في المسلسل السياسي الساخر "خادم الشعب" الذي حقق نجاحاً جماهيرياً وكاسحاً، بين عامي 2015 و2019، ومهّد الطريق للممثل الكوميدي، فولوديمير زيلينسكي، إلى رئاسة أوكرانيا، استعان مدرّس التاريخ المتواضع، فاسيل هولوبورودكو، بزملائه السابقين في المدرسة لتولي مختلف المناصب الرفيعة، بعيداً عن الشخصيات من النخبة السياسية الفاسدة حتى النخاع، آملاً في تحقيق الازدهار والرفاهية للأوكرانيين.
إلا أن هولوبورودكو الذي أدى دوره زيلينسكي، اصطدم بواقع مغاير لما كان يتوقعه، مواجهاً الدولة العميقة المترابطة مع كبار رجال الأعمال ففشل في مهامه، ووصل الأمر به إلى سجنه واكتشافه أن بلاده قد تفككت بعد الإفراج عنه في الموسم الثالث من المسلسل.
الآن يعيش زيلينسكي نفسه وفريقه المكون من أنصاره وحزبه "خادم الشعب" المستوحى اسمه من المسلسل ذاته، أياماً عصية وسط مواجهة بلادهم حرباً مفتوحة تشنّها ثاني أكبر قوة عسكرية في العالم. فمن هو زيلينسكي ورفاقه الخمسة؟
فولوديمير زيلينسكي
يقود زيلينسكي حملة سياسية واسعة النطاق لنيل دعم غربي لبلاده في مواجهة الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي بدأ في 24 فبراير/شباط الماضي.
ولعلّ أبرز خطوة رمزية اتخذها على هذا الطريق، هو توقيعه على طلب انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، أمس الإثنين، في خطوة يؤكد عبرها تمسكه بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي لاحقاً.
وعمل زيلينسكي على تحديد موقف بلاده من المفاوضات مع روسيا على الأراضي البيلاروسية، فرفضها أولاً انطلاقا من أن بيلاروسيا ليست بلداً محايداً في الحرب الراهنة، خصوصاً بعد إقرار الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشنكو، يوم الأحد الماضي، بإطلاق ثلاثة صواريخ من الجنوب البيلاروسي باتجاه أوكرانيا في الأيام الأولى للغزو.
لكن زيلينسكي تحادث مع لوكاشنكو، الذي تعهّد له بعدم مشاركة جيشه في الحرب، لتُعقد الجولة الأولى من المفاوضات الروسية ـ الأوكرانية، أمس الإثنين، في مقاطعة غوميل الحدودية بين بيلاروسيا وأوكرانيا، من دون أن تحقق أي نتائج ملموسة.
كما وقع الرئيس على مرسوم إعفاء المتطوعين الأجانب الراغبين في الالتحاق بـ"الفيلق الدولي للدفاع عن أوكرانيا" من تأشيرات الدخول خلال فترة الحرب.
وبين فترة وأخرى، يسجل زيلينسكي مقاطع فيديو له وسط العاصمة الأوكرانية كييف، لطمأنة المواطنين أنه لم يغادر البلاد، وتأكيد عزمه مواصلة الدفاع عن استقلالها وتكذيب الدعاية الروسية المروجة لهروبه، معتبراً أن "أوكرانيا ستنتصر".
دينيس شميهال
في ظروف الغزو الروسي لأوكرانيا، لا تقتصر مهمة رئيس الوزراء الأوكراني، دينيس شميهال، وحكومته على التصدي للقوات الروسية ومواجهة موسكو في المحافل الدولية فحسب، بل تشمل أيضاً منع الاضطرابات في إمدادات المواد الغذائية والأساسية للسكان.
ولطمأنة المواطنين بعدم حدوث مجاعة في البلاد، أعلن شميهال في مؤتمر صحافي، أمس الاثنين، عن توسيع قائمة الواردات الطارئة، لتشمل اللحوم، والألبان ومنتجاتها، والخضروات، والقهوة والشاي، والحبوب، والدقيق، غيرها.
كما أعلن عن تشكيل مركز تنسيقي سيعمل على مدار الساعة، لتوفير المواد الغذائية والأدوية ومياه الشرب والوقود بالمدن والأقاليم المتضررة.
ومن اللافت أن شميهال شغل قبل تعيينه رئيساً للحكومة في مارس/آذار 2020، وظائف قيادية في أكبر شركة طاقة أوكرانية خاصة "دتيك"، المملوكة لأثرى أثرياء أوكرانيا، رجل الأعمال رينات أخميتوف، مما عزز الترجيحات آنذاك بأن تعيينه يندرج ضمن إعادة تقاسم النفوذ بين ممثلي طبقة الأوليغارشية المتحكمة في الاقتصاد الأوكراني. وشارك شميهال في الجولة الأولى من المفاوضات الأوكرانية ـ الروسية في بيلاروسيا، أمس الإثنين.
أوليكسي ريزنيكوف
يؤدي وزير الدفاع أوليكسي ريزنيكوف دوراً كبيراً في مواجهة الغزو الروسي، خصوصاً عبر بياناته المتلاحقة عن الضربات التي يوجهها الجيش الأوكراني للروس، مشيداً بقتال جنوده.
