"الجيش الإسلامي" الجديد: مشروع "طالبان" لإعادة تأسيس القوات الأفغانية

22 نوفمبر 2021
عناصر من طالبان في زيّ الجيش الأميركي في قندهار (مرتضى خالقي/الأناضول)
+ الخط -

بعد سقوط العاصمة الأفغانية كابول بيد حركة "طالبان" منتصف أغسطس/آب الماضي انهار الجيش الأفغاني، الذي صرفت عليه الولايات المتحدة والمجتمع الدولي أموالاً ضخمة، بشكل شبه كامل. وبينما فرّ معظم قادة الجيش والجنرالات إلى خارج أفغانستان، بقي عناصر ذلك الجيش العاديون يواجهون مصيراً مجهولاً داخل البلاد، وينتظرون بفارغ الصبر العودة إلى عملهم من جديد، تحديداً الذين اختاروا الانتساب للجيش والقوات المسلحة من أجل توفير لقمة العيش. غير أن المواقف الأخيرة لحكومة "طالبان"، والتي أتت على لسان أكثر من مسؤول فيها، لا تشير لا من قريب ولا من بعيد إلى أن هؤلاء سوف يعودون إلى وظائفهم مجدداً، سوى من تحتاج لهم الحركة من التقنيين والمهنيين. فالحركة تعمل بشكل سريع على تأسيس جيش جديد غير الجيش الذي صنعته الولايات المتحدة، والذي كان من أكبر إنجازات قواتها في أفغانستان خلال العقدين الماضيين.


شدّدت طالبان على ضرورة انتماء عناصر الجيش إليها

وفي أحدث مواقف قادة "طالبان" حيال تشكيل الجيش الذي تسميه "الجيش الإسلامي"، قال قائد القوات المسلحة في الحكومة قاري فصيح الدين فطرت، في كلمة له خلال حفل تخرج جنود في الفيلق 313 في العاصمة كابول في 16 من الشهر الحالي، إن أفغانستان بحاجة إلى جيش قوي موثوق به ومعتمد. وأشار إلى أن عناصر الحركة أثبتوا على مدى العقدين الماضيين "ضراوتهم وقوتهم في وجه الاحتلال الأميركي، من هنا واجب علينا تشكيل جيش قوي ومعتمد، فجميع دول العالم من ديدنها الاعتماد على القوات المسلحة والجيش". وأضاف فطرت "لقد كان واجباً علينا دحر المحتل في السابق، بينما الآن علينا واجب الدفاع عن الدين والوطن، وهذا لا يمكن إلا بوجود جيش قوي وقوات مسلحة تحب الدين والوطن وتثبت ولاءها لهما".

ولم يتطرق القيادي العسكري الكبير والمعروف في أوساط الحركة إلى مستقبل عناصر الجيش السابق، لكن إيحاءاته كانت تشير إلى أن الجيش الجديد سيتم تشكيله من عناصر الحركة الذين وصفهم بـ"المجاهدين الذين أثبتوا ضراوتهم وحنكتهم العسكرية مقابل الاحتلال الأميركي". كما أشار إلى دفعات المجندين من "طالبان" الذين تخرّجهم فيالق الجيش التي غيرت الحركة أسماءها، وجعلتها نواة لجيشها الإسلامي الجديد. ولم تتحدث "طالبان" حتى الآن عن عديد الجيش الجديد، إلا أنها تعلن بشكل متواصل تخريج عناصره بعد نيل التدريبات اللازمة في مختلف الفيالق، وآخرها تخريج 250 جندياً من فيلق كابول المسمى بالفيلق المركزي بعد تدريبات دامت شهرين.

وحول هذه المسألة، كشف القيادي الميداني في حركة "طالبان" في إقليم لوغر محمد عثمان، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "وزارة الدفاع الأفغانية أمرت جميع الفيالق بتدريب الجنود، والهدف ليس تدريبهم على الحرب لأن مقاتلي طالبان كلهم مدربون على الحرب، بل تمرّ العملية بمرحلتين. المرحلة الأولى تتمحور حول اختيار الجنود من بين المسلحين، وفي المرحلة الثانية يتم تدريبهم وتعليمهم الضوابط العسكرية". وأضاف أنه "على أساس تدريب الفيالق سوف يتشكّل الجيش الجديد، أما الأمور التقنية فطالبان تراهن فيها حالياً على عناصر الجيش السابق، ولكن على أعداد قليلة كي لا تكلف الحكومة كثيراً من الناحية المالية واللوجستية".

وفي خطوة أخرى، أعلنت وزارة الدفاع الأفغانية تغيير أسماء فيالق الجيش وجعلتها إسلامية، وتلك الفيالق هي: الفيلق المركزي ومقره كابول، وفيلق الفتح ومقره إقليم بلخ في الشمال، وفيلق عمري في ولاية قندوز في الشمال أيضاً، وفيلق البدري ومقره ولاية قندهار، وفيلق عزم في هلمند، وفيلق خالد بن الوليد ومقره ولاية لغمان في الشرق، وفيلق منصوري في مدينة كرديز في الجنوب، وفيلق الفاروق ومقره ولاية هرات في الغرب.

وتعليقاً على خطوات "طالبان" الأخيرة حيال تأسيس الجيش، اعتبر المحلل الأمني سنكر وزيري، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "كل ما فعلته طالبان حيال تأسيس جيش جديد ليس غريباً وكان متوقعاً. وهي خطوات في حد ذاتها لا تعني القضاء على الجيش السابق، الذي كان من أهم الإنجازات التي أحرزتها أفغانستان خلال عقدين ماضيين". وشدّد على أنه "إذا قررت طالبان فعلاً الاستغناء عن عناصر الجيش السابقين، كما يُتوقع، فذلك سيشكل خيبة أمل لكل من يهتم بالمؤسسة العسكرية الأفغانية في ظل التنافس الموجود في المنطقة. ويعني هذا أن طالبان بحاجة إلى عقدين من الزمن وأموال ضخمة لتأسيس جيش جديد ومؤسسة عسكرية جديدة، تدريباً وتجهيزاً".

وما يتخوف منه وزيري، وهو أحد الموظفين السابقين في وزارة الدفاع، يبدو أن "طالبان" تعتزم فعله، إذ قال المتحدث باسم الحركة وكيل وزارة الثقافة والإعلام ذبيح الله مجاهد، في تصريح صحافي في 13 من الشهر الحالي، إن "في الجيش الإسلامي الجديد لا يوجد مكان لعناصر الجيش السابق، وطالبان تعمل على تشكيل الجيش الجديد من عناصرها هي". وأكد أن بعض ضباط الجيش خصوصاً في المجالات التقنية قد تتم دعوتهم للالتحاق، وهو ما حصل فعلاً، لكن عناصر الجيش السابقين لن يكونوا موجودين في الجيش الجديد.

وقسّم مجاهد الجيش السابق إلى قسمين: عناصر الجيش العاديون والتقنيون، مؤكداً أن التقنيين مثل الطيارين وغيرهم قد تتم دعوتهم، وهم الآن يعملون في الحكومة. وقد تمكن المهندسون من ترميم 33 طائرة لسلاح الجو الأفغاني. أما العناصر العاديون أو العسكر فعلى حد قوله لا تحتاج "طالبان" إليهم، قائلاً إن "معظمهم مدمنو مخدرات، وليسوا مهنيين أيضاً؛ بالتالي مسلحو طالبان أحسن منهم مهنة وتربية وحنكة عسكرية أيضاً، ولا حاجة لعناصر الجيش السابقين".


اختارت الحركة أسماء دينية لفيالق الجيش الجديد

ويشكّل هذا الموقف من "طالبان" خيبة أمل للكثير ممن عملوا في صفوف الجيش وينتظرون دعوة الحركة للعودة إلى صفوف الجيش الجديد ليس حباً في العسكر لدى الكثيرين، بل بحثاً عن لقمة العيش وحصولاً على الراتب. وقال محمد جميل من سكان ولاية ننجرهار، الذي كان جندياً في الجيش ويعمل حالياً في أحد أسواق جلال أباد مقابل إيجار يومي، إنه ينتظر العودة إلى صف الجيش كي يتقاضى رواتب الأشهر الماضية ويواصل العمل، مضيفاً "أنا رجل مهني أخذت التدريبات وشاركت في الحرب، لكن هذا الموقف من طالبان مخيب لآمالنا؛ إذ إنها تضيع ما تعلمناه وتتركنا بلا عمل".

يذكر أن وزير خارجية "طالبان" أمير خان متقي أكد في كلمة له في المعهد الدولي في العاصمة إسلام أباد خلال زيارته الأخيرة لباكستان، أن بلاده لا تحتاج إلى جيش كبير، وأن الوضع في أفغانستان اليوم يختلف كثيراً عما مضى. ولفت إلى أنه "في السابق كانت الحكومة تحارب الشعب، وكانت تظن أنها بحاجة إلى جيش يكون حجمه كبيراً، كما أن عدم وجود الثقة في القوات المسلحة جعل الحكومة تصرّ على تضخيمها، بينما الآن جنود طالبان لديهم ثقة كبيرة من قبل الشعب والحكومة؛ بالتالي هناك حاجة لجيش صغير معتمد".

وأثارت تصريحات الوزير ردود أفعال في الساحة الأفغانية. وقال أحمد ولي قادر، أحد الموظفين السابقين في وزارة الدفاع الأفغانية، لـ"العربي الجديد"، إن القضاء على المؤسسة العسكرية من أهم ما كانت تسعى إليه استخبارات المنطقة، وبالنظر إلى الموقع الجغرافي لأفغانستان لا يجب أن يتصور أحد أنه يمكن لبلادنا أن تكون بلا مؤسسة عسكرية قوية، معرباً عن استغرابه مما قاله متقي.