تتركز الأنظار بعد غد الأحد على الانتخابات التشريعية الألمانية 2021، والتي يحق لحوالي 60 مليون من السكان المشاركة فيها لاختيار خليفة المستشارة، أنجيلا ميركل، بعد 16 عاماً في الحكم، وينصب الاهتمام أكثر على من بات يطلق عليهم اسم "جيل ميركل"، بالإضافة للمغتربين الذين قد تكون أصواتهم حاسمة.
ويشارك نحو 2.8 مليون من الشباب في التصويت للمرة الأولى في الانتخابات التشريعية لاختيار أعضاء البرلمان أو ما يعرف بـ"البوندستاغ" يوم الأحد، وينضمون إلى نحو 3 ملايين صوتوا للمرة الأولى في الانتخابات السابقة عام 2017 بعد إتمامهم سن الثامنة عشرة. وبمعنى آخر، فإن نحو 9 في المائة من الناخبين هم من هؤلاء الذين يُطلق عليهم "جيل ميركل"، وبينهم شباب من المغتربين، اختار بعضهم الترشح وآخرون ينشطون لحث الأوساط المهاجرة على المشاركة في الانتخابات الألمانية 2021.
وبحسب تقرير سابق لصحيفة "سود دويتشه تسايتونغ" فإن 69 في المائة من هؤلاء "يشاركون بدوافع سياسية ومهتمون جدا بالسياسة"، فيما أكد نحو 85 في المائة منهم أنهم ذاهبون الأحد للتصويت، وهي نسبة تفوق المتوسط بنحو 10 نقاط.
دوافع شبابية لجيل "موتي ميركل"
بالنسبة لكثيرين من الجيل الشاب فإنهم ينظرون باحترام لمستشارتهم، ميركل، رغم اختلاف بعضهم مع نهجها. ويصف بعضهم سياسات المستشارة بـ"البراغماتية" و"الماهرة" في تعزيز وضع بلدهم على الصعيد الأوروبي والعالمي.
وباستثناء شبيبة حزب اليمين المتطرف "البديل لأجل ألمانيا"، الذين مارسوا التحريض على ميركل، لا يجد الشباب الألماني حرجا من تسمية مستشارتهم المنصرفة في الشارع وفي الصحافة بـ"موتي ميركل" (الوالدة ميركل) بعد 16 سنة في منصبها، وهي التسمية التي استحضرها شباب "الديمقراطي المسيحي".
وفي هذا الصدد يذكر الباحث والأستاذ الجامعي كلاوس هرلمان، لـ"العربي الجديد"، أن تأثير ميركل في صفوف الشباب بات واضحا لناحية تحفيزهم على المشاركة في السياسة "فهي بدأت حياتها السياسية أيضا كشابة مثلهم، وأبدت تفهما أكبر خلال السنوات الماضية لمشاغلهم ومخاوفهم المستقبلية". وتابع هرلمان قائلا "أبدا لم أر من قبل شباب أوروبي تحت 25 سنة قادرا على اكتساب تأثير ونفوذ سياسي كما الحال في ألمانيا"، مشددا على أن الجيل الشاب في ألمانيا "يمكن أن يصبح جيلا من الناشطين المؤثرين، وعاملا حاسما للتغيير".
ويرى هرلمان أن "جيل ميركل" تحفزه أزمة المناخ وخشيته على المستقبل البيئي، ما يجعله أكثر عالمية من الأجيال التي سبقته. وأظهرت الاستطلاعات أن الشخصية المفضلة لهذا الجيل لشغل منصب المستشارية، وبنسبة 44 في المائة، هي زعيمة حزب "الخضر" أنالينا بربوك، ويليها أولاف شولتز عن "الاجتماعي الديمقراطي".
ولا يصوت الألمان مباشرة على اختيار من سيشغل منصب المستشار للسنوات القادمة، وإنما سيختارون النواب الذين سيشكلون البرلمان (البوندستاغ)، ولا يعرف الناخبون الألمان عدد النواب الذين سيصلون إلى قبة البرلمان. ووفق تقارير إعلامية يتألف البوندستاغ من 598 نائبا، لكن عددهم مرشح للارتفاع، حيث وصل في الانتخابات التشريعية الألمانية السابقة عام 2017 إلى 709 منتخبين، في ظل ترجيحات أن يتجاوزوا هذا العدد في اقتراع الأحد.
الاهتمام بالقضايا البيئية والتحول الأخضر ليست القضية الوحيدة على جدول أعمال الناخبين الشباب في ألمانيا، فمكافحة التمييز وغياب المساواة والرقمنة ووضع حد أدنى للأجور، برفعها من نحو 9 يورو إلى 12 يورو للساعة، هي من بين القضايا التي تثير اهتمام "جيل ميركل"، بحسب ما تبرزه دراسات وتقارير قبيل الانتخابات.
الرغبة في التغيير تدفع أيضا الملايين لاستغلال القانون الانتخابي الذي يمنح المقترع حق وضع إشارة على المرشح الشخصي المفضل وإشارة لقائمة حزب آخر في الدوائر الانتخابية المتعددة، وهو ما يترك هامشا جيدا لجيل الشباب من أجل التأثير. ويرى هرلمان أن ذلك يمكن أن يجعل من أصوات الشباب مؤثرا في نتائج ومستقبل السياسات الألمانية.