ويعلن ريزنيكوف أيضاً عن خسائر الجيش الروسي يومياً، كما يوجه نداءات إلى الروس لوقف الحرب، محذّرا إياهم من خسائر تفوق حربي الشيشان، الأولى بين عامي 1994 ـ و1996، والثاني بين عامي 1999 ـ 2000. شارك ريزنيكوف ضمن الوفد الأوكراني في المفاوضات مع روسيا في بيلاروسيا، أمس الإثنين.
ومن اللافت أن ريزنيكوف، هو وزير دفاع مدني من مواليد مدينة لفيف الواقعة في الغرب الأوكراني، أي المنطقة التي عُرفت دوماً بمعاداتها روسيا، وتخصص في القانون ومزاولة الأعمال حتى بدئه مسيرته السياسية في عام 2008.
وفي عام 2020، تولى ريزنيكوف منصب نائب رئيس الوزراء لشؤون إعادة اندماج الأراضي المحتلة مؤقتاً، إلى أن تم تعيينه وزيراً للدفاع في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ميخايلو بودولياك
إلى جانب وزير الدفاع ريزنيكوف، شارك مستشار مدير مكتب الرئيس ميخايلو بودولياك في جولة المفاوضات مع روسيا، المتزامنة مع محاصرة القوات الروسية عدداً من المدن الأوكرانية، وأكد في ختامها إمكانية عقد جولة جديدة بعد تشاور الوفدين في عاصمة بلديهما.
ونجح بودولياك في أداء دور فعّال، بعد تعيينه في إبريل/نيسان 2020 مستشاراً لمدير مكتب الرئاسة الأوكرانية، أندريه يرماك. وتولى المسؤولية عن السياسة الإعلامية للمكتب وتقديم الاستشارات لزيلينسكي، ليُصبح من الدائرة الضيّقة للرئيس.
وقبل بضعة أيام، نفى بودولياك تصريحات رئيس مجلس الدوما (النواب) الروسي، فياتشيسلاف فولودين، عن انتقال زيلينسكي إلى لفيف، مؤكداً استمراره في العمل من مكتبه في كييف.
ومن اللافت أن بودولياك المصنف في المرتبة الثالثة بين أكثر 100 شخصية تأثيراً في أوكرانيا، وفق تصنيف مجلة "فوكوس" الأوكرانية، بدأ مسيرته في تسعينيات القرن الماضي صحافياً في عدد من وسائل الإعلام البيلاروسية بعد تخرجه في معهد مينسك الطبي، قبل أن يعود إلى أوكرانيا في منتصف العقد الأول من القرن الجديد لمواصلة مسيرته في مجال الإعلام والاستشارات السياسية.
دميترو كوليبا
يروّج وزير الخارجية الأوكراني، دميترو كوليبا، دبلوماسياً لعزل روسيا على الساحة الدولية وتشديد العقوبات عليها. ويُعدّ كوليبا من الشخصيات القوية في حكومة زيلينسكي، خصوصاً أنه سعى للترويج لفصل روسيا عن نظام "سويفت" العالمي للتحويلات المالية، وهو ما تحقق جزئياً في نهاية المطاف بعد توصل الدول الغربية إلى حل يقضي بفصل المصارف الروسية الخاضعة للعقوبات فقط عن هذه المنظومة.
وتحدث كوليبا أيضاً عن نية كييف التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي على خلفية الحرب الروسية على أوكرانيا، نافياً احتمال استسلام بلاده أثناء المفاوضات مع روسيا.
ويتحدر كوليبا من عائلة دبلوماسية، وهو خريج معهد تاراس شيفتشينكو للعلاقات الدولية في كييف، ومتخصص في القانون الدولي. وقبل تعيينه وزيراً للخارجية في عام 2020، عمل كوليبا مندوباً أوكرانياً دائماً لدى مجلس أوروبا، ونائباً لرئيس الوزراء لشؤون التكامل الأوروبي والأوروأطلسي.
سيرغي كيسليتسيا
على عكس غيره من كبار المسؤولين الأوكرانيين، يتولى مندوب أوكرانيا الدائم لدى الأمم المتحدة، سيرغي كيسليتسيا، مهامه وراء المحيط وجهاً لوجه أمام مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا.
وخلال الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن الدولي حول أوكرانيا، مساء أمس الاثنين، وصف كيسليتسيا قرار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تحويل القوات النووية الروسية إلى نظام أداء الدورية القتالية بـ"الجنون".
واعتبر أنه إذا كان بوتين يريد الانتحار، فيمكنه فعل ذلك من دون استخدام الأسلحة النووية، مستشهداً بتجربة انتحار زعيم ألمانيا النازية أدولف هتلر، في 30 إبريل 1945 في برلين، بعد هزيمته في الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945).
وفي اجتماع آخر عُقد يوم الخميس الماضي، في اليوم الأول للغزو الروسي لأوكرانيا، اندلعت مشادة كلامية بين كيسليتسيا ونيبينزيا، الذي ادّعى أن روسيا لا تواجه الشعب الأوكراني، وإنما "الزمرة" التي استولت على السلطة في كييف، مطلقاً على حرب بلاده تسمية "العملية العسكرية الخاصة في دونباس (الذي يضمّ إقليمي لوغانسك ودونيتسك)".
إلا أن كيسليتسيا اعتبر رداً على ذلك، أنه إذا كان نيبينزيا عاجزاً عن تأكيد أن القوات الروسية لم تتحرك إلى أوكرانيا، فعلى روسيا التخلي عن مهام رئاسة مجلس الأمن الدولي.