"طالبان" الباكستانية تكثّف نشاطها: رهان على حكّام كابول لكبحها

30 سبتمبر 2021
عناصر من حركة طالبان الأفغانية على الحدود مع باكستان (حسين علي/Getty)
+ الخط -

رفعت حركة طالبان- باكستان، من وتيرة هجماتها داخل الأراضي الباكستانية، وعلى الحدود مع أفغانستان، منذ أن سيطرت "طالبان" الأفغانية على كابول في 15 أغسطس/آب الماضي، وأعادت فرض حكمها على البلاد بعد عقدين من الزمن. واستهدفت معظم تلك الهجمات، قوات الجيش والأمن الباكستاني، ما أثار قلق إسلام أباد، لاسيما أن الحركة بفرعها الباكستاني، رفضت عرض حكومة عمران خان التفاوض معها مقابل العفو، بعد إعلانها مواصلة نشاطها من أجل إقامة حكومة إسلامية، على غرار عودة إمارة "طالبان" الإسلامية في أفغانستان.

مجاهد: طالبان لن تسمح لأي جهة باستخدام الأراضي الأفغانية ضدّ أي دولة مجاورة

وفي حين كثرت التكهنات حول فحوى الزيارة غير المعلنة التي قام بها رئيس الاستخبارات الباكستانية، الجنرال فايز حميد، إلى كابول، في الرابع من شهر سبتمبر/أيلول الحالي، وقبيل ولادة حكومة تصريف الأعمال التي أعلنت عنها "طالبان" (في 7 سبتمبر)، يوضح المتحدث باسم الحركة الأفغانية، ووكيل وزارة الثقافة في حكومتها، ذبيح الله مجاهد، لـ"العربي الجديد"، أن تلك الزيارة حرّكتها فقط المخاوف الأمنية لدى باكستان، مؤكداً أن فايز حميد طلب من الحركة الأفغانية ألا يجري استخدام الأراضي الأفغانية من قبل أي جماعة أو منظمة عسكرية، ضد مصالح باكستان. ويضيف مجاهد، في حديثه، أن "طالبان أصبح لديها حكومة اليوم، وباتت تحكم أفغانستان كلّها، وقدمت تعهدات دولية، وبالتالي فهي لن تسمح لأي منظمة محلية أو إقليمية، بأن تستخدم الأراضي الأفغانية ضد أي دولة مجاورة أو قوة إقليمية أو دولة في العالم، وهي تتطلع وتسعى جاهدة من أجل بناء علاقات جيدة مع كل دول العالم، وتحديداً في الجوار الأفغاني، ما يعني أنها لن تسمح لأي جهة بأن تضر علاقاتها مع دول المنطقة".

لكن زعيماً قبلياً في إقليم كنر (أقصى الشرق الأفغاني)، كان قد عايش سنوات طويلة من العلاقة بين الحركتين، يعتبر أنه "بالنظر إلى العلاقة الفكرية والأيديولوجية بين طالبان أفغانستان والفرع الباكستاني، لا يتوقع أن تؤثر الحركة الأفغانية على الثانية، لفرض الأحكام عليها أو منعها عن القتال". ويوضح الزعيم القبلي، الذي رفض الكشف عن اسمه، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "العلاقات القبلية تربط بين عناصر التنظيمين، إذ إنهما ينتميان إلى إثنية البشتون، وبالتالي فإن التعاون بينهما سيكون موجوداً بصورة أو بأخرى". وتوقع أن "تقوى طالبان باكستان روحياً وفكرياً بعد وصول الحركة الأفغانية إلى سدّة الحكم، وهو ما يؤكده كلام نائب زعيم طالبان، الملا فقير محمد، بعد خروجه من السجن في أفغانستان". كما يشير الزعيم القبلي إلى أن "من يعرف طبيعة حركة طالبان، وطبيعة هذه القبائل، يعلم جيّداً أن كل الولاءات والأعراف الدبلوماسية تسقط أمام الولاء القبلي والديني في هذه المنطقة".

في أول كلمة له بعد خروجه من سجن في كابول إثر سيطرة "طالبان" على العاصمة الأفغانية، قال الملا فقير محمد، المعروف بنفوذه الواسع لدى القبائل في أوساط المقاتلين الباكستانيين، إنه "من غير المعقول أن نحمل السلاح من أجل تطبيق الشريعة في أفغانستان، فيما يحكم باكستان قانونٌ غير إسلامي، لذا حرّي بنا الآن أن نعمل جاهدين من أجل تطبيق الشرع في باكستان وإسقاط حكومة عميلة". كما أكد فقير محمد، في كلمة أمام أنصاره المقاتلين، ويعتقد أنها ألقيت إما في ولاية ننغرهار أو كنر (شرق أفغانستان) في أواخر أغسطس الماضي، أن "الاستخبارات الباكستانية حاولت كثيراً أن تمزّق صفّ طالبان الباكستانية، ولكنها باتت صرحاً قوياً شامخاً منسقاً، ولا يمكن لأحد العبث بها"، مجدداً وعده بالعمل من داخل الحركة بهدف فرض الشريعة الإسلامية في باكستان. ولاحقاً أصدرت "طالبان-باكستان" بياناً أكدت فيه أنها ستواصل العمل "الجهادي" من أجل إخراج القوات الباكستانية في المرحلة الأولى من المناطق البشتونية الواقعة على الحدود مع أفغانستان، رافضة عرض إسلام أباد للتفاوض معها من أجل حل القضايا العالقة والعفو عن الحركة وقيادييها مقابل إلقاء السلاح.

