تثير الاعتراضات التي تقدمت بها حركة "فتح" على مرشحي القوائم الأخرى المترشحة للانتخابات التشريعية الفلسطينية المقبلة جملة من التساؤلات والاتهامات من خبراء قانونيين، ومن القوائم الأخرى حول حياد المؤسسات الحكومية والرسمية الفلسطينية، وفرضية استغلال "فتح" تلك المؤسسات للحصول على معلومات غير متاحة عن المرشحين.
وقدمت "فتح" اعتراضات بشكل لافت ضد قوائم خصومها السياسيين، وشملت قوائم: "الحرية" (تحالف الملتقى الديمقراطي برئاسة ناصر القدوة مع مروان البرغوثي)، و"القدس موعدنا" (قائمة حركة "حماس")، و"التيار الإصلاحي" التابع للقيادي المفصول من "فتح" محمد دحلان، وقائمة "تجمع الكل الفلسطيني".
ومن بين الاعتراضات الـ62 التي رصدها "العربي الجديد"، تقدمت عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، دلال سلامة، لوحدها بـ48 اعتراضا.
ولا ترى قوائم انتخابية أي وجاهة قانونية في تلك الاعتراضات التي تلقت من لجنة الانتخابات بلاغات بشأنها، بل ترى أن بعضها استند إلى معلومات تم الحصول عليها عبر استغلال المؤسسات الحكومية.
وبحسب القاضي السابق، ومحامي قائمة "الحرية" ومرشحها أحمد الأشقر فإن 13 اعتراضا ضد مرشحي القائمة لا تقوم على أي مسوغ قانوني، بل استندت إلى معلومات حصلت عليها القائمة المعترضة بوسائل وصفها بأنها "غير قانونية" قد تشكل جريمة انتخابية.
وأشار الأشقر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن "كتلة الحرية وحرصا على النسيج الوطني قررت عدم اتباع الوسيلة ذاتها أو التجريح بأي مرشح واكتفت بتقديم الرد القانوني، ودعت لجنة الانتخابات إلى التحقيق في كيفية قيام الكتلة المعترضة بالمساس بخصوصية المرشحين بوسائل غير قانونية".
وعلم "العربي الجديد" أن كل الاعتراضات على مرشحي قائمة "الحرية" تقدمت بها سلامة، فيما استند جزء منها إلى ملفات تحقيقية أي لم يصدر بها قرارات قضائية، أو لم تكن قد حولت إلى المحاكم، وبعضها تحت بند "الذم"، أو "ذم السلطة"، وهو ما يعطي الانطباع بأن الحصول على تلك المعلومات تم من أحد الأجهزة الرسمية بشكل غير متاح للقوائم الأخرى.
وكشف المرشح عن القائمة، عبد الفتاح حمايل، لـ"العربي الجديد"، أنه "باستثناء اعتراض وحيد ضد سيدة مقدسية متعلق بجنسيتها، فإن باقي الاعتراضات تتعلق بقضايا تحقيقية أو قضائية لم يتم البت فيها، ومنها قضية للمرشح أحمد غنيم الذي كان حصل على البراءة من القضية المثارة".
ووفق المعلومات التي حصل عليها "العربي الجديد"، فإن أحد الاعتراضات كان بحق المرشح القاضي المحال للتقاعد المبكر، عزت الراميني، تحت بند "الذم"، وآخر ضد الأشقر، وآخر بادعاء عدم تقديم مرشحة لاستقالتها.
أما الاعتراضات المقدمة ضد قائمة "القدس موعدنا" التابعة لحركة "حماس" فوصلت إلى 10 وتقدمت بها كلها سلامة؛ وبحسب توضيح المرشح جمال الطويل القيادي بالحركة لـ"العربي الجديد" فقد جاءت على نحو 8 اعتراضات بادعاء عدم تقديم المرشحين استقالاتهم قبل الترشح؛ رغم إرفاق تلك الاستقالات للجنة الانتخابات بطلبات الترشح.
وتم تقديم اعتراض ضد الأسير المحرر المبعد إلى غزة، سعيد بشارات، بدعوى وجود حكم قضائي ضده، ويقول الطويل إن بشارات كان في تلك الفترة معتقلا في سجون الاحتلال والقضية متعلقة بتعرض عائلته للسرقة وإصدار حكم ضد الجناة قبل حل القضية عشائريا.
أما المرشح خالد براهمة من قائمة "حماس" فأكد لـ"العربي الجديد" أن الحكم القضائي المثار صدر بحقه قبل أعوام وهو مرتبط بالانقسام وحرية الرأي والتعبير، حيث اتهم بقذف مقامات عليا بسبب انتقاده تعزية الرئيس الفلسطيني محمود عباس لوفاة الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريز، وهو كما يؤكد براهمة حكم لا يتعلق بما يخل بالشرف أو الأمانة.
وأعلنت "حماس" أنها لم تقم بتقديم أي اعتراض على أي مرشح، "لتجري الانتخابات دون تنغيص"، حسب جمال الطويل.
ووفق مصادر "العربي الجديد" فقد تقدمت قائمة "فتح" باعتراضات على 23 من مرشحي قائمة دحلان بواسطة سلامة، و11 بواسطة آخرين، ومن بين الاعتراضات ما استند إلى ملفات تحقيقية أيضا أحدها ضد النائب السابق شامي الشامي، حيث لم يكن الملف قد أحيل إلى المحكمة ولم يستدعَ هو للتحقيق حول تهمة "قدح المقامات العليا"، فيما ارتبط اعتراضان آخران بعسكريين فصلا قبل سنوات بتهمة التجنح (أي الانتماء لتيار دحلان).
وتقدمت سلامة بثلاثة اعتراضات على مرشحين من قائمة "وطن"، وفق ما أكده رئيس القائمة حسن خريشة لـ"العربي الجديد"، مشيراً إلى أن أحدها يتعلق بحكم محكمة على مرشح لانتهاء تأمين مركبته، وآخر بسبب شيك بنكي مرتجع دفعت قيمته في المحكمة، وثالث لحكم يتعلق بقضية نقل خضراوات بدون أوراق رسمية غرم ماليا.
وعلق خريشة بأن كل تلك القضايا ليست ضمن شروط قانون الانتخابات والمرشحين الثلاثة يملكون شهادات عدم محكومية من وزارة العدل، معتبرا أنها "محاولات استفزاز وتنبيش كما وصفها".
وقدمت سلامة أيضا اعتراضين على مرشحين اثنين من القائمة المستقلة "تجمع الكل الفلسطيني"، وقال رئيس القائمة المحامي بسام القواسمي إن الأمر يتعلق بسائقين عموميين يمثلان مجموعة هامة، وسبب الاعتراض تمثل في الادعاء بأنهما لم يستقيلا من عضوية ورئاسة نقابة السائقين، مستغربا ذلك، ومؤكدا أنهما قدما استقالتهما رغم عدم اشتراط القانون لذلك.
وحول الاستناد إلى ملفات تحقيقية وليس إدانات قضائية في قضايا مخلة بالشرف والأمانة، يقول مدير "مركز مساواة"، إبراهيم البرغوثي لـ"العربي الجديد" إن "العبرة فقط بالإدانة القضائية النهائية ولا قيمة قانونية لمجرد وجود ملفات تحقيقية".
أما عن حصول حركة "فتح" على معلومات عن ملفات تحقيقية، فيؤكد البرغوثي أن ذلك "ينم عن استخدام نفوذ لكنه لا يرتقي لدرجة الإخلال في موجبات الدولة، حيث يمكن التقدم بطلب إلى جهات تطبيق القانون للاستفسار عنها".
لكن خبراء قانونيين آخرين اختلفوا مع البرغوثي، لا سيما من اطلع على بعض الاعتراضات، كالقاضي السابق وعضو مجلس نقابة المحامين السابق، داود درعاوي، الذي كشف لـ"العربي الجديد" اطلاعه على اعتراضات شملت معلومات تفصيلية ووثائق مصدرها أجهزة الدولة برأيه.
وقال درعاوي إن ما اطلع عليه تعلق بعسكريين سابقين اثنين أرفق فيهما ملفات خلال فترة الخدمة العسكرية بأرقام الملف والدعاوى في القضاء العسكري بينها قضية إيذاء بسيط أثناء الخدمة العسكرية وانتهت بمصالحة سقط فيها الحق العام.
كما أكد درعاوي اطلاعه على قضايا لم يبت بها القضاء بعد، أو تهم تخل فعلا بالشرف والأمانة مثل قضايا تزوير لكن المرشحين حصلوا على براءة قضائية منها، إضافة إلى اعتراضات ضد خصوم سياسيين لفتح بدعوى عدم الإقامة في فلسطين، وآخر على قاضٍ سابق أحيل للتقاعد، وأرفق بالاعتراض طعن تقدم به القاضي على قرار تقاعده.
