07 اغسطس 2024
انتفاضات كورونا المقبلة
أدخل فيروس كورونا العالم العربي في أزمة اقتصادية جديدة أسوأ من أزمة 2009، ففي ذلك العام انكمش الاقتصاد الدولي بنسبة 1.8%، ولكن صندوق النقد الدولي يتوقع أن ينكمش الاقتصاد الدولي هذا العام بنسبة 3% في العالم و2.8% في المنطقة، وهو انخفاض غير مسبوق، من حيث تبعاته الاقتصادية المحتملة، وما قد يترتب عليها من تبعات سياسية خطيرة.
يتوقع أولاً انكماش معظم الاقتصادات العربية، بما في ذلك أكبرها، بفعل إجراءات الحظر المفروضة في مختلف الدول، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي انكماش الاقتصاد السعودي بنسبة 2.3%، والإماراتي 3.5%، والعراقي 4.7%، والقطري 4.3%. كما يتوقع تراجع نسبة نمو الاقتصاد المصري إلى 2% فقط. ويبدو الاقتصاد اللبناني الأكثر تأثرا بالأزمة، حيث يتوقع انكماشه بنسبة 12%، يليه السوداني 7.2%، ثم الجزائري 5.2%.
ثانيا: يزيد من صعوبة الأوضاع الاقتصادية في العالم العربي تزامن الانكماش المترتب على إجراءات الحظر مع أزمة اقتصادية أخرى، تتعلق بانهيار أسعار النفط منذ أوائل شهر إبريل/ نيسان الماضي، حيث بدأت الأزمة بحرب إنتاج بين السعودية وروسيا، أدت إلى إغراق الأسواق وتهاوي أسعار النفط، والتي انهارت أكثر في نهاية الأسبوع الثالث من شهر إبريل بفعل تراجع الطلب الدولي على النفط، لتوقف عجلة الاقتصاد وتوفر العرض وامتلاء مستودعات التخزين.
ويتوقع أحدث تقارير صندوق النقد الدولي عن تأثير جائحة كورونا على الاقتصاد الدولي استمرار
التراجع في أسعار النفط طوال العام الحالي، وحتى عام 2023، حيث يتوقع تراجع سعر برميل النفط في العام الحالي إلى حوالي 36 دولاراً للبرميل في المتوسط، على أن يرتفع في العام المقبل لحوالي 38 دولارا للبرميل، وأن يبقى في حدود 45 دولارا للبرميل حتى عام 2023، في حين تراوح سعره حول 61 دولارا خلال عام 2019. وهو ما سينعكس سلبا على اقتصاد الدول المصدّرة للطاقة في العالم العربي، المرشحة لخسارة 230 مليار دولار من عائدات تصدير النفط خلال العام الحالي مقارنة بتوقعات أكتوبر/ نشرين الأول الماضي، وفقا لتقديرات الصندوق. مع العلم أن تقرير صندوق النقد الدولي المشار إليه نشر قبل الانهيار الكبير في أسعار النفط الأميركي في 19 من إبريل.
ثالثا: لن تتوقف تبعات الأزمة الاقتصادية على القطاع النفطي، حيث يتوقع أن تؤثر على مصادر أخرى مهمة للدخل في الدول العربية، كالسياحة والاستثمارات الدولية وتحويلات العاملين في الخارج (يتوقع البنك الدولي أن تتراجع هذا العام بنسبة 20% في المتوسط).
وبناء عليه، يتوقع صندوق النقد الدولي زيادة عجز موازنة أكبر الاقتصادات العربية كالسعودية بنسبة 12.6%، والإمارات 11.1%، ومصر 7.7%، والعراق 22.3%، في حين يتوقع أن تحقق قطر فائضا قدره 5.2%. وستصل نسبة العجز في الجزائر إلى 20%، والكويت 11.3%، والمغرب 7.1%، ولبنان 15.7%.