وقال الناشط السياسي في يسار الوسط، "الاجتماعي الديمقراطي"، مارتن غونثر (26 عاما)، في تصريح لـ"العربي الجديد" إنه يكن "احتراما لميركل وسياستها التي وضعت ألمانيا على الخريطة الأوروبية كطرف رائد"، مشدداً على أن استقبال بلده لنحو مليون لاجئ في 2015 "يعزز الدور الريادي لبلدنا، فيما دول أخرى نأت بنفسها عن استقبال ولو بضع مئات من اللاجئين".
غير بعيد عن مدينته بريمن (شمال غرب) يشعر غونثر ببعض القلق من اختراق اليمين القومي المتطرف لصفوف الفئات الشبابية والمراهقين "بالتحريض على اللاجئين وعلى اليسار". ورغم ذلك لا يخشى من تحول هذا الاختراق إلى مد لـ"البديل لأجل ألمانيا"، معتبرا أنه "لن يحقق على صعيد كل البلد أكثر من 10 إلى 11 في المائة، مع الأخذ بالاعتبار أن ليس جميع المقترعين له ينطلقون من موقف عدائي للمهاجرين، ولكن لأسباب مجتمعية محلية، كما الحال في شمال ألمانيا".
وفي فلانسبورغ، قرب الحدود الدنماركية، ترى الشابة ماريانا أن مسألة التغير المناخي "أخطر بكثير من قضية الهجرة". وبالنسبة للشابة المنتمية منذ سن الرابعة عشرة إلى حزب "الخضر" والتي تصوت للمرة الأولى فإن "ميركل وإن لم تلامس دائما مصالح ومشاغل جيلنا، فأنا أوافق على أنها في السنوات الأخيرة أظهرت بالفعل اهتماما، خاصة في ذهاب بلدنا نحو التحول الأخضر (طاقة مستدامة وبديلة عن الوقود الأحفوري)".
وتلفت الشابة ذات الـ21 عاماً إلى أن "جيل غريتا (نسبة إلى الناشطة البيئية السويدية الشابة غريتا ثورنبيرغ) يؤخذ بجدية أكثر ويؤثر على اتجاهات السياسيين"، موضحة لـ"العربي الجديد" أن مرشحتها المفضلة هي بربوك.
وتابعت قائلة "رغم ذلك وبواقعية نتائج الاستطلاعات والانتخابات القادمة فمن الممكن أن يكون تأثير الشباب دافعاً لتشكيل سياسة حكومية يشارك فيها يسار الوسط والخضر في ائتلاف يسرع من الاهتمام الجدي نحو التغير الأخضر وتطبيق حازم لاتفاقية باريس المناخية".
تحفيز على المشاركة
من ناحيتها، تهتم الناشطة في حزب اليسار "دي لينكه" ميريل سبيلبيرغ (24 عاما)، من أوفنباخ قرب فرانكفورت، بمشاركة المواطنين من أصول مهاجرة في الانتخابات، وفق ما أكدته لـ"العربي الجديد". ففي بلدتها أوفنباخ، حيث 60 في المائة من قاطنيها من الأصول المهاجرة، تسعى سبيلبيرغ مع رفاقها إلى تجاوز التأثير السلبي لدعاية اليمين المتطرف، مشددة على أنه "لا يمكن القيام بذلك دون مشاركة وتمثيل".
ومن ناحيتها سعت الناشطة في "الاجتماعي الديمقراطي" في أوفنباخ، هبة كراوسر (21 عاما من أصول باكستانية)، مع نشطاء آخرين، بمن فيهم عرب وألمان، لاستغلال الحملات الانتخابية لتحفيز الناس على المشاركة. وتتفق كراوسر مع سبيلبيرغ على أن المشاركة مهمة "حتى لو لم يكن لديك جنسية فيمكنك على الأقل المشاركة في النقاشات والحملات لتحفيز الآخرين على استخدام حقهم الانتخابي"، على حد تعبيرها.
وفي العاصمة برلين اندفع مواطنون من أصول مهاجرة نحو المشاركة في الانتخابات، وبعضهم بالترشح على قوائم مختلف التيارات، وخصوصا في منطقة نيوكولن، التي تقطنها أغلبية من المغتربين.
وباتت التيارات السياسية تولي اهتماما خاصا بالشباب من أصل مهاجر، حيث تفيد التقارير الألمانية أن الانتخابات الحالية تشمل نحو 7 ملايين شخص من أصل مهاجر، وهو رقم ليس بالقليل لحسم نتائج بعض الأحزاب واللوائح.
في كل الأحوال، فإن "جيل ميركل"، سواء الذين يصوتون للمرة الأولى والثانية أو أولئك من الأصول المهاجرة/ اللاجئة، باتوا يلفتون انتباها أكبر في أوساط مختلف الأحزاب والتيارات السياسية الألمانية، ليس فقط لأجل كسب أصواتهم في الصناديق، بل لحيوية ونشاط هذا الجيل فيما يتعلق بأكثر القضايا حساسية وتأثيرا في واقع ومستقبل ألمانيا، محليا وأوروبيا.