"تحرير الشام" تحارب التنظيمات الجهادية... تفرد في السيطرة وتقديم أوراق اعتماد للغرب

16 يوليو 2021
الهيئة ستتمسك بخيارها، مع استعدادها لجميع الاحتمالات (عمر حاج قدور/فرانس برس)
+ الخط -

يبدو أنّ الخلافات بين كل من تنظمي "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) من جهة، وتنظيم "جنود الشام" المتشدد من جهة أخرى، تأخذ منحى تصاعدياً باتجاه مزيد من التعقيد الذي يشي بالتصعيد، بعد أن تفجر الخلاف، إثر طلب الهيئة من التنظيم حلّ نفسه ومغادرة نقاط رباطه في جبهات إدلب وريف اللاذقية التي تتبع لما يعرف بـ "منطقة خفض التصعيد الرابعة" (إدلب ومحيطها)، شمال غربي سورية.

وكانت آخر معطيات هذا الخلاف الذي طفى إلى السطح، قبل نحو أسبوع، ما شهدته، أمس الخميس، بلدة اليمضية بريف اللاذقية الشرقي عند الحدود السورية – التركية، حين توجه رتل أمني من الهيئة لمداهمة مقار عسكرية لجماعة "جنود الشام" هناك، حيث اعترض عناصر التنظيم القوة الأمنية للهيئة لمنعهم من الاستيلاء على مقراتهم، ما أدى إلى عدم تنفيذ العملية كما كان مخططاً، بحسب ما أفادت به مصادر مقربة من الهيئة لـ"العربي الجديد".

وتشير المعلومات إلى أنّ رفض مسلم الشيشاني الذي يقود "جنود الشام" عرض الهيئة يجعل احتمالية المواجهة بين التنظيمين أمراً وراداً. 

ويتحدر الشيشاني، واسمه الحقيقي مراد مارغوشفيلي، من القبائل الشيشانية التي تعيش في جورجيا، وهو مصنف من قبل وزارة الخارجية الأميركية على أنه قائد جماعة إرهابية مسلحة في سورية، منذ سبتمبر/ أيلول 2014، إذ اتهمته الوزارة ببناء قاعدة للمقاتلين الأجانب في سورية، بحسب وكالة "رويترز".

ودخل مسلم الشيشاني إلى سورية في عام 2012، وشكّل لاحقاً فصيل "جند الشام" الذي يضم بضع مئات من المسلحين القادمين من منطقة القوقاز، حيث ينتشر مسلحوه في مناطق عدة في ريف اللاذقية الشمالي، وفي سهل الغاب في ريف حماة الشمالي الغربي. 

ويوم أمس، تداولت غرف إخبارية محلية تسجيلاً صوتياً للشيشاني، يُشير فيه إلى أنّ جماعته "لا تريد تصعيد مشاكل مع هيئة تحرير الشام ولا اقتتالاً داخلياً بين المسلمين"، موضحاً أنّ الهيئة أعطت جماعته قبل أيام مهلة مدتها شهر ونصف لإخلاء المقار العسكرية ونقاط الرباط المنتشرة على خطوط التماس في الكبانة شرقي محافظة اللاذقية، لافتاً إلى أنّ الهيئة عادت وخفضت المدة إلى أسبوع واحد فقط.

ولفت الشيشاني إلى أنه لا يعلم حتى اللحظة ولم تخبرهم الهيئة بمكان الوجهة القادمة لجماعته، مشيراً إلى أنّ الهيئة اقتحمت عدة مقرات لجماعته، ومضيفاً أنّ "بعض قادة الهيئة يتكلمون شيئاً، وبعض القادة الآخرين يتكلمون شيئاً آخر، وهم لا يلتزمون بما يقولون، ولا نعلم ماذا يريدون حتى الآن (..) كل الأخوة الشيشانيين هم معي ويريدون الخروج معي ولست أنا وحدي".

 

ولا يمكن اعتبار خطوة الهيئة بإنهاء تنظيم "جنود الشام"، إجراء يستهدف منه التنظيم على وجه الخصوص، إذ بدأت الهيئة، قبل نحو عام، حملة لإنهاء هذا النوع من الفصائل والتنظيمات تحقيقاً لهدفين اثنين؛ الأول يتعلق بفرض هيمنتها المطلقة على الشمال الغربي من البلاد، والثاني تقديم أوراقها للمجتمع الدولي والفاعلين في الشأن السوري من دول إقليمية ودولية، بأحقية زجها في أي تسوية مستقبلية، بعد المساعدة على إنهاء التنظيمات المتشددة، وقد بعثت الهيئة مؤخراً برسائل عدة في هذا الخصوص.

