اعتبر القضاة المجتمعون، اليوم السبت، بدعوة من المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين، أنّ "المجلس الأعلى للقضاء المنصّب غير شرعي، وتم إرساؤه باعتماد منطق القوّة، وفرض الأمر الواقع، في خرق صريح للدستور والقانون والمعايير الدولية لاستقلال السلطة القضائيّة وفي غياب تام لكل رؤية إصلاحية للمنظومة القضائيّة وفقاً لضوابط دولة القانون".
وقرر القضاة، وفق بيان لهم، "مواصلة التحركات في سياق التصدّي للمخاطر المحدقة بوجود السلطة القضائية واستقلالها بتنظيم الوقفات الاحتجاجية والندوات الصحافية والعلمية والاجتماعات الدورية للقضاة وغيرها من التحركات، ويفوضون المكتب التنفيذي ملاءمة الدعوة لتلك التحركات وزمن انعقادها بحسب تطور الأوضاع".
وأكدوا أنّ حضور القضاة اليوم أعمال المجلس الوطني جاء "للتعبير عن تمسّكهم بمطالبهم الشرعية في تكريس مقومات السلطة القضائية المستقلة ودعمهم لمجهودات المكتب التنفيذي ومساعيه الحثيثة للتوصل إلى الحلول الجدّية والمسؤولة لإنهاء الأزمة الوطنية التي يعيشها القضاء".
وتوجهوا بـ"التحية والشكر إلى كافة المنظمات والجمعيات الوطنية والدولية التي عبرت عن مساندتها للتحركات التي يخوضها القضاة للدفاع عن السلطة القضائية المستقلة ودعائم النظام الديمقراطي".
وأعلن القضاة تمسّكهم بموقفهم "الرافض للمرسوم عدد 11 لسنة 2022 المؤرخ في 12 فيفري 2022 والمتعلّق بإحداث المجلس الأعلى المؤقت للقضاء غير الدستوري وغير الشرعي، لإلغائه لمبدأ التفريق بين السلط وأسس دولة القانون وقوامها القضاء المستقل"، وشدّدوا على أنّ "ذلك المجلس المنصّب هو هيكل غير شرعي وأداة في يد السلطة التنفيذية لضرب استقلال السلطة القضائية وإلغاء ضمانات وآليات استقلال القضاء وفقاً للدستور والمعايير الدولية".
وفي 12 فبراير/ شباط الماضي، وقّع الرئيس التونسي قيس سعيّد مرسوماً رئاسياً بإحداث "المجلس الأعلى المؤقت للقضاء" محلّ المجلس الأعلى للقضاء (هيئة دستورية مستقلة)؛ ما أثار احتجاجات ورفضاً من هيئات قضائية وقوى سياسية عديدة. وجاء ذلك، بعد سلسلة من الإجراءات "الاستثنائية" التي أعلنها سعيّد، منذ 25 يوليو/ تموز 2021، تضمنت تجميد اختصاصات البرلمان، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وإقالة الحكومة وتعيين أخرى جديدة، وهو ما اعتبرته أحزاب وهيئات حقوقية "انقلاباً" على الدستور.
وأكد القضاة "رفضهم التعامل مع المجلس الأعلى للقضاء المنصّب وغير الشرعي"، وحمّلوا "أعضاءه المسؤولية الكاملة لقبولهم الانخراط في تركيز هذا الجهاز التابع للسلطة التنفيذية".
وقرّر القضاة "ممارسة الطعون القضائية اللازمة، بما في ذلك الطعن أمام القضاء الإداري ضدّ كلّ الإجراءات التي آلت إلى إحداث المجلس المنصّب وتركيزه، كممارسة الطعون ضدّ القرارات غير الشرعية التي تنال من حقوق القضاة وضمانات استقلالهم".
ودعا البيان المشرفين على المحاكم من القضاء العدلي والإداري والمالي وعموم القضاة إلى "التمسّك بأداء وظائفهم القضائية باستقلالية ونزاهة وحياد وعدم الاحتكام في قضائهم إلّا إلى ضمائرهم والقانون وألا يقبلوا أية تعليمات أو توجيهات لا من المجلس المنصّب ولا من رئاسة الحكومة ولا من وزارة العدل ولا أي جهة أخرى".
ونبّه القضاة في بيانهم الرأي العام ومكونات المجتمع المدني الوطني والدولي إلى أنّ "الوضع الحالي للسلطة القضائيّة، بما فيها من قضاء عدلي وإداري ومالي تحت إشراف المجالس المنصّبة، سينعكس سلباً على مبدأ التوازن بين السلط وعلى واقع الحقوق والحريات في البلاد، باعتبار أنّ القاضي، الضامن لتلك الحقوق والحريات، أصبح مهدّداً في مساره المهني والتأديبي المتحكم فيه مباشرة من السلطة التنفيذية ويعمل دون أدنى ضمانات الاستقلالية".
وشدّد المجتمعون على "أهميّة دور القضاء في التصدي لجميع أنواع الجريمة، بما فيها الجرائم التي تهدد الأمن العام الاقتصادي وتنال مباشرة من المقدرة الشرائية للمواطن وعلى أهميّة اضطلاع القضاة بمهامهم في ذلك بكامل المسؤولية، فإنهم ينبهون إلى أنّ ما ورد بالمنشور الصادر عن وزيرة العدل بتاريخ حول التصدي لجرائم الاحتكار والمضاربة من توجيه تعليمات مباشرة إلى القضاة باختلاف درجاتهم، يمثّل تدخلاً مباشراً وغير مقبول في الأحكام وفي تقدير العقوبات".
ودعا القضاة المكتب التنفيذي للجمعية إلى "متابعة تداعيات حلّ المجلس الأعلى للقضاء وتنصيب مجلس غير شرعي على استقلال القضاء وضمانات استقلالية القضاة مع الاتحاد الدولي للقضاة والمفوضية السامية للأمم المتحدة والمقررين الخاصين لدى المنتظم الأممي".
والمجلس الأعلى للقضاء هو هيئة دستورية مستقلة من مهامها ضمان استقلالية القضاء ومحاسبة القضاة ومنحهم الترقيات المهنية.