4 أفلام بصمت في 2022

06 يناير 2023
+ الخط -

سواء في نظر الذين يشاهدون أفلاما كثيرة، أو الذين يكتفون بقليل منها، هناك عدد محدود من الأفلام التي يمكن أن يُقال إنّها بقيت في البال، إلى درجة أنّها خلخلت بعض المفاهيم عندهم. ولأنّ الفن لا يقدَم بمرور الزمن، تلبسُ السنوات روح ما نشاهده فيها من أفلام، اخترتُ أفلاما تنطبق عليها صفة "خلخلة المفاهيم". الأول "مثلث الحزن" (Triangle of Sadness) الذي فكّرتُ في تسميته "اليخت والبخت" لو أُنجز عربياً، بما أنه سُمّي في عنوانه الفرنسي "بدون مصفاة (Sans filtre). يُقدّم الفيلم، المنتَج عام 2022، نظرة ساخرة إلى المجتمع الاستهلاكي، في مزيج درامي ساخر، ويطرح علاقات الإنتاج، ومِلكية الفئات الأضعف، الطبقة الكادحة والجنس الثاني، للموارد، في رحلةٍ بحرية فاخرة. يؤدّي غرق اليخت إلى تغير الأدوار، فيَحرُم الفقير الغني من الطعام، وتَستغِل المرأة الرجل جنسياً، مقابل الأكل. قصة الفيلم وطرافته منحا المخرج السويدي، روبن أوستلوند، السّعفة الذهبية لمهرجان كان. .. تبلغ سخرية المخرج، في الجزء الثاني من الفيلم سقفها، بانقلاب هرم العلاقات بعد غرق اليخت بين الناجين. لكن النهاية مفاجئة، وربما مبرّرة على المستوى الدرامي، لإكمال صورة الإنسان الجشع، لكنها غير مبتكرة خارج ذلك، فكان من الأفضل أن ينتهي الفيلم بعودة الناجين إلى الحياة الحقيقية، وعودة العلاقات إلى طبيعتها الأولى: الغني يطحن الفقير والرجل يستغلّ المرأة. كأن لا شيء حدث، ليعيش العود الأبدي في ثبات ونبات.

الفيلم الثاني "جنيات إينشيرين" (The Banshees of Inisherin)، الذي يطرح تساؤلاً عما يحدُث، حين يقرّر أحدهم فجأة إعادة النّظر في حياته وعلاقاته، ويجد أن الشيء الوحيد الذي يُمكن تغييره هو علاقته بصديق عمره؟ لكن هل يمكن أن ينهي المرء علاقاته هكذا من دون أن يبتر قطعاً من روحه أو جسده؟

في إحدى جزر أيرلندا النائية، يعيش بادريك حياة بسيطةً، لكن مُرضية، مكتفيا بشقيقته وصديقه وحيواناته، إلى أن يقرّر صديقه الوحيد وضع حدٍّ لصداقتهما. لم يدّع كولم سبباً مُختلقاً ومعقولاً لقطع علاقته مع بادريك، بل كان صريحاً وصادماً، في مواجهته بحقيقة أنه شخصٌ مملّ، لا يفعل أي شيءٍ في يومه. بينما هو عازف ومؤلف موسيقي. يبذل بادريك جهده لثني صديقه عن القطيعة، فيفرض نفسه عليه، ولا يصدّق كل تهديداته بقطع أصابعه إن أصرّ على التواصل معه. لكن كولم لا يتراجع ويبدأ في بتر أصابعه بالفعل، ورميها عند باب بادريك. في لحظة انفجار الأزمة، تتحوّل الصداقة إلى حربٍ مفتوحة، لا شيء محرم فيها، حتى حياة الصديقين السابقين. بفضل القصة المبتكرة والحوار العميق، حصد الفيلم جائزة أفضل سيناريو من مهرجان فينيسيا السينمائي. وهو أيضا من إنتاجات عام 2022.

الفيلمان الثالث والرابع، من الأفلام المقتبسة من أعمال أدبية، وبمحض المصادفة هما من إخراج امرأتين. أولا، فيلم "حيث يغني جراد البحر" (where-the-crawdads-sing) الذي أخرجته النجمة ريس ويذرسبون عام 2022. تنبني أحداث الفيلم على رواية بالعنوان نفسه، للكاتبة الأميركية Delia Owens ويقدّم قصة فتاة تعيش على هامش المدينة التي لم تستوعب حريتها، لكنها لا تفقد شعلة الحياة في عزلتها مع الطبيعة، بل بالعكس. إلى درجة أنها وجدت نفسها متهمة بجريمة قتل لحماية نمط حياتها. ثانيهما، فيلم "The power of the dog" من إنتاج عام 2021، والمقتبس من رواية Thomas Savage، بالعنوان نفسه. مشاهدة هذا الفيلم، جعلتني أتمنّى لو أنني مخرجته بدل جين كامبيون التي قدّمت عملاً رائعاً.

دسستُ الفيلم في حصيلة عام 2022، لأنني لم أشاهده في السنة التي قبلها، وهو يستحقّ أن يُدرج في أي قائمة سينمائية، كيفما كانت معاييرها. في الفيلم، تتوتر العلاقة بين أم وابنها بشقيق زوجها الذي لا يكفّ عن مضايقتهما، فيقرّر الابن أن ينتقم من أجل حماية أمه. وما من أحد كان يتوقّع أن يُقدم الفتى اللطيف ذو السلوك الأنثوي على عملٍ عنيف، ولكن هذه عبقرية الانتقام الناعم. لتنجح المخرجة في تقديم فيلم في منتهى العمق والجمال، تخرُج به من النمط التقليدي لثنائية الخير والشر.

596D72F8-6B45-4709-8735-7AC0F35F2CE1
596D72F8-6B45-4709-8735-7AC0F35F2CE1
عائشة بلحاج

كاتبة وصحافية وشاعرة مغربية

عائشة بلحاج