يبدو أن الخلافات حول طريقة إدارة المشهد السياسي الداخلي في مصر، تحديداً دعوة "الحوار الوطني" التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي في حفل "إفطار الأسرة المصرية" في 26 إبريل/ نيسان الماضي، اتخذت منحى جديداً، لا سيما مع الانشقاق الذي حدث في صفوف "الحركة المدنية الديمقراطية"، التي كانت تضم أحزاباً وشخصيات عامة، والتي كانت تمثل الطرف الآخر في معادلة الحوار مع النظام.
وبحسب ما أكدته مصادر حزبية وسياسية لـ"العربي الجديد" أخيراً، فإن رئيس حزب "المحافظين" أكمل قرطام، الذي كان جزءاً من "الحركة المدنية الديمقراطية"، دعا مجموعة من الشخصيات العامة إلى مقر حزبه الكائن بحي غاردن سيتي، وسط القاهرة، لتشكيل تحالف سياسي جديد باسم "التيار الحر".
وبحسب هذه المصادر فإن "تصدر مجموعة الناصريين المشهد السياسي كقوى معارضة، خصوصاً بعد حفل إفطار الأسرة المصرية الذي حضره المرشح السابق لرئاسة الجمهورية حمدين صباحي، أزعج المسؤولين بجهاز الأمن الوطني، والذي يرى في نفسه الأولى بإدارة المشهد السياسي الداخلي، وفي الوقت نفسه يتحفظ على طريقة إدارة المسؤولين بجهاز المخابرات العامة للحوار السياسي المفترض".
حراك أكمل قرطام
ولفتت المصادر إلى أن "المشاورات التي يقودها رئيس حزب المحافظين أكمل قرطام، لتشكيل التيار الحر، بدأت الأسبوع الماضي، باستدعاء المرشح السابق لرئاسة الجمهورية، الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى إلى مقر الحزب، لكنه اضطر للانتظار أكثر من ساعة قبل مقابلة رئيس الحزب".
وقالت المصادر إن "موسى يسعى أخيراً للظهور على الساحة بأي شكل من الأشكال عبر لعب أي دور سياسي، حتى لو كان ضد ما يؤمن به".
تحدث أكمل قرطام مع شخصيات عامة لإكساب التحالف الجديد بعض الزخم
وأضافت المصادر أنه "في محاولة لإكساب التحالف الجديد بعض الزخم بضم الأسماء السياسية المشهورة، تحدث أكمل قرطام مع شخصيات عامة أخرى مثل وزير الخارجية السابق نبيل فهمي، لكنه لم يحصل على رد منه بعد".
وكشفت أن القائمة التي تواصل معها قرطام، ضمّت رئيس النادي الأهلي السابق، رجل الأعمال محمود طاهر، الذي شدّد على عدم رغبته في المشاركة في أي نشاط سياسي.
كما تم التواصل مع القيادي بحزب الوفد، عضو مجلس الشيوخ هاني سري الدين، والنائب السابق، رئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور عصمت السادات، والنائب إيهاب الخولي الذي يعتبر مهندس التحالف الجديد" وشخصيات أخرى.
وكان قرطام، قد كشف في تصريحات صحافية أنه "بصدد الإعلان عن تيار ليبرالي جديد يحمل اسم التيار الحر". وأضاف أن "تأسيس هذا التيار جاء بالمصادفة حينما تواصل مع عمرو موسى لمناقشته في وثيقة الإصلاحات السياسية التي أعدها الحزب وبعدها تولدت فكرة إنشاء هذا التيار الليبرالي"، مشيراً إلى أن موسى "اختار اسم التيار الحر لهذا التيار الليبرالي الجديد".
وقال رئيس حزب المحافظين إن "إيهاب الخولي هو صاحب فكرة التيار الحر، وأن رؤيته لهذا التيار في صالح الوطن، وأن الأمر يتطلب منا هذه المرة أن نخلع العباءات الحزبية ونتجرد من كل شيء إلا مصالح الوطن، وأنه لا يجوز أن يسيطر على الساحة السياسية الأحزاب اليسارية فقط، بل يجب أن يكون هناك تواجد لليبراليين".