رابعا: تزيد من تعقيد الأمور صعوبة التنبؤ بموعد انتهاء أزمة كورونا وإجراءات الحظر الصحي المفروضة بسببها حول العالم والمنطقة، فحتى الآن لم يتم اكتشاف علاج أو لقاح للفيروس، وإن تميزت المنطقة العربية بشكل عام بتراجع أعداد الإصابات والوفيات فيها، وقد يعود ذلك لصغر الأعمار في الدول العربية، والتي تميل إلى الشباب في المتوسط، أو للإجراءات التي اتخذتها الحكومات العربية المختلفة للحد من انتشار الفيروس، أو لأسباب صحية يصعب تحديدها في الوقت الراهن. ولكن ما زال من المبكر الحكم على مسارات العدوى بالفيروس في مختلف الدول، ومدى نجاح دول المنطقة في التعامل معه وفرص عودته في موجات مقبلة، خصوصا مع اقتراب فصل الخريف.
خامسا: أضف إلى ما سبق صعوبة التنبؤ بمختلف التبعات الاقتصادية المحتملة، فمن شأن إدخال
الاقتصادات حالة من الركود، بسبب إجراءات الحظر الصحي وانهيار أسعار النفط وتراجع أنشطة اقتصادية أخرى كالسياحة وتحويلات العاملين في الخارج، أن يؤثر على القطاعات الاقتصادية، وقد لا يظهر تأثير ذلك إلا بعد شهور، وبشكل مفاجئ، يظهر في انهيار مؤسسات كبرى أو قطاعات اقتصادية بعينها. فالأزمة الاقتصادية الدولية التي اجتاحت العالم في 2009، بدأت في أواخر عام 2008 في قطاع العقارات بالولايات المتحدة الأميركية، لتضرب خلال العامين التاليين قطاعي البنوك والعقارات في العالم، ما أدى إلى انهيارات ضخمة في اقتصادات جنوب أوروبا وأزمة ديون عالمية.
على المستوى السياسي، ما زال العالم العربي يعيش التبعات السياسية لأزمة 2009 الاقتصادية، والتي ساهمت بقوة في إشعال موجة الغضب التي قادت إلى الربيع العربي، حيث أدّت إلى زيادة معدلات الفقر والبطالة، ودفعت مختلف الدول نحو سياسات التقشف، وهو ما دفع الملايين إلى الخروج في مظاهرات احتجاجية في العالم العربي. والواضح أن تأثير الأزمة الراهنة يفوق تأثير أزمة 2009، ما سيدفع غالبية الدول العربية إلى الاستدانة لتمويل عجز ميزانياتها، بما في ذلك دول خليجية ثرية، وسيزيد من عجز موازنات غالبية الدول العربية كما أشير سابقا، كما سيدفعها إلى تخفيض الإنفاق الحكومي (السعودية أعلنت عن خفض نفقاتها بنسبة 5%، والبحرين بنسبة 30%)، والتخلي عن بعض مشاريعها الاقتصادية، وهو ما سينعكس على زيادة معدلات الفقر والبطالة، وتراجع معدلات الدعم الحكومي.
وربما تتمكّن الدول الخليجية الثرية من تخفيف تبعات الأزمة على مواطنيها من خلال احتياطاتها المالية الضخمة وصناديقها السيادية، وهي أموال لا تتوفر للدول المصدّرة للنفط الأقل ثراء، كالعراق والجزائر والبحرين وعُمان، ولا تتوفر أيضا للدول المستوردة للنفط، كمصر والأردن والمغرب وتونس ولبنان. وربما تساهم الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومات في تخفيف تبعات الأزمة على مواطنيها، حيث ثم الإعلان عن مبادرات لدعم القطاع الخاص والطبقات الأكثر تأثرا، وهي إجراءاتٌ قد تخفف من تبعات الأزمة، ولكنها لن تمحو هذه التبعات. وإذا طالت الأزمة، أو ضربت العالم موجة جديدة من الفيروس في الخريف المقبل، فلن تجد حكومات كثيرة أرصدة تحميها أو هوامش كبيرة للمناورة الاقتصادية.
وتعمق الأزمة السياسية في العالم العربي حالة عدم الثقة بين الشعوب والحكومات القائمة في
أغلب الدول العربية، نظرا إلى غياب الحريات والديمقراطية وتراجع معدلات التنمية، حيث يشهد اليمن وليبيا وسورية حروبا أهلية طاحنة، ويعاني لبنان والجزائر والسودان والعراق انتفاضات سياسية لم تنته بعد، أو تحقق أهدافها، وتعيش بقية الدول تبعات الربيع العربي بدرجات مختلفة، حيث ما زال العالم العربي منقسما بين أنصار الثورات وأنصار الاستبداد والثورات المضادة، كما يظهر في استمرار حصار قطر، والحرب التي لا تهدأ على مختلف أوجه المعارضة السلمية في العالم العربي، وتفتيت اليمن سياسيا وتمزيقه بالحروب، واشتعال الحرب في ليبيا.
في ظل الظروف السابقة، يبدو العالم العربي مرشّحا لمواجهة موجات جديدة من الانتفاضات السياسية المدفوعة بتبعات كورونا الاقتصادية، والتي لم تتكشف أغلبها بعد، وبأزمة الثقة المستمرة بين الشعوب وحكوماتها. فانتفاضات العراق والجزائر ولبنان والسودان لم تحقق أهدافها، ومن شأن الأزمة الاقتصادية الراهنة وتبعاتها المقبلة وغير المتوقعة أن تهز استقرار مزيد من الحكومات العربية. وللأسف، وفي ظل انسداد آفاق التغيير في النظم العربية وتكلس حكوماتها، وتبنيها منهج الحروب الوجودية والصراعات الصفرية، وحرصها على التقويض المستمر للمعارضة السلمية، وغياب الدعم الدولي للتحول الديمقراطي في العالم العربي، تبدو الدول العربية مرشّحة للدخول في مرحلة من الانتفاضات الجماهيرية المدفوعة بالفقر والبطالة والكساد وسياسات التقشف من دون أفق سياسي واضح يقود نحو تحول ديمقراطي وإطلاق عجلة التنمية على أسس جادة وعادلة، ما يعمّق المشكلة.
ثانيا: يزيد من صعوبة الأوضاع الاقتصادية في العالم العربي تزامن الانكماش المترتب على إجراءات الحظر مع أزمة اقتصادية أخرى، تتعلق بانهيار أسعار النفط منذ أوائل شهر إبريل/ نيسان الماضي، حيث بدأت الأزمة بحرب إنتاج بين السعودية وروسيا، أدت إلى إغراق الأسواق وتهاوي أسعار النفط، والتي انهارت أكثر في نهاية الأسبوع الثالث من شهر إبريل بفعل تراجع الطلب الدولي على النفط، لتوقف عجلة الاقتصاد وتوفر العرض وامتلاء مستودعات التخزين.
ويتوقع أحدث تقارير صندوق النقد الدولي عن تأثير جائحة كورونا على الاقتصاد الدولي استمرار
ثالثا: لن تتوقف تبعات الأزمة الاقتصادية على القطاع النفطي، حيث يتوقع أن تؤثر على مصادر أخرى مهمة للدخل في الدول العربية، كالسياحة والاستثمارات الدولية وتحويلات العاملين في الخارج (يتوقع البنك الدولي أن تتراجع هذا العام بنسبة 20% في المتوسط).
وبناء عليه، يتوقع صندوق النقد الدولي زيادة عجز موازنة أكبر الاقتصادات العربية كالسعودية بنسبة 12.6%، والإمارات 11.1%، ومصر 7.7%، والعراق 22.3%، في حين يتوقع أن تحقق قطر فائضا قدره 5.2%. وستصل نسبة العجز في الجزائر إلى 20%، والكويت 11.3%، والمغرب 7.1%، ولبنان 15.7%.
رابعا: تزيد من تعقيد الأمور صعوبة التنبؤ بموعد انتهاء أزمة كورونا وإجراءات الحظر الصحي المفروضة بسببها حول العالم والمنطقة، فحتى الآن لم يتم اكتشاف علاج أو لقاح للفيروس، وإن تميزت المنطقة العربية بشكل عام بتراجع أعداد الإصابات والوفيات فيها، وقد يعود ذلك لصغر الأعمار في الدول العربية، والتي تميل إلى الشباب في المتوسط، أو للإجراءات التي اتخذتها الحكومات العربية المختلفة للحد من انتشار الفيروس، أو لأسباب صحية يصعب تحديدها في الوقت الراهن. ولكن ما زال من المبكر الحكم على مسارات العدوى بالفيروس في مختلف الدول، ومدى نجاح دول المنطقة في التعامل معه وفرص عودته في موجات مقبلة، خصوصا مع اقتراب فصل الخريف.
خامسا: أضف إلى ما سبق صعوبة التنبؤ بمختلف التبعات الاقتصادية المحتملة، فمن شأن إدخال
على المستوى السياسي، ما زال العالم العربي يعيش التبعات السياسية لأزمة 2009 الاقتصادية، والتي ساهمت بقوة في إشعال موجة الغضب التي قادت إلى الربيع العربي، حيث أدّت إلى زيادة معدلات الفقر والبطالة، ودفعت مختلف الدول نحو سياسات التقشف، وهو ما دفع الملايين إلى الخروج في مظاهرات احتجاجية في العالم العربي. والواضح أن تأثير الأزمة الراهنة يفوق تأثير أزمة 2009، ما سيدفع غالبية الدول العربية إلى الاستدانة لتمويل عجز ميزانياتها، بما في ذلك دول خليجية ثرية، وسيزيد من عجز موازنات غالبية الدول العربية كما أشير سابقا، كما سيدفعها إلى تخفيض الإنفاق الحكومي (السعودية أعلنت عن خفض نفقاتها بنسبة 5%، والبحرين بنسبة 30%)، والتخلي عن بعض مشاريعها الاقتصادية، وهو ما سينعكس على زيادة معدلات الفقر والبطالة، وتراجع معدلات الدعم الحكومي.
وربما تتمكّن الدول الخليجية الثرية من تخفيف تبعات الأزمة على مواطنيها من خلال احتياطاتها المالية الضخمة وصناديقها السيادية، وهي أموال لا تتوفر للدول المصدّرة للنفط الأقل ثراء، كالعراق والجزائر والبحرين وعُمان، ولا تتوفر أيضا للدول المستوردة للنفط، كمصر والأردن والمغرب وتونس ولبنان. وربما تساهم الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومات في تخفيف تبعات الأزمة على مواطنيها، حيث ثم الإعلان عن مبادرات لدعم القطاع الخاص والطبقات الأكثر تأثرا، وهي إجراءاتٌ قد تخفف من تبعات الأزمة، ولكنها لن تمحو هذه التبعات. وإذا طالت الأزمة، أو ضربت العالم موجة جديدة من الفيروس في الخريف المقبل، فلن تجد حكومات كثيرة أرصدة تحميها أو هوامش كبيرة للمناورة الاقتصادية.
وتعمق الأزمة السياسية في العالم العربي حالة عدم الثقة بين الشعوب والحكومات القائمة في
في ظل الظروف السابقة، يبدو العالم العربي مرشّحا لمواجهة موجات جديدة من الانتفاضات السياسية المدفوعة بتبعات كورونا الاقتصادية، والتي لم تتكشف أغلبها بعد، وبأزمة الثقة المستمرة بين الشعوب وحكوماتها. فانتفاضات العراق والجزائر ولبنان والسودان لم تحقق أهدافها، ومن شأن الأزمة الاقتصادية الراهنة وتبعاتها المقبلة وغير المتوقعة أن تهز استقرار مزيد من الحكومات العربية. وللأسف، وفي ظل انسداد آفاق التغيير في النظم العربية وتكلس حكوماتها، وتبنيها منهج الحروب الوجودية والصراعات الصفرية، وحرصها على التقويض المستمر للمعارضة السلمية، وغياب الدعم الدولي للتحول الديمقراطي في العالم العربي، تبدو الدول العربية مرشّحة للدخول في مرحلة من الانتفاضات الجماهيرية المدفوعة بالفقر والبطالة والكساد وسياسات التقشف من دون أفق سياسي واضح يقود نحو تحول ديمقراطي وإطلاق عجلة التنمية على أسس جادة وعادلة، ما يعمّق المشكلة.