يتوقّع سياسيون ومحللون أردنيون أن يدفع الأردن ثمناً سياسياً باهظاً جراء "إعلان النوايا" الذي تم توقيعه أول من أمس الإثنين، بين الأردن وإسرائيل، إضافة إلى الإمارات، بحضور المبعوث الأميركي للمناخ، جون كيري، في معرض إكسبو دبي 2020، للدخول في عملية تفاوضية للبحث في جدوى مشروع مشترك للطاقة والمياه، تحت عنوان "الماء مقابل الكهرباء"، معتبرين أن الصفقة تعني أن الأردن "يطبّق واقعياً صفقة القرن"، على الرغم من رفضه المعلن لها.
وبرأي هؤلاء، فإن مضمون التفاهم الذي ينص على أن يعمل الأردن على توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية لصالح إسرائيل، بينما تعمل الأخيرة على تحلية المياه لصالح الأردن، يثير، متى ما تم السير به، مجموعة من التساؤلات المتعلقة بمسار العلاقة مع كيان الاحتلال ومستقبلها وتأثيرها على المنطقة، وبشكل خاص على القضية الفلسطينية. وبرزت أمس دعوات من جهات عدة للمواطنين، للتظاهر يوم الجمعة المقبل رفضاً لهذا الإعلان الجديد.
مع العلم أن مساعد الأمين العام لوزارة المياه والري الأردنية، عمر سلامة قال في بيان الإثنين، إن "توقيع الإعلان ليس اتفاقاً لا من الناحية الفنية ولا القانونية"، لافتاً إلى أن "المشروع لن ينفَذ من دون حصول الأردن على 200 مليون متر مكعب من المياه سنوياً، مقابل توفير محطة الطاقة الشمسية 200 ميغاوات من الكهرباء لإسرائيل".
هنطش: مجلس النواب سيحاول رد إعلان النوايا وإلغاءه
في السياق، قال الرئيس السابق للجنة الطاقة النيابية، النائب موسى هنطش، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الاتفاق يسيء إلى سمعة الأردن، ويشكل إحباطاً للشعب الأردني، فالقضية تتجاوز البعد الاقتصادي إلى البعد السياسي، وقد خلقت حالة من التشكك في المؤسسات الوطنية، وهو أمر مرفوض ويجب أن تكون جميع المؤسسات متناغمة؛ برلماناً وحكومة".
وأضاف هنطش: "يجب أن يكون هناك خط أحمر أمام التعامل مع دولة الاحتلال في أي مجال من المجالات، فنحن لدينا كدولة طاقة كافية، ومياه من الممكن أن تكفي عبر التعاون مع دول المحيط العربي، كسورية، أو تنفيذ مشروع الناقل الوطني (لتحلية مياه البحر الأحمر في العقبة)، والأمور يجب أن تسير بالاتجاه الصحيح".
وبرأي هنطش، فإن الضغط الأميركي على الأردن "يعطي نتائجه"، معتبراً أنه "على المسؤولين الأردنيين والوزراء، أن يكونوا أصحاب موقف، وأصحاب قرار ببناء الأردن الحديث بالاعتماد على ذاته، وعدم الاتكال على هذا الكيان الذي يحقد على كل ما هو عربي، فهو سرطان في المنطقة". وأشار هنطش إلى أن مجلس النواب "سيحاول رد إعلان النوايا هذا وإلغاءه، خاصة أن هناك بندا يتيح ذلك"، معتبراً أن إلغاء الإعلان "يعيد للدولة هيبتها".
من جهتها، رأت الأمينة العامة لحزب "أردن أقوى"، النائبة السابقة رلى الفرا، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الاتفاق يأتي في إطار ربط الاقتصاد الأردني بالاقتصاد الإسرائيلي، لخلق حالة من الاعتمادية المتبادلة التي تجعل من المستحيل على أي حكومة مقبلة؛ سواء جاءت من رحم الشارع أو بالتعيين، أن تتحرر من الهيمنة على القرار السياسي والسيادي في الأردن، خصوصاً في ظل مجموعة الاتفاقيات القائمة، المتعلقة بالغاز والمياه والكهرباء والتي تجعل شرايين الاقتصاد الأردني بيد إسرائيل".
واعتبرت الفرا أن "الأثر خطير جداً لإعلان النوايا الأخير، فهو جزء من إقرار صفقة القرن بشكل ناعم وغير معلن وتدريجي، ليتم فرض حلول سياسية على الأردن وفلسطين من دون أن يرضى بهذه الحلول شعبا الدولتين". ووصفت الفرا المرحلة الحالية من عمر الصراع العربي الإسرائيلي بـ"الخطيرة"، موضحةً أنه "منذ الإعلان عن صفقة القرن في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وتطور العلاقات العربية مع الاحتلال وعقد اتفاقيات أبراهام التطبيعية، والسيطرة الإسرائيلية على المنطقة تتوسع. والأردن يسير في الركب عبر رهن اقتصاده للعدو الإسرائيلي".
الفرا: الإعلان جزء من إقرار صفقة القرن بشكل ناعم وغير معلن وتدريجي
وتابعت المتحدثة نفسها أن "مثل هذا الاتفاق سيتسبب بإجهاض أي حكومة برلمانية وحزبية مقبلة، إذ سيمنعها من تحرير السيادة الوطنية، وهو سيساهم في تفريغ ما يمكن أن ينتج عن تحديث المنظومة السياسية، فالحكومة التي ستأتي من رحم البرلمان في مرحلة ما، ستكون رهينة لمثل هذه الاتفاقيات".
بدوره، انتقد الأمين العام لحزب "جبهة العمل الإسلامي"، المهندس مراد العضايلة، في حديث مع "العربي الجديد"، توقيع إعلان نوايا مشروع "الطاقة مقابل المياه"، معتبراً أنه "رهن للقرار الوطني بيد الاحتلال". وأضاف: "نحن نعتبر هذا الاتفاق ليس ذا جدوى اقتصادية، والمشروع هو إذعان للضغوط الأميركية التي تصر على ربط الاقتصاد الأردني بدولة الاحتلال".
ورأى العضايلة أن الاتفاق "جريمة بحق الأردن"، مشيراً إلى أنه "هناك مشروع الناقل الوطني للمياه، والذي يمكن من خلاله توفير 300 مليون متر مكعب من المياه المحلاة من العقبة، فيما هناك فائض من الكهرباء". وتابع أن "العنوان الوحيد للاتفاق هو التطبيع وجعل الكيان مرتبطا عضوياً بالدول العربية خصوصاً الأردن"، واصفاً الإعلان بأنه "مقدمة حقيقية لمشروع الوطن البديل، من خلال ربط اقتصاد الأردن وفلسطين بدولة الاحتلال، ليتم بعد ذلك بسهولة نقل السكان من غرب النهر إلى شرقه، وهو أمر خطير ومرفوض بشدة".
واعتبر العضايلة أن "كلام الحكومة خلال الفترة الماضية عن رفض صفقة القرن، غير دقيق، لأنها على أرض الواقع تطبق هذه الصفقة، وإعلان النوايا الأخير أحد مشاريعها"، مطالباً الحكومة بـ"الكشف عن نواياها، فرفض صفقة القرن يعني رفض هذه الاتفاقية التي تمس سيادة البلاد".
من جهته، قال المحلل والباحث المختص في الدراسات الأمنية والإستراتيجية، عامر سبايلة، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الأردن "لديه اتفاقية مع إسرائيل منذ أكثر من 25 عاماً وتنسيق أمني مباشر، فعلى الصعيد السياسي لا يوجد تغيّر وما حدث هو ترجمة للأمر الواقع". ورأى أن "فشل الأردن في إنجاز مشروع تحلية مياه البحر لوحده، واعتماده لفترة طويلة على مقترح قناة البحرين (مشروع مائي متعثّر بين الأردن وإسرائيل يقوم على أساس ربط البحر الأحمر بالبحر الميت بواسطة قناة لرفع منسوبه الذي يشهد تراجعاً ملحوظاً، إضافة إلى الاستفادة من عملية الربط في تحلية المياه وسد النقص الحاصل في الأردن)، وعدم المضي قدماً بمشروح الناقل الوطني للمياه من البحر الأحمر، جعل خيارات الأردن قليلة".
العضايلة: المشروع هو إذعان للضغوط الأميركية التي تصر على ربط الاقتصاد الأردني بدولة الاحتلال
وأشار إلى أن "اللافت اليوم أن ما يجري يحدث بتسهيل إماراتي ومباركة أميركية، مما يعني أن الأمور لها بعد إقليمي يتجاوز العلاقة الأردنية الإسرائيلية. أما سياسياً، فلا تغيير في الوضع بين الطرفين الأردني والإسرائيلي". وتابع أنه "من الواضح أن الأردن يقبل بمواضيع صفقة القرن، وكان من الأفضل لو قبلها منذ البداية. فصفقة القرن رؤيا إقليمية، وما يجري اليوم هو ترجمة لها، فما يفعله الأردن اليوم يجعلنا نقول إنه ليس لديه مواقف مختلفة، بل إنه يذوب بهذه الصفقة".
أما المنسق العام لحملة "غاز العدو احتلال" والناشط في مقاومة التطبيع، هشام البستاني، فأشار في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "إعلان النوايا الأخير يعمل على تمكين دولة الاحتلال وربطها مباشرة وبشكل عميق وعضوي بالمواطن الأردني، عبر قطاعات استراتيجية هي الطاقة والمياه. إذ بدأ هذا المسار عام 2014 مع اتفاقية الغاز".
وبحسب البستاني، فإن "الإعلان الأخير يرهن ماء الأردنيين بإسرائيل، بعد أن تم تسليم مصادر المياه الطبيعية بالفعل في اتفاقية وادي عربة لدولة الاحتلال"، واصفاً الإعلان بـ"الجريمة"، وفي الوقت نفسه بـ"المضحك، فالأردن يستورد الغاز من الاحتلال لتوليد الكهرباء، ومن ثم يبيع الكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية لإسرائيل". وتابع أنه "من الواضح أن كل المشاريع الكبرى يجب أن تكون من خلال دولة الاحتلال".
ورأى البستاني أن "استنكار بناء المستوطنات وما يحدث في القدس، لا يستقيم مع إعلان النوايا الأخير. ففي حين يتواصل الرفض الكلامي واللفظي لسياسة الاحتلال، إلا أنه فعلياً يتم تمويل الاستيطان من خلال 10 مليارات دولار ثمن الغاز المستورد المسروق ليذهب للخزينة الإسرائيلية، واليوم يأتي موضوع الماء". واعتبر أن "هناك ربطا عضويا للأردن بدولة الاحتلال، وكل المواقف الأخرى كلام لا يتماشى مع ما يحدث واقعياً على الأرض، فالسيادة الأردنية على الطاقة والمياه أصبحت بيد الاحتلال".