همومٌ ومناكفات فلسطينيّة

01 مايو 2014

أوضاع صعبة للعمالة الفلسطينية (أرشيفية)

+ الخط -

لعلّ مكيافيللي في كتابه الشهير: "الأمير" يصدقنا القول، بل يبدع التعبير "فالفأر يصل بسرعة أكبر إلى الجبنة من الثعلب، تلك مسألة بديهية".
لكن الفارق يضيق، ولا يتّسع التأويل لدى تسليط الانتباه على التراتبية المركّبة لحال تشكيل النخبة الاقتصادية السياسية الفلسطينية، وخصوصاً قيادات مشروع سلطة الإدارة الذاتية. إذ إن أبرز ما يشغل بال هذه النخبة، ومتابعيها.
أخيراً، يمكن تلخيصه في حالة المناكفات بين السواعد الدحلانية والياقات العباسية، وعرض التهريج الاحترافي الممتد تحت عنوان محادثات ومفاوضات سلام في ظلال الراعي الأميركي.
وهذا لا يعدو كونه استمراراً للمناكفات الفتحاوية، ذات الخلفيات المصالحية، المرتبطة بالسوق مباشرة، كما بإرادات ورؤى القوى الإقليمية والمحاور الدولية متشابكة الأدوار في صناعة الخطاب "الرسمي" الفلسطيني.
هذا، في ظل أن تعقيدات الحالة الاستعمارية، المستمرة في فلسطين، فرضت شكل، بل نقول أشكالاً، من الفرز الطبقي، تراوحت في حدّة شقاقها بين زمن "صقور فتح" ووقت طائر بوم السلطة، تبعاً لتباين المعطيات وشروط التكوين المهيمن عليها كما كامل الفضاء الفلسطيني. 
فقبل استقدام منظمة التحرير لدخول جزء من أرض فلسطين، ارتكز النشاط الاقتصادي، تركيز السوق الفلسطيني، على كونه ذا نمط زراعي، اقتصاد فلاحي بامتياز، مع عدم تغييب الهامش الاقتصادي للسياحة الدينية في القدس وبيت لحم. هذا في ما يتعلق بالضفة الغربية وغزة، حيث بُني وجود المنظمة، لاحقاً، كسلطة إدارة ذاتية، وحيث كانت قد برزت منذ العام 1967 بوادر إزاحة بالغة التأثير في واجهة إطار السوق الفلسطيني. بشكل أساسي، نقصد فتح السوق الإسرائيلي أمام العمالة العربية من الفلسطينيين الساكنين الضفة الغربية وغزة، إذ أُلحقوا بنظرائهم من الفلسطينيين الموجودين داخل الخط الأخضر منذ إنشاء دولة الكيان الصهيوني. ليشكلوا قوة عمل رخيصة، معدومة الحقوق النقابية والمهنية، وكذلك لتشكل عائلاتهم السوق الجديد المنتظر، لضخّ الدماء في السوق الصهيوني، مع تعدّد حروب الكيان مع دول الأنظمة القطرية في المحيط العربي، وتضخّم التطوّر التقني للإنتاج الصهيوني.
لكن النقلة الملحوظة، بشكلها وتأثيرها ومدى تركيبها، لوحظت بتأطير العلاقات الاقتصادية في السوق الفلسطيني، بعد إنشاء مشروع الإدارة الذاتية الفلسطينية، السلطة الفلسطينية، والتي ترافق بناؤها مع الطفرة النيوليبرالية في اقتصاد السوق الصهيوني، والذي ما انفكّ يشكل اليد العليا في تسيير السوق الفلسطيني على سكة الاقتصاد السلعي الخدماتي، الأكثر تبعية وعدم قدرة على الاستقلال عن السوق الصهيوني.

وكذلك في انتقال المساومة مع الصهاينة، من تحديد خطوط وجود قوات الثورة الفلسطينية على الأرض العربية، شمالاً في لبنان، إلى توقيف معدات وأبراج الوطنية للاتصالات، في الموانئ الاستعمارية، كورقة ضغط على القرار الفلسطيني، بتبني مقررات تحقيق غولدستون بشأن عدوان "الرصاص المصبوب على غزة".
وبما أن من شروط تعريف الطبقة وانتمائها لذاتها توفر الأرضية المشتركة من مصالح ورؤى، تعيد صياغة شكل علاقة هذه الطبقة بذاتها، وبغيرها من الطبقات في المجتمع، يمكن القول إن هناك شكلاً ما من نخبة اقتصادية، هي عينها السياسية، التي وقفت فوق رأس تفعيل الشكل الحالي من الإدارة شبه الذاتية، وما أفرز لها من سوق لتنشط خلاله، معبّرة عن مصالح السوق الصهيوني، ورعاية هذه المصالح بناءً على القديم المُحدث في السياسة الكولونيالية الصهيونية، المتمثّلة بباب موشيه ديان المفتوح، والتي انطلقت في العام 1968، بحيث يبقى الهدف، دوماً، تدمير قاعدة الاقتصاد المحلي، وإعادة هيكلة ربطه بالاقتصاد الصهيوني، مع تحقيق فائض مرضي لشهية الكومبرادور الفلسطيني. فيتضح عبر متابعة مآل الاقتصاد الفلسطيني، عبر العقدين الأخيرين، أنه بدل القطع مع السوق الصهيوني، فإن منظمة التحرير أسّست لإعادة تشكيل علاقة الهيمنة والانتقال بها قدماً نحو استمرارية التبعية، عبر بروتوكول باريس الذي لم يأتِ إلا بعد سلسلة من تدوير الزوايا، بل تذويبها بين مشروع الثورة الفلسطينية ومضطهدي حرية الفلسطينيين وكرامتهم.
ويأتي استئناف المفاوضات وإطالة صولاتها بحضور مارتن إنديك، ممثل الراعي الإمبريالي الأميركي في القدس المحتلة، مستأنفاً محادثات "البعد الواحد"، على الإيقاع الماركوزي الرصين (نسبة إلى هربرت ماركوزا)، بين الصهاينة والسلطة الفلسطينية، وبحضور الجنرال ماجد فرج، "رجلنا في فلسطين"، بحسب وصف دايتون له، في ظل بقاء الإرث المُختَلف على تصنيفه لدى وبين أطراف عديدة، حاضراً متفاقماً في مناكفات دحلان وعباس. فبينما دحلان يتستر بمحاور دولية، لفضح شراكات الفساد وعهد العسل مع عباس، متنصلاً من حالة الشقاق الحمساوي الفتحاوي، واغتيال الرئيس السابق لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية ياسر عرفات، يتشدّق عباس ببهلوانية فريدة ترقى إلى مستوى المجلس الثوري الفتحاوي، ومَن لفّ لفّه، للردح لشقيق صباه صاحب "قناصة مش قناصة خلي حماس اتطخني". هذا مع عدم تجاوز تصريحاتهما، كونها ردات فعل لأزمة داخلية طاحنة، لا نعلم تفاصيلها، ولكن رجل الشارع يلمّ بالإطار الخلافي الاستثماري بين المحاور المتعاطية ضمن دائرة هذه المناكفات وعيالهم.

45B8D02A-B593-41A3-A891-B68D39F147A2
نضال الزغير

كاتب من أسرة العربي الجديد