ويرى الباحث المطلع على شؤون الجماعات الجهادية عباس شريفة أنّ "جماعة (جند الشام) باتت أمام ثلاثة خيارات؛ الأول: المواجهة العسكرية، وهذا الأمر مستبعد نظراً لعدم التكافؤ بالقوة بينها وبين الهيئة، والثاني هو التذويب أو الاندماج بالهيئة، وأيضاً هذا الخيار ضعيف بسبب الاختلاف الأيديولوجي بين التنظيمين، أما الخيار الثالث فهو الحلّ وجعل العناصر بدون تبعية فصائلية وتنظيمية، وإنهاء وجود التنظيم ككيان في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة والهيئة".

ويلفت شريفة، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "الهيئة تعيد رسم المشهد الجهادي في شمال سورية، وتعيد ترتيب وضع السيطرة من خلال تفكيك الفصائل والتنظيمات التي تحتوي على مقاتلين أجانب".

شريفة: هيئة تحرير الشام تعيد ترتيب وضع السيطرة من خلال تفكيك الفصائل والتنظيمات التي تحتوي على مقاتلين أجانب

 

وحول احتماليات تأثير هذه الخطوات المتعلقة بإنهاء الفصائل والتنظيمات التي تحتوى على مقاتلين أجانب، على مشهد الحل السياسي في سورية، يشير شريفة إلى أنّ "ملف المقاتلين الأجانب يعد من أعقد الملفات العالقة والشائكة بين الدول المتدخلة في الملف السوري"، موضحاً أنّ الملف "هو جزء من حلحلة الملفات العالقة التي تؤثر بشكل كبير على صيغة الحل النهائي".

كما أكد أنّ "إنهاء مشكلة المقاتلين الأجانب يعتبر من ضمن الحلول الإجرائية التي تتماشى مع الرغبات الدولية للوصول إلى الحل النهائي"، لافتاً إلى أنّ "هيئة تحرير الشام تبدي استعدادها لتنفيذ هذه الرغبة الدولية، لتكون جزءاً من الحل النهائي، وتتولى إغلاق هذه الملفات".

 

وتعترض مشكلة التنظيمات الجهادية في سورية وعناصرها الأجانب على وجه التحديد، معضلة تتمثل بالوجهة التي يمكن أن يتوجه إليها هؤلاء بعد حل هذه التنظيمات.

ويشير شريفة في هذا الخصوص إلى أنّ "عناصر هذه التنظيمات في سورية ينقسمون إلى قسمين؛ سوريون وأجانب، أما عن مشكلة السوريين فهي أسهل وحلها ممكن بتقديم مرتكبي الجرائم منها للمحاكمات، وإجراء تسويات لغير المتورطين في حال قبلوا طبعاً، أما المقاتلون الأجانب، فهناك شريحة من المرتبطين بتنظيم القاعدة ولديهم أيديولوجيا جهادية، وهؤلاء سيتم التخلص منهم تباعاً من خلال عمليات الاستهداف، سواء عبر التحالف الدولي بقيادة واشنطن أو التصفيات الأمنية، أما من سيتبقى، فإما سيتم نقلهم إلى ساحة جهادية أخرى ليستهلكوا فيها، أو أن تقوم دولة ما بإعطائهم لجوءاً سياسياً مقابل تخليهم عن نشاطاتهم الجهادية، أو أن تقوم دولهم بإعادتهم بعد إجراء تسويات معهم".

وكانت مصادر مقربة من "هيئة تحرير الشام"، قد قالت، لـ"العربي الجديد"، الأسبوع الماضي، إنّ اجتماعاً عقد بين قادة من الهيئة يرأسهم أبو ماريا القحطاني وخمسة قادة من جماعة "جنود الشام" يترأسهم مسلم الشيشاني، في مقرّ جماعة "أنصار الإسلام" في مدينة جسر الشغور غربي محافظة إدلب، حيث استمر الاجتماع لمدة ثلاث ساعات، بحث فيه الطرفان العديد من الحلول التي طرحها مسلم الشيشاني على أبو ماريا القحطاني، إلا أنّ قيادات الهيئة كانت متمسكة بقرارها بحلّ الجماعة أو الاعتقال والملاحقة في حال رفض ذلك، ما يعني أنّ الهيئة ستتمسك بخيارها، مع استعدادها لجميع الاحتمالات.

المساهمون