماضي، بسبب "خيبة أملها" من رئيس الوزراء، في حين ألقى النائب الفائز في انتخابات 2019، العام الذي سجل فيه "المحافظون" انتصاراً تاريخياً، آرون بيل، خطاباً مشحوناً بالعواطف. واتهم جونسون بجعله يبدو وكأنه أحمق، بعد أن تمسّك بقواعد إغلاقات أثناء جنازة جدته.
وشعر المحافظون في البداية بالفزع من أداء جونسون المتحدي في مجلس العموم، أمس الإثنين، الذي رفض فيه الالتزام بنشر تقرير غراي الكامل.
وكشفت "ذا غارديان" أن العديد من نواب حزب المحافظين المعارضين لقيادة رئيس الوزراء يتساءلون عن سبب عدم تقديم المزيد من زملائهم خطابات سحب الثقة، على اعتبار أن هناك حاجة إلى 54 شخصاً على الأقل للتصويت على قيادة جونسون.
وقال أحد أعضاء البرلمان إن تصميم جونسون على الاستمرار في القتال يعني أن إقالته ستكون "مؤلمة للغاية"، وستلحق أضراراً جسيمة بالحزب، بينما رأى آخر أنه من الواضح أن نواب حزب المحافظين سيحتاجون في وقت ما إلى التصعيد لإخراج جونسون من المقرّ الحكومي.
واعتبر النواب المعارضون لجونسون أن حفلة أقيم 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، كانت الأكثر ضرراً، لأنه حصل في الليلة التي استقال فيها دومينيك كامينغز، المساعد السابق لجونسون.
وجرت الحفلة في شقة رئيس الوزراء، وأفيد عن سماع أصوات موسيقى صاخبة فيها. ورفض جونسون إبلاغ البرلمان ما إذا كان حاضراً في الشقة في ذلك المساء.
وقال أحد الوزراء إن هناك مخاوف كبيرة بشأن استمرارية جونسون في منصبه، ومع ذلك اعتبر أن من "أحد أسباب تطور هذا الوضع هو إحجام بعض الأشخاص حول رئيس الوزراء عن أخذ المشورة الخارجية".
وقال وزير آخر رفيع المستوى: "الإدارات محبطة باستمرار بسبب أشخاص مجهولين في داونينغ ستريت". وشدّد النواب المعارضون على أنهم "لم يتأثروا بأداء جونسون في البرلمان".
حفلات تخرق القواعد
وعلى مدى أسابيع، كشفت وسائل إعلام بريطانية وثائق وصوراً مسرّبة ورسائل إلكترونية، بيّنت وجود خرق متكرّر لقواعد التباعد الاجتماعي التي كانت الحكومة قد فرضتها.
ومن بين الأحداث التي نظّمت، حفلة أقيمت في مايو/أيار 2020 في حدائق داونينغ ستريت، واحتفالات بعيد الميلاد، وحفلة عشية مراسم دفن الأمير فيليب.
وتخلّل تلك الحفلة إحضار حقيبة مليئة بالمشروبات الكحولية ورقص حتى الفجر، مما أثار غضباً عارماً، نظراً إلى ما ساد مراسم الدفن من تقيّد تامّ بقواعد التباعد الاجتماعي.
النواب المحافظون سيحتاجون في وقت ما إلى التصعيد لإخراج جونسون من الحكومة
وفي تناقض تام مع حفلات داونينغ ستريت، جلست الملكة إليزابيث الثانية يومها وحيدة في كنيسة قصر وندسور في وداع زوجها. وأصدرت رئاسة الحكومة لاحقاً بيان اعتذار من العائلة المالكة.
متمردون على جونسون
ويشدّد نواب أعضاء في حزبه المحافظ على فقدانهم الثقة في جونسون، ويتوقّع أن يزداد عدد هؤلاء. ويحتاج طرح الثقة في رئيس الحكومة إلى موافقة 54 نائباً محافظاً، إلا أنّ كثراً يتريّثون.
وانضمّ الوزير السابق للتنمية الدولية آندرو ميتشل إلى صفوف المتمردين في الحزب المحافظ، وقد أبلغ جونسون في البرلمان بأنه سحب تأييده له.
لكن مع محدودية المعلومات الواردة في تقرير غراي واحتمال أن يستغرق تحقيق شرطة "سكوتلند يارد" أشهراً، مُنح جونسون فرصة لالتقاط أنفاسه ورصّ صفوف مناصريه واستعادة زمام المبادرة.
وستحقق الشرطة في أكثر من 300 صورة، التُقط بعضها من كاميرات المراقبة داخل داونينغ ستريت، و500 صفحة، وكلها متعلقة بـ12 حفلة أُقيمت في فترة الإغلاقات.