النظام الفلسطيني... التأبين والتكوين

09 ابريل 2014
+ الخط -

لدى تناول النظام السياسي الفلسطيني، اصطلاحاً وممارسةً، تتبدّى ملامح مبالغةٍ غير محسوبةٍ في إطلاق المفهوم. إذ لا متسع لتجاوز النظر في الأسس التي صاغت بنية هذا النظام وشكلته. وهنا، يتحرك شريط التاريخ رجوعاً، مسائلاً الحقل السياسي الفلسطيني، وما انبثق عنه من بنية شبه ممأسسة، خاضعة للتفرد والهيمنة على الدوام، عن الالتفات إلى آليات استمداد الشرعية.
ولاستقامة النصاب، يجدر القول إن معيقات توصيف الحالة السياسية الفلسطينية تتصل بسؤال مركزي، يتعلق بشرعية المنظومة/الحالة السياسية الفلسطينية، وهذا ما يترجمه تفحص مسيرة التحولات البنيوية التي قادت إلى هذه الحالة السياسية الرثّة الهجينة.
علينا الانطلاق في التعاطي مع حالة النظام السياسي الفلسطيني، وفقاً لما تقتضيه ضرورات الوقوف عند تحليل بنية ممارسة النظم السياسية وممارستها، بمفهومها المجرد، وهذا تحايثاً مع الحاجة لإعراب المبتغى من الركون إلى هكذا اصطلاح. فمن المتعارف عليه أن من مكونات أي نظام سياسي، ومقوماته، أساسيات لا مفر من تفعيلها، كآليات عمل وبنى استراتيجية، يقوم عليها النظام السياسي، من أَبرزها شكل علاقة السلطات الثلاث، وشكل عملها، وتقاطع صلاحياتها.
لكن، في الحالة الفلسطينية، أو لنقل في الحالة التي يتم التعاطي فيها مع النظام السياسي الفلسطيني، ونظراً لفرادة تشكيل هذه الحالة، من ناحية تكوينها واختصاصها، يتضح أن هناك أكثر من فاعل، أسهم في تشكيل الحقل السياسي الفلسطيني القائم بحراب اتفاق أوسلو.
ومن اللافت إتقان رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ورأس الهرم الفتحاوي، محمود عباس، الولاء، لما بدأه سلفه ياسر عرفات، الذي أورثه جملة المناصب آنفة الذكر، وقد شهد حضور الرجلين في موقع قيادة المنظمة كبرى تشوهات الأفق السياسي الفلسطيني المقاوم للاستعمار. هذا عطفاً على ما استحضرته حلقات منظمة التحرير منذ تقزيم خطاب التحرر الوطني الفلسطيني في 1974 والقبول، بل والإصرار على ما أطلق عليها "قرارات الشرعية الدولية"، أي قرارا الجمعية العامة للأمم المتحدة 242 و338، وما ألحق بهما ترجمةً فلسطينية بامتياز، عبر تبني برنامج النقاط العشر، والذي شكل الحاضنة للتوجه نحو الحظيرة الاستعمارية الأميركية، ومراعاة حساسياتها تجاه مصالح ورؤى حليفتها، وسفارتها الكبرى في المنطقة العربية، المتمثلة بالكيان العبري، قاعدة استعمارية مركبة الأدوار. ويتضح عمق هذه العلاقة جلياً، بمراقبة المسّ الإمبريالي الصهيوني الذي أصاب الربيع العربي في غير موقع.


بالعودة إلى المكونات التي يسمح فهمها بترسيم حدود النظام السياسي الفلسطيني، وصياغة شكل شرعيته، أَو توصيفه. يبرز، بدايةً، جهاز السلطة الفلسطينية، أو سلطة الإدارة الذاتية في 1.7% من أرض فلسطين، والتي سمح لمنظمة التحرير بالوجود والفعالية النسبية فيها. وهنا، نقصد المناطق المصنفة بمسمى "مناطق أ" في الضفة الغربية، مع إغفال كلي، ليس فقط لما تبقى من خريطة فلسطين، المتعارف عليها اليوم، والتي نتجت عن "سايكس بيكو" وتقسيم المنطقة العربية، ومنها سورية الكبرى، إلى دويلات طوائف ونحل وأمراء حرب، بل، أيضاً، إغفال ما تضمنته القرارات الدولية، فيما يتعلق بحدود السادس من يونيو/ حزيران 1967، وراهن عليها جهاز الإدارة الذاتية، وشكَّل، منذ نشأته، الظل البصري الموكل إليه التعتيم على وجود منظمة التحرير، وحصرها بمبنى زجاجي منمق، يحوي هراطقة وأصحاب بدع يسارويي الاصطلاح، عرفاتيي المفاهيم. وبالتالي، تفاقم غياب منظمة التحرير فاعلاً أساسياً في المنظومة السياسية الفلسطينية، رغما عن مركزيتها، وما تمتعت به عقوداً، وباعتراف الفلسطينيين والعالم بها ممثلاً شرعياً ووحيداً في حرب الانعتاق والعودة.
وبذكر منظمة التحرير، يحضر عنصر السكان/ الإنسان الفلسطيني، والذي لا مفر من التطرق إليه، مع استحالة فصله عن التعقيد الجيوسياسي لواقع وجود سلطة الإدارة الذاتية، حيث إن ما تفترضه المنظمة من حالة هيمنة وتمثيل للسكان، يقصي أكثر من ثلثي الفلسطينيين من معادلة التمثيل والمطالب، فما بال مفاوضات عريقات- ليفني والشعوذات في مخيم عين الحلوة، والمغامرة الماراثونية لفصائل فلسطينية في مخيم اليرموك، مع حضور استعراضي لمنظمة التحرير وسيطاً بين الأطراف هناك، ومحاولة التدخل لدى نظام البعث الأسدي وخاطفي الثورات.
الطرف الثالث المضاف لسلطة الإدارة الذاتية ومنظمة التحرير هو حركة حماس، والتي لحقت بمونوبولي منظومة أوسلو منذ 2006، ونالت ثقة جمهور الضفة الغربية وغزة في المعركة البرلمانية، تحت أنظار أوروبا والأميركيين، وتم حصارها وتطويق أي إمكانية لترجمة رؤاها، وبرنامجها السياسي لإدارة جهاز السلطة الإدارية.
هنا، لن نتوسع في الوقوف عند تجربة حركة حماس، وانتقالها من صف حركة المقاومة إلى منبر أصحاب السلطة. لكن، في المحصلة، يجدر القول إن من العبث والثرثرة الفاضحة من محمود عباس الاستمرار بتطعيم خطاباته وتوجيهها نحو ملامسة محاولة إثبات شرعية وجوده في منصبه/مناصبه، وشرعية هذه المناصب. فلا هو منتخب وفقاً للمنظور التقني البحت لماهية الديمقراطية، فقد عفا الدهر على زمن ولايته، ولا جهاز السلطة الفلسطينية جاء بناءً على خيار الإجماع الفلسطيني، ولا هو مخول بالنطق باسم من تركتهم وراءها لاجئين منذ عقود، لا بلسان العرب، ولا بأي لسان ساميّ آخر يجيد التبختر بإلقاء التحية به على شبيبة الليكود.

 

45B8D02A-B593-41A3-A891-B68D39F147A2
نضال الزغير

كاتب من أسرة العربي الجديد