تربط الأواصر القبلية بين الحركتين، والعلاقة الفكرية والأيديولوجية

وكان كل من الرئيس الباكستاني عارف علوي ورئيس الوزراء عمران خان ووزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قرشي، قد تحدثوا مراراً عن "طالبان- باكستان" بعد سيطرة الحركة الأفغانية على كابول، كما عرضوا عليها الحوار وترك السلاح والعنف. وهنا، يعرب مراقبون عن اعتقادهم بأن إستراتيجية باكستان للعمل على إبرام مصالحة مع طالبان، قد تكون الأنجح، كما يمكن لطالبان أفغانستان أن تؤدي دوراً فيها، مستفيدة من تأثيرها على الحركة الباكستانية.

وفي هذا الإطار، يعتبر المحلل السياسي والإعلامي طاهر خان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن أنسب طريق للقضاء على هذا الخطر، هو التنسيق بين باكستان وبين "طالبان" الأفغانية، ووضع خطّة طويلة المدى من أجل المصالحة بين إسلام أباد وطالبان الباكستانية. ويرى خان أن لا سبيل إلى إنهاء هذا الملف سوى بهذا السيناريو، إذ على إسلام أباد ألا تتوقع أن تقوم حركة طالبان الأفغانية بأي عمل عسكري ضد الفرع الباكستاني، بل جلّ ما ستقوم به، هو منع القيام بأي نشاط من داخل أراضي أفغانستان ضد المصالح الباكستانية، لكن المنطقة والواقع الجغرافي يعملان لصالح "طالبان - باكستان" بكل تأكيد.

ويؤكد تقرير أخير صدر عن معهد السلام للدارسات في إسلام أباد، ارتفاع هجمات "طالبان - باكستان" بشكل غير مسبوق في الفترة الأخيرة. ويوضح المعهد أنه منذ مطلع شهر يوليو/تموز الماضي، حين بدأت "طالبان" الأفغانية التقدم السريع على الأرض وباتجاه كابول، رُصد ارتفاع في وتيرة هجمات "طالبان باكستان"، لافتاً إلى أنه "منذ بداية شهر يوليو حتى 15 سبتمبر الحالي، نفذت الحركة 53 هجوماً على قوات الجيش والأمن الباكستانية، فيما كان عدد هذه الهجمات منذ مطلع العام الحالي حتى الأول من يوليو الماضي، 44 هجوماً". ويضيف المعهد أن عدد ضحايا الهجمات الأخيرة وصل إلى 158 قتيلاً، جلّهم من قوات الجيش والأمن. ولفت إلى أنه في شهر أغسطس الماضي وحده، نفذت "طالبان" 32 هجوماً، ما أدى إلى مقتل 53 شخصاً، وفي النصف الأول من شهر سبتمبر الحالي، نفّذت 19 هجوماً راح ضحيتها 52 شخصاً، جلّهم من الجيش والأمن.

ولم يعلن مكتب العلاقات العامة في الجيش الباكستاني، عن حصول عدد هجمات مماثل لما يذكره تقرير المعهد. على سبيل المثال، فقد تبنى المكتب وقوع خمس هجمات فقط من أصل 32 هجوماً (بحسب المعهد) في أغسطس الماضي، لافتاً إلى انها وقعت في 2 و9 و18 و22 و29 أغسطس، بينما أعلن عن وقوع هجوم واحد فقط في النصف الأول من سبتمبر.

رفضت طالبان باكستان عرضاً من إسلام أباد للحوار والمصالحة والعفو

وفي آخر الهجمات التي لم يعلنها الجيش ولم يحصها مكتب للسلام للدراسات، هجومان منفصلان أدّيا إلى مقتل ثمانية من عناصر الجيش الباكستاني، ووقعا في منطقتي شاهراك وأوران في إقليم بلوشستان، جنوب غربي البلاد، يومي الجمعة والسبت الماضيين. وإن كانت معظم الهجمات في بلوشستان ينفذها الانفصاليون البلوش، إلا أن لطالبان باكستان وجودا قويا أيضاً في الإقليم. وفي الإقليم ذاته، قام مسلحون مجهولون الأحد الماضي، بتفجير تمثال مؤسس باكستان محمد علي جناح، في كوادر. وفي اليوم ذاته، أعلن الجيش الباكستاني، عن مقتل جندي واحد، وإصابة اثنين آخرين، في هجوم على نقطة تفتيش أمنية في الإقليم. وكان مسلحون قد قاموا بتفجير مدرسة للبنات في مقاطعة جنوب وزيرستان القبلية في 23 سبتمبر الحالي.

وتعليقا على تحركات "طالبان- باكستان" الأخيرة، يقول الإعلامي الباكستاني عمر فاروق، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن نشاط الحركة في تزايد، على الرغم من تأكيد طالبان الأفغانية أنه لا يمكن للحركة الباكستانية استخدام الأراضي الأفغانية ضد باكستان. ويرى أن هناك أسباباً كثيرة تقف وراء ارتفاع وتيرة هجمات طالبان الباكستانية، منها أن مسلحيها الذين كانوا متواجدين في مناطق شرق أفغانستان قبل وصول "طالبان" للحكم، مضطرون اليوم لمغادرة أفغانستان، وبالتالي هم دخلوا إلى باكستان، حيث بدأوا يكثفون هجماتهم. ويذكّر فاروق بأن "طالبان" في أفغانستان "تحتاج إلى بعض الوقت لترتيب أوراقها، وسنرى بعد ذلك إن كانت تريد فعلاً كبح جماح طالبان الباكستانية أم لا". ويتحدث الإعلامي الباكستاني عن "تفاؤل" إسلام أباد بأن تحصل على مساعدة الحركة الأفغانية في هذا الملف، لكن "ينبغي على الجيش الباكستاني القيام بواجبه في ما يتعلق بوجود طالبان في باكستان".

المساهمون