بعد أسابيع قليلة من إعلان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق تسجيل 230 حزباً في البلاد، إضافة إلى 62 حزباً جديداً قيد التسجيل، شكك برلمانيون وسياسيون عراقيون بعدد تلك الأحزاب. وأكدوا أن قسماً كبيراً منها لا يملك مقرات ولا أعضاء ولا حتى نظاماً داخلياً أو فكراً وأهدافا، وبعضها لا يتجاوز أفرادها الـ50 شخصاً. وطالبوا بتعديل بعض فقرات قانون الأحزاب ليكون أكثر حزماً مع هذا النوع من الأحزاب وصولاً إلى إلغاء إجازتها.
وبحسب رئيس لجنة المؤسسات والتطوير البرلماني في البرلمان يونادم كنا، فمن أصل أكثر من 200 حزب هناك 30 حزباً فاعلاً فقط، لافتاً إلى أن قوى وجهات سياسية قدّمت أخيراً طلبات لإجراء تعديلات على قانون الأحزاب بسبب ذلك. وأشار في تصريح صحافي إلى أن الجهات التي طالبت بتعديل قانون الأحزاب، تريد معالجة الثغرات الموجودة في القانون، والنقاشات لا تزال في بدايتها، ولا يمكن حصر الفقرات التي سيجري تعديلها. وأوضح أن "عدد الأحزاب المسجلة في دائرة الأحزاب السياسية التابعة لمفوضية الانتخابات فاق الـ200 حزب، 30 منها فقط فاعلة، وبقية الأحزاب فضائية لا بد من قيام مفوضية الانتخابات بإغلاقها بسبب مخالفتها للتعليمات".
المشكلة ليست في الأحزاب الجديدة بل بوجوه الأحزاب القديمة التي أسست أحزاباً جديدة
وأضاف كنا "في بعض الأحيان تقوم الأحزاب المهيمنة بتشكيل أحزاب صغيرة تستخدمها كعناوين فقط لمصلحة معينة أو للتمويه"، منوّهاً إلى أن التعديلات المنتظرة تعمل على معالجة بعض الثغرات في قانون الأحزاب. وكشف أن لجنته ستقوم بدراسة قانون الأحزاب، وبعد ذلك ستحدد الفقرات التي تستحق التعديل.
لكن موظفاً في مفوضية الانتخابات العراقية استبعد إقصاء أي حزب أو إجراء تعديلات تسهم في تقليل عدد الأحزاب المشاركة حالياً. وقال في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن حساسية المرحلة وانعدام الثقة وحالة التشجيع على ولادة القوى الجديدة، لا سيما الشبابية من داخل ساحات التظاهرات، تجعل مسألة ضبط عدد الأحزاب صعبة حالياً، لأن ذلك سيخلق تشكيكاً سياسياً في الانتخابات المبكرة. وأكد أن هناك حزباً سُجّل بالأسابيع الماضية، لا يملك مقراً، بل استأجر شقة مفروشة في بغداد لهذا الغرض. ورأى أن الأمم المتحدة والرأي العام الدولي والمحلي مع أي تكتل جديد يولد في العراق اليوم، معتبراً أن المشكلة ليست في الأحزاب الجديدة، بل بوجوه الأحزاب القديمة التي انشطرت أو انشقت وأسست أحزاباً لا تختلف عن القديمة بالتفكير والتحرك إلا بالاسم، بل قد يكون قسم منها باتفاق مع الأحزاب الرئيسة ضمن محاولات تعويض الشعبية التي فقدتها بعد التظاهرات.