وفي السياق، حرص موقع "الموقع" الذي تم تأسيسه برعاية العقيد أحمد شعبان، المسؤول الأول عن وسائل الإعلام بجهاز المخابرات العامة، على تضخيم مسألة الخلافات بين أعضاء الحركة المدنية.
وأشار تقرير للموقع الذي يرأس تحريره محسن سميكة، محرر رئاسة الجمهورية السابق بجريدة "الأهرام"، إلى ما وصفها بـ"محاولة الوفديين تمهيد الطريق أمام استعادة حزبهم لزعامة أحزاب المعارضة في مصر، بعد سنوات طويلة فقد فيها الوفد مكانته حينما كان يتصدر المشهد السياسي".
وقال إن "الصورة الأخيرة التي رسمها حفل إفطار الأسرة المصرية للمعارضة، أوضحت تقدم الناصريين بحمدين صباحي على رأسهم بخطوات عدة عن الوفديين".
الناصريون في صلب الحوار
وفي السياق، قال أحد السياسيين المصريين البارزين، الذي رفض ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "الجميع في مصر يعلم أن الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال إفطار الأسرة المصرية في إبريل/نيسان الماضي، صورة شكلية، دعت إليها ظروف داخلية ودولية مؤقتة، وضعت النظام في موقف يتطلب ضرورة الإيحاء بوجود حوار سياسي حول القضايا الملحة ومن بينها بيع أصول الدولة، التي طالما طالب بها صندوق النقد الدولي".
وأضاف المصدر أن "جميع من قبلوا الدعوة للحوار ومن بينهم أعضاء ما يسمى التيار الناصري مثل حمدين صباحي وغيره، يعلمون جيداً أنهم جزء من هذه الصورة الشكلية، ولكنهم مضطرون للتعاطي معها لأسباب كثيرة".
سياسي بارز: لن يؤدي الحوار سوى إلى إصدار توصيات غير ملزمة
وأشار المصدر إلى "التصريحات التي أطلقها رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ونقيب الصحافيين الذي تم تعيينه أخيراً منسقاً عاماً للحوار، في برنامجه التلفزيوني، والتي قال خلالها نصاً إنه لا هدف من الحوار أصلاً سوى أن نستمع إلى بعضنا البعض، وأن مخرجات الحوار لن تعدو كونها مجرد توصيات غير ملزمة لأحد".
وقال ضياء رشوان خلال تقديم برنامجه "مصر جديدة"، المُذاع عبر فضائية "إي تي سي"، مساء الجمعة الماضية، إن "الحوار الوطني الذي أطلقه الرئيس السيسي هدفه إدارة حوار سياسي شامل حول أولويات العمل الوطني".
وأضاف أنه "لا يوجد هدف محدد من الحوار وإنما هدف عام، هو أن يستمع كل منا للآخر والمستثنى منهم فقط من تلوثت أيديهم بالدم مباشرة أو كمحرض أو كشريك، طبقاً لقانون العقوبات المصري الذي يعتبر كفاعل أصلي في الجريمة الملوثة بالدم".
وحول وجود مؤشرات على الخلافات بين الأجهزة الأمنية حول أسلوب إدارة الحوار، المقرر في يوليو/تموز المقبل، قال المصدر إن "الأجهزة الأمنية عموماً سواء التابعة للمخابرات أو التابعة لوزارة الداخلية، لا تثق كثيراً بالشخصيات المحسوبة على المعارضة الآن، وهي تعلم جيداً كيف يتم استخدامها بالطريقة التي تحقق مصلحة النظام وحده".
وأضاف أنه "على الرغم من قرب بعض الشخصيات الناصرية الآن من دائرة السيسي، وتحديداً اللواء عباس كامل، مثل حمدين صباحي وخالد يوسف وضياء رشوان، إلا أنها علاقة مؤقتة مرتبطة بحاجة النظام الآن إلى وجودهم إلى جواره في المشهد، ويمكن جداً بعد ذلك أن يتم الاستغناء عنهم، وهذا ما حدث أكثر من مرة في السابق".
وقال المصدر إن "تأسيس تيار جديد منافس للتيار الناصري، بإيديولوجيا مختلفة، يمكن أن يكون هدفه إحداث توازن في المواقف الخاصة تحديداً ببيع أصول الدولة، إذ إن الناصريين غالباً ما سيقفون ضد هذا الموضوع، بينما سيؤيد الليبراليون ذلك التوجه".