لكن المشكلة الحقيقية برأي درعاوي تتمثل في كيفية الحصول على كل ذلك القدر من المعلومات، موضحا أنه رأى صورا لأحكام قضائية مرفقة بالاعتراضات. وقال في هذا الصدد "من الواضح أنه قد تم استخدام أجهزة الدولة والمؤسسات العامة في إحضار هذه الوثائق لا يمكن لشخص عادي الحصول على قرار حكم إلا من خلال تقديم طلب رسمي من المحكمة وإجراءات خاصة ولكن الحصول عليه في الساعات الأخيرة يوضح أن هناك عملية مرتبة شارك فيها أشخاص نافذون داخل المؤسسات".
وينطبق الأمر برأيه على قضية الاستناد إلى الملفات التحقيقية التي تكون لدى مؤسسات إنفاذ القانون كالنيابة العامة أو أجهزة الضبط القضائي، فضلا عن القضاء العسكري الذي ينطوي الحصول على معلومات منه على تعقيدات أكثر من القضاء المدني.
وأشار إلى إرفاق تواريخ دقيقة لمواعيد خروج ودخول مرشحين عبر المعابر ما يفسره على أنه عدم حياد المؤسسات الرسمية في التعاطي مع مسألة الانتخابات والاعتراضات.
في المقابل، نفى رئيس مكتب الإعلام في مفوضية التعبئة والتنظيم بحركة "فتح"، منير الجاغوب، في حديث مع "العربي الجديد" التوجه إلى مؤسسات رسمية للحصول على معلومات تمكن من تقديم الاعتراضات، مشيرا إلى أن المعلومات عن أي شخص يمكن الحصول عليها بسهولة.
وقال إن "فتح حركة جماهيرية واسعة لديها فروع وأقاليم ممتدة ينتج عنها شعب ومناطق تنظيمية وعناصر يمكن التواصل بسهولة معهم في أي منطقة والحصول على معلومات متاحة عن أي شخص".
وأضاف الجاغوب أن "عددا كبيرا من الاعتراضات قدمت ضد مرشحي حركة فتح أيضا بينها طعن من قائمة دحلان على ترشح الفريق جبريل الرجوب، لكن فتح تقبلت ذلك ولم تتهم أحدا بالحصول على معلومات من أي جهة".
ودعا الجاغوب إلى "تقبل العملية الديمقراطية إلى آخرها والطعون جزء منها"، متهما حركة "حماس" بإطلاق حملة ورسوم كرتونية ضد سلامة باعتبارها قدمت طعونا.
ونشر الجاغوب على صفحته على "فيسبوك" أن "الطعون الانتخابية على اختلاف أشكالها تعدّ من مقتضيات نص عليها قانون الانتخابات العامة لضمان سير العملية الانتخابية بشفافية وللتأكيد على نزاهة العملية الإجرائية للانتخابات بكافة مراحلها".
وأضاف "نحن في حركة فتح نتقبل ما يصدر عن لجنة الانتخابات المركزية حول هذه الطعونات سواء كان ضدنا او معنا، وبما أننا جميعا وقعنا اتفاقا باحترام كل المراحل الانتخابية، ونعتقد أن الانتخابات وكل مراحلها نهجا محمودا ونتقبل كل ما سيصدر عن هذه المراحل بكل صدر رحب".
وأردف "من حق الجميع أن يعبر عن رأيه وقناعاته ويمارسها في كل هذه المراحل المصاحبة للانتخابات، ومهاجمة البعض لحركة فتح لانها قدمت طعونات في بعض المرشحين غير مبرر ومن حق أي قائمة ممارسة حقها وتقبل النتائج الصادرة عن لجنة الانتخابات المركزية صاحبة الحق في البت بهذه الطعونات".
ورأى الخبير القانوني، ماجد العاروري، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "المؤشرات تذهب إلى أنه قد تكون قد استخدمت مؤسسات الدولة للحصول على معلومات لصالح قائمة حزبية"، داعيا إلى إجراء تحقيق للتأكد من صحة ذلك.
وطالب العاروري المؤسسات الأهلية الفلسطينية المعنية بمراقبة الانتخابات بالقيام بدورها الحقيقي في الرقابة على الطعون والوثائق المتعلقة بها ومدى مشروعية الحصول عليها.