من جهته، قال رئيس كتلة "الوطنية" في البرلمان كاظم الشمري، إن الظروف الحالية في البلاد تسهّل عملية الانتحال وإنشاء الأحزاب الوهمية. وشدّد في حديث لـ"العربي الجديد" على ضرورة وجود مساءلة قانونية لهذا النوع من الأحزاب. وأضاف أنه "من السهل انتحال صفة منظمة أو حزب معين، بل هناك شخصيات تنتحل صفة رتب عالية في الجيش، فكيف الحال بحزب غير موجود أصلاً؟". واعتبر أنه "من أجل إطلاق تسمية حزب يجب النظر إلى قانون الأحزاب، الذي اشترط أن تكون هناك مجموعة ضوابط لكل حزب، وهي وجود موقّعين على تأسيس الحزب لا يقل عددهم عن ألفي عضو، فضلاً عن ضرورة وجود مقر للحزب، وهيكلية متكاملة". ورأى أنه من أجل أن يكون الحزب حزباً فعلياً، يجب أن يكون له مقر وهيكلية ومالية، وإلا فإنه "حزب فضائي" (وهمي). وأوضح أن ليس كل الأحزاب الحالية تملك مقرات، ويجب تفعيل قانون الأحزاب قبل إجراء الانتخابات، وإلغاء إجازة أي حزب لا يمارس نشاطاً حزبياً.
أما رئيس حزب "الخيار العربي" عبد الكريم عبطان، فشدّد على ضرورة تسجيل جميع الأحزاب في مفوضية الانتخابات، ويجب على كل حزب دفع مبلغ 30 مليون دينار عراقي (ما يعادل 25 ألف دولار)، وبخلاف ذلك فإن الحزب يعد غير مسجل. وأكد في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن بعض الأحزاب ليس لديها القدرة على فتح مقرات، كونها أحزابا فتية ولم تشارك في السلطة ولم تستفد من العملية السياسية ولا يوجد لديها دعم.
مطالبات بتفعيل قانون الأحزاب قبل إجراء الانتخابات
وتابع عبطان، وهو نائب سابق، قائلاً: "هناك أحزاب أخرى انشقت عن أحزاب ماسكة للسلطة، تحت لافتة معينة على اعتبار أنها تزج بوجوه جديدة في الانتخابات المقبلة". ولفت إلى وجود شروط يجب توفرها عند تسجيل الأحزاب، مثل السلوك ووجود ألفي عضو مسجلين في الحزب. ولفت إلى أن "أغلب الأحزاب الفتية ليس لديها مقرات، وإن وُجدت فإنها ليست بمستوى الأحزاب التي شاركت في السلطة"، معتبراً أن بعض الأحزاب سيطرت على عقارات الدولة بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، وهي الآن تمتلك مقرات فخمة. وأشار إلى أن بعض الأحزاب الحالية تمثل واجهات لأحزاب قديمة انشقت عنها، فأحزاب إسلامية غيّرت عناوينها وجاءت بتسميات مدنية.
وجود عدد غير قليل من الأحزاب الوهمية دفع أعضاء في مجلس النواب إلى العمل من أجل تعديل قانون الأحزاب ليكون أكثر ضبطاً. وكان البرلمان قد أقرّ القانون رقم 36 لسنة 2015، وهو أول قانون للأحزاب في العراق بعد الاحتلال الأميركي في عام 2003، إلا أن هذا القانون تعرض لانتقادات كبيرة بسبب عدم قدرته على الحد من ارتباط بعض الأحزاب بالخارج، فضلاً عن استمرار غموض مصادر تمويلها. كما يضاف إلى ذلك عدم رغبة قوى سياسية بتأطير عملها السياسي والحزبي بقانون، لأن السنوات السابقة للتصويت على قانون الأحزاب شهدت مساحة مكرسة للعمل الحزبي والسياسي والمشاركة في الانتخابات، من دون مراقبة ومحاسبة من أجل معرفة مصادر التمويل.
والعام الماضي، بذلت قوى سياسية عراقية جهوداً من أجل التوافق على طرح تعديل جديد لقانون الأحزاب المعمول به في البلاد، وذلك من خلال كتلها السياسية داخل البرلمان، بسبب ما تعتبره "هفوات" داخل القانون تسمح لكثير من الأحزاب باستغلالها، إلا أن هذه الجهود لم تنجح بسبب عدم حصول التوافق.