أطلقت منظمة "غلوبال جستس" الأميركية-السورية وهي "منظمة إنسانية غير ربحية تنشط في عدة دول"، مبادرة مشتركة مع "التحالف العربي الديمقراطي" وهو تيار سوري معارض، هدفها تنمية المناطق التي تقع تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية في شمال البلاد.
المبادرة التي أُعلن عنها بداية الشهر الجاري، حملت اسم "الأرض الحرام"، وتهدف إلى "تحسين حياة السوريين وتخفيف معاناتهم" في الشمال، و"إلغاء المظاهر المسلحة من المدن والبلدات وإبقائها محصورة في الثكنات والقطعات العسكرية الخاصة بهم، منعاً لأي تصادمات أو اقتتال داخلي، وإتاحة الفرصة للمدنيين في هذه المناطق للعيش الكريم"، وتشجيع الاستثمار في المناطق المستثناة من العقوبات الأميركية (قانون قيصر).
والمناطق التي استثناها الأميركيون من العقوبات التي فرضوها بموجب قانون قيصر، هي: منبج، وعين العرب (تحت سيطرة قوات سورية الديمقراطية)، وجرابلس، وأعزاز والباب، وهي تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية.
وناشدت المبادرة جميع القوى العسكرية أن "تتعاهد على أن تكون تلك المناطق بمثابة أرض سورية الحرام، والتي يحرَّم فيها مال وعرض ودم أي سوري، إلا بسلطة القضاء العادل، وأن تكون مسؤولية الأمن داخلها ملقاة على عاتق الشرطة المدنية، التي تكون تحت إشراف وزير الداخلية في الحكومة السورية المؤقتة".
ودعا مطلقو المبادرة جميع الفصائل العسكرية المعارضة إلى التوقيع على المبادرة "لتكون ميثاق شرف بينها"، وفق ما جاء في المبادرة التي سُلّمت إلى وزارة الخارجية التركية بحسب موقع تلفزيون سورية.
كما سُلّمت هذه المبادرة إلى العديد من الشخصيات التي ترأس جهات معارضة تنشط في الشمال السوري، وأبرزها: رئيس الائتلاف السوري سالم المسلط، ورئيس الحكومة المؤقتة عبد الرحمن مصطفى، ورئيس هيئة التفاوض بدر جاموس، ومفتي الجمهورية العربية السورية أسامة الرفاعي.
وبيّن عضو الهيئةِ التنفيذيّة لـ "التحالف العربي الديمقراطي"، يحيى العريضي في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هدف المبادرة أمني واقتصادي، ولاحقاً سياسي"، مضيفاً: "عندما يكون سكان الشمال السوري آمنين، ولا تتدخل الفصائل في شؤونهم وحياتهم، يكون ذلك مشجعاً للاستثمار".
ويرى العريضي أن هناك إمكانية لتطبيق هذه المبادرة ونجاحها، "في حال استغلال القرار الأميركي الذي صدر أخيراً، وأعفى خمس مناطق في الشمال السوري من تبعات عقوبات قيصر، بحيث يتم الاستثمار في هذه المناطق وهو ما يؤدي إلى إنمائها". وتابع: "لدينا أمل في تطبيق وإنجاح المبادرة في شمال سورية، لتمتد لاحقاً وتشمل البلاد كلها. إذا كان الجميع مستعداً لذلك، ستنجح هذه المبادرة".
ولطالما عانت المناطق التي تقع تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية المنضوية في "الجيش الوطني" من انفلات أمني واقتتال بين هذه الفصائل، يفضي إلى مقتل مدنيين وعسكريين، وهو ما يجعل الشمال السوري بحالة عدم استقرار أمني، ما يعرقل أي محاولات للاستثمار فيه، وخلق فرص عمل للسكان. وتشير المعطيات إلى أن هذه المبادرة لن تجد الكثير من الاكتراث لدى الجهات الفاعلة في الشمال السوري، بسبب تعقيدات الأوضاع هناك، وتفشّي حالة الفصائلية، وغياب المرجعية العسكرية القوية التي يمكنها فرض وقائع مختلفة.
وكانت ظهرت خلال السنوات الفائتة العديد من المبادرات المحلية لوضع حدّ للاقتتال الداخلي الذي يتفجر بين حين وآخر، إلا أنها لم تنجح في ذلك، في ظل الصراع على النفوذ في الشمال السوري بين عشرات الفصائل متباينة التوجه والغاية. وتسيطر هذه الفصائل على مساحات كبيرة غربي الفرات وشرقه، من الأراضي السورية، إلا أن مجموعات منها تمارس انتهاكات بحق السكان المحليين والنازحين والمهجرين، وهو ما يتسبب بحالة استياء دائمة من هذه المجموعات.
ورأى الباحث في "المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام" رشيد حوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن المبادرة لن تنجح، كما لم تنجح سابقاتها، "بسبب الولاءات الإقليمية والدولية، وعدم وجود مؤسسات متخصصة لتنفيذ ما ورد في المبادرة". وتابع: "المؤسسات التي من المفترض أن يقع على عاتقها تنفيذ المبادرة بشكلها الحالي، التي تعتمد على تحقيق التنمية في المناطق التي استثنتها واشنطن من العقوبات، تسعى لتحقيق مصالح على قياسها بالاعتماد على كل أساليب الفساد وغياب الشفافية، ناهيك عن غياب الأمن والاستقرار في مناطق المبادرة، والذي يُعدّ أحد أهم عوامل الاستثمار".