لم تنقطع محاولات تجديد وإصلاح ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية على مدى السنوات الماضية، إلا أنها لطالما اصطدمت بالكثير من العقبات، بسبب تراجع رصيده في الشارع السوري المعارض، وهيمنة أطراف وشخصيات معيّنة على قراره، ما أدى إلى انسحاب كتل وتيارات سياسية وشخصيات لها وزن، ما أفقده الكثير من قيمته السياسية.
وآخر المنسحبين "التجمّع الوطني الحر للعاملين في مؤسسات الدولة السورية"، والذي اتهم مكتبه التنفيذي، الأحد الماضي، الائتلاف بـ"ارتكاب أخطاء كارثية". وأشار، في بيان، إلى أن الائتلاف أمعن "في الفشل السياسي والقانوني وبيع الوهم للسوريين".
ويضم هذا التجمع، الذي أنشئ في العام 2012، بشكل رئيسي عاملين في القضاء وأعضاء مجلس الشعب (البرلمان) ومسؤولين سابقين وسياسيين ووزراء منشقين عن النظام السوري، على رأسهم رئيس الحكومة الأسبق رياض حجاب.
انتقد "تجمّع العاملين في مؤسسات الدولة السورية" انخراط الائتلاف في مسألة اللجنة الدستورية
ووفق بيان التجمع فإن قيادة الائتلاف تجاهلت "دعوات الإصلاح، أو التوقف عن نهج التنازلات على مستوى الثورة والقضية السورية". وانتقد انخراط الائتلاف في مسألة اللجنة الدستورية، معتبراً أن هذه اللجنة "خرق للعملية السياسية برمتها، ولبيان جنيف1 والقرارات الدولية، لاسيما 2118 و2254"، وأنها "جاءت بالأساس لتمرير الوقت، وكما رسمت لها روسيا وإيران".
حديث عن "قيادة عميقة" بالائتلاف
وللمرة الأولى، تتحدث جهة سورية معارضة بشكل واضح عن "قيادة عميقة" في الائتلاف الوطني، تتفرد بالقرار "بعيداً عن أي قواعد أو مبادئ يتوجب الالتزام بها"، وفق بيان التجمع، الذي انتقد إنهاء عضوية ممثله في الائتلاف "دون التواصل مع التجمع أو توضيح الأسباب أو طلب استبداله".
وذكرت مصادر مقربة من التجمع، لـ"العربي الجديد"، أن "القيادة العميقة" التي عناها في بيانه تتكون من: هادي البحرة (وهو رئيس مشترك للجنة الدستورية)، وأنس العبدة (رئيس هيئة التفاوض)، وبدر جاموس، وعبد الأحد اسطيفو، إضافة إلى رئيس الائتلاف الحالي سالم المسلط.
وكان المسلط أصدر، الأحد الماضي، قراراً بإقالة 14 عضواً من الائتلاف، واستبدال ممثلي المجالس المحلية في محافظات إدلب وحلب والرقة ودير الزور.
وتعليقاً على القرارات الأخيرة للائتلاف الوطني، أشار أحمد رمضان، وهو رئيس "حركة العمل الوطني من أجل سورية"، وهي عضو مؤسس في الائتلاف، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن الحركة "قدمت أكثر من ورقة عمل مفصلة بشأن إصلاح الائتلاف، وتعزيز شرعيته الشعبية والقانونية والسياسية، وزيادة الفاعلية، وضم كتل سياسية جديدة، وشارك ممثلو الحركة في بعض اللجان الخاصة بذلك".
وأبدى رمضان أسفه "لأنه لم تجرِ الأمور ضمن سياق الإصلاح الجدي، واستُخدمت في بعض الحالات لوضع انتخابي، أو مكاسب شخصية من قبل البعض، ولم تتحول إلى برنامج عمل وطني توافقي".
انتقال إلى الداخل السوري
ولخّص رمضان موقف "العمل الوطني" في عملية إصلاح الائتلاف في عدة نقاط، أهمها انتقاله رسمياً إلى الداخل السوري وممارسته مهامه الكاملة من الأراضي المحررة، وإعادة تنظيم المشهد السياسي من خلال ضم قوى سياسية فاعلة.
وأوضح أن الحركة تدعو أيضاً إلى "إجراء انتخابات في الداخل، لاختيار ممثلي المجالس وقوى الحراك الثوري، وإشراك الجاليات عبر هيئات تمثلها، وإنشاء مجلس استشاري وطني يضم شخصيات ذات خبرة وكفاءة وقيمة اعتبارية، لدعم القضية السورية بطيف من الآراء والمواقف التي تعزز مكانتها وطنياً ودولياً".
وبيّن رمضان أن حركته، التي تأسست في العام 2011، "أولت أهمية كبرى للعمل وفق قواعد قانونية وتنظيمية معتمدة مع الشركاء الوطنيين". وقال: من هنا فإن الإجراءات الأخيرة لم تراع هذا الالتزام، وتجاوزت النظام الداخلي، ولم تصدر من جهة اختصاص، وهي الهيئة العامة للائتلاف.
أحمد رمضان: محاولات إضعاف الائتلاف ستؤدي إلى حالة فراغ سلبية ستضر بالقضية السورية
واعتبر أن هذه الإجراءات مسَّت عدداً من الأعضاء الفاعلين، وتجاهلت آخرين غير فاعلين، ولم تقدم تفسيراً لذلك، وتم نشر مزاعم عن تأثير من خارج المساحة الوطنية، وقام البعض باستخدام ما جرى لتصفية حساب مع زملاء لهم، وهو أمر غير مقبول وطنياً.
رفض لإضعاف الائتلاف
لكن رمضان أشار إلى أن "حركة العمل الوطني تعتبر أن محاولات إضعاف الائتلاف، أو وضعه تحت التأثير، ستؤدي إلى حالة فراغ سلبية ستضر بالقضية السورية". وأضاف: "سيدفع ذلك لإعادة تقييم المساحة الوطنية التي يشغلها الائتلاف، والتي استمدها من المجلس الوطني السوري، وقد يدفع لإعادة تفعيل مكون وطني أساسي اجتهد السوريون لتأسيسه بإرادتهم الوطنية الحرة".
وأعرب رمضان، وهو رئيس دائرة الاستشارات الاستراتيجية في الائتلاف، عن اعتقاده بأن "القضية الوطنية السورية تمر بأحد أهم مفاصلها خطورة". واعتبر أنها تحتاج إلى تكاتف وتعاون وشراكة بين جميع المكونات، وإعادة تنسيق وتنظيم العلاقات والمصالح المشتركة، والأهم إعادة الاعتبار لمصالح الشعب السوري وأهداف ثورته العظيمة، ونحن ملتزمون بذلك ونعمل من أجله، ونبني علاقات الشراكة والتعاون ضمن هذا الإطار.
وكان الائتلاف تأسس في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 في العاصمة القطرية الدوحة، في ذروة الحراك الثوري في سورية، ليكون الممثل الشرعي والوحيد للثورة السورية، ونال اعترافاً وترحيباً إقليمياً ودولياً. لكنه مع مرور السنوات فقد الكثير من بريقه السياسي.
ويتكوّن الائتلاف من عدة مكونات سياسية، هي: حركة الإخوان المسلمين، والمجلس الوطني الكردي، والمجلس الوطني التركماني، والمجالس المحلية، ومجلس القبائل والعشائر، والحراك الثوري، والتيار الوطني، وحركة العمل الوطني، وتيار المستقبل، ورابطة الأكراد المستقلين، والتجمع الوطني، ورابطة العلماء، والكتلة الوطنية، والمنظمة الآثورية، والكتلة العسكرية، وكتلة للمستقلين هي الكبرى في الائتلاف.
وتناوب على رئاسة الائتلاف منذ تأسيسه العديد من الشخصيات، التي حاولت التأسيس لعمل سياسي منظم، إلا أنها فشلت بسبب عدة عوامل، لعل أبرزها استمرار بقاء شخصيات معيّنة في الواجهة على مدى أكثر من 10 سنوات، وهو ما أدى الى ترهل بالأداء بسبب احتكار تمثيل قوى الثورة والمعارضة.
ولعل عدم قدرة الائتلاف على فرض إرادته في مناطق تقع تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية في شمال البلاد، سبب آخر رئيسي يضاف إلى أسباب أخرى أدت إلى فقدانه بريقه الثوري والشعبي، حيث لم تخضع هذه الفصائل للقرار السياسي للائتلاف وللحكومة السورية المؤقتة المنبثقة منه.
وائل علوان: ما يحصل في الائتلاف اليوم أسوأ من التفكك
ودفعت التجاذبات الإقليمية والدولية حيال الملف السوري الائتلاف ليكون تابعاً لقرار دول إقليمية، وليس صانعاً لقراره النابع من مصلحة قوى الثورة والمعارضة السورية، ما أدى إلى تراجع دوره في الحراك المستمر داخل المشهد السوري.
الانسحابات تكرار لسيناريو 2017
ورأى الباحث السياسي في مركز "جسور" للدراسات وائل علوان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "انسحاب التجمع الوطني الحر لن يكون بداية تفكك الائتلاف". وأشار إلى أن هذا الأمر شبيه بما حدث في 2017، حيث انسحبت عدة شخصيات بارزة، منها جورج صبرا وسهير الأتاسي وخالد خوجة، ومع ذلك لم يتفكك الائتلاف في حينه.
لكن علوان، المواكب لما يجري في الائتلاف، اعتبر أن "ما يحصل في الائتلاف اليوم أسوأ من التفكك"، موضحاً أن هناك صراعا داخليا مستفحلا بين عدة كتل مكونة له.
وأعرب عن اعتقاده أن "مبادرات الإصلاح الجارية لن تفيد شيئاً"، مضيفاً: الائتلاف يحتاج إلى إعادة إنتاج على مستوى البنية والكتل والنظام الأساسي، وإلا فنحن أمام محاولات تجيّرها الكتل لصالحها لامتلاك المزيد من الأصوات للتفرد بالقرار. وأشار إلى أن "إيهام الرأي العام بأن هناك محاولات للإصلاح يستهلك سمعة الائتلاف"، مضيفاً: المطلوب الدعوة إلى مؤتمر وطني، وإعادة إنتاج حقيقية، وليس الترقيع تحت عنوان الإصلاح.