"تطبيع الحدود" يمهد لاستعادة الاستقرار بين طاجكستان وقرغيزستان

10 يونيو 2021
وقعت اشتباكات عنيفة بين البلدين في إبريل الماضي (الأناضول)
+ الخط -

بعد قبول جمهوريتي قرغيزستان وطاجكستان السوفييتيتين السابقتين، الواقعتين في آسيا الوسطى، نقل نقاط عبور الحدود المتنازع عليها، إلى عمق أراضيهما، تراهن الأطراف الإقليمية والدولية على أن تشكل هذه الخطوة أرضية لتجنب أي صدام مباشر بسبب الخلافات الحدودية، على غرار الاشتباكات التي وقعت بينهما في نهاية إبريل/ نيسان الماضي، وأسفرت عن سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى. وجاء الاتفاق، والذي تضمن أيضاً سحب القوات عن الحدود، نتيجة مفاوضات قادة الأجهزة الاستخباراتية للبلدين حول ترسيم الحدود، يومي 4 و5 يونيو/حزيران الحالي، بعد أن كانتا على حافة صدام جديد، تسنّى تجنبه على الرغم من أن السلطات القرغيزية كانت تتأهب لأسوأ السيناريوهات بإجلاء سكان القرى الحدودية.

وتضمّن بروتوكول الاتفاق ثماني نقاط تتعلق أهمها بنقل نقاط الحدود المتنازع عليها إلى مسافة تبعد ثلاثة كيلومترات عن الحدود، وسحب القوات إلى مواقع المرابطة الدائمة، والاتفاق على الإسراع في وصف حدود الدولة تمهيداً لترسيمها، بالإضافة إلى القيام بحملات توعية مع سكان القرى الحدودية، وعدم تسليم وسائل الإعلام إلا المعلومات المتفق عليها مسبقاً تجنباً لأي تصريحات تحريضية. وفور التوقيع على الاتفاق، عاد سكان القرى الحدودية إلى بيوتهم.


تضمّن بروتوكول الاتفاق ثماني نقاط تتعلق أهمها بنقل نقاط الحدود

وفي هذا الإطار، يرجع رئيس "المركز الأوراسي للتحليل" في موسكو، نيكيتا ميندكوفيتش، التوتر على الحدود الطاجيكية ـ القرغيزية، إلى الإبقاء على الحدود التي رسمت في حقبة الاتحاد السوفييتي (1917 ـ 1991) من دون مراعاة التشكيلة الإثنية للقرى المحيطة. ويرجّح في الوقت نفسه استقراراً للوضع، بعد أن يتم ترسيم الحدود بين البلدين والدفع بالتعاون الاقتصادي بينهما.

ويقول ميندكوفيتش في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "منذ نهاية إبريل الماضي، لم يحدث أي تصعيد على الحدود الطاجيكية ـ القرغيزية، باستثناء واقعة محلية في الأسبوع الماضي. ويكمن جوهر الخلاف في عدم إتمام عملية ترسيم الحدود بعد تفكك الاتحاد السوفييتي. وهناك مناطق خلافية وجيوب طاجيكية وقرغيزية محاطة بأراضي الدولة الأخرى. في الحقبة السوفييتية، كانت هذه مجرد حدود إدارية لا تأثير لها ضمن دولة واحدة، ولكن هناك حدوداً فعلية الآن". غير أن ذلك لا يمنعه من اعتبار الاتفاق الأخير إيجابياً. وتوقع صموده، لأنه "منذ نهاية إبريل الماضي، تم اتخاذ كافة الإجراءات لمنع أي تصعيد جديد، وقد تدخلت أمانة منظمة الأمن الجماعي"، وهي حلف إقليمي يضم روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان وطاجكستان وقرغيزستان وأرمينيا.

ويرى ميندكوفيتش أن التسوية النهائية للأزمة الطاجيكية ـ القرغيزية لن تتحقق إلا بالدفع بالتعاون الاقتصادي بين البلدين، قائلاً: "كانت هناك مشكلات مماثلة بين أوزبكستان وقرغيزستان، ولكنه تم تجاوزها ببدء أعمال ترسيم الحدود في عام 2017، لينتقل البلدان تدريجياً إلى التعاون الاقتصادي المثمر، والوضع على الحدود الآن سلمي تماماً".
بدورها، نشرت صحيفة "كوميرسانت" الروسية أخيراً تقريراً بعنوان "طلاق متحضر بين قرغيزستان وطاجكستان"، استطلعت فيه آراء خبراء اعتبروا أنه يمكن اعتبار اتفاق سحب القوات نجاحاً، مشدّدين على أهمية مراقبة الوفاء به.

وشبّه المحلل السياسي القرغيزي، كوباتبيك رحيموف، ما جرى على الحدود بـ"اللقاح". وقال المستشار السابق لرئاسة الوزراء لشؤون الاقتصاد الكلي والتكامل الأوراسي بين عامي 2019 و2020، في حديثٍ لـ"كوميرسانت" إنه "على الأرجح، يجب أن تصاب بمرض ما حتى تدرك أهمية الإجراءات الوقائية. صحيح أن الاتفاق استعراضي وله هدف ترويجي، ولكن هناك ميزة أيضاً، إذ أظهر الجانبان قدرتهما على التوصل إلى اتفاق، واختبرا درجة التوتر في المجتمع".


يتم خلق نوع من حزام الأمان لاستبعاد احتمال نشوب حوادث مستقبلية

أما المحلل السياسي الطاجيكي، بارفيز مولوجانوف، فقال لـ"كوميرسانت" أيضاً، إنه "يتم خلق نوع من حزام الأمان لاستبعاد احتمال نشوب حوادث مسلحة بين أفراد قوات البلدين". ومع ذلك، أرجع مولوجانوف عامل عدم الاستقرار إلى الوضع في قرغيزستان تحديداً، مع اضطرار ثنائي رئيس البلاد، صادر جاباروف، ورئيس لجنة الأمن القومي، كامتشيبيك تاشييف، لـ"استعراض موقف حازم في القضايا الحدودية أمام المجتمع"، وفق اعتقاده.

في المقابل، لم يبد الخبير الروسي في شؤون آسيا الوسطى، أركادي دوبنوف، نفس الدرجة من التفاؤل، قائلاً للصحيفة نفسها، إنه "يمكن الترحيب بالتوقيع على البروتوكول، إلا أنه من الصعب للغاية مراقبة الوفاء به بدقة. وقبل ذلك، لم يكن أفراد حرس الحدود ينسقون أعمالهم مع بعضهم البعض فحسب، وإنما أيضا مع مديريهم، مما كان يؤدي إلى وقوع حوادث". وقلّل من "قدرة القرغيز والطاجيك على تسوية هذه المسألة مستندين إلى وعيهم وحده من دون مراقب خارجي".

وبذلك، أضيفت الحدود الطاجيكية ـ القرغيزية إلى قائمة البؤر المثيرة لقلق روسيا في حدائقها الخلفية الموروثة من الحقبة السوفييتية، إلى جانب بيلاروسيا، التي شهدت تظاهرات حاشدة مناهضة للرئيس ألكسندر لوكاشينكو في العام الماضي، وإقليم ناغورنو كاراباخ المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان، ومنطقة دونباس الواقعة شرقي أوكرانيا، وإقليم ترانسنيستريا في جمهورية مولدوفا.

المساهمون