24 أكتوبر 2024
في اضطراب الدبلوماسية التونسية
في بنية النظام السياسي التونسي الذي تشكّل بعد الثورة، السياسة الخارجية منوطة برئيس الجمهورية بالتشاور مع رئيس الحكومة، ولهذا تتجلى الرؤية التي يتبناها الرئيس غالباً في الدبلوماسية وعلاقات تونس الدولية. وقد تميّزت السياسة الخارجية في أثناء حكم الرئيس السابق، منصف المرزوقي، بتوجهاتها الثورية المؤيدة للربيع العربي وللقضية الفلسطينية، وهو ما تجلّى حينها في زيارة وزير الخارجية التونسي إلى قطاع غزة سنة 2012، وفي الاستقبالات المتعددة التي أجراها المرزوقي في قصر قرطاج لعدد من قادة المقاومة الفلسطينية (خالد مشعل وإسماعيل هنية مثلاً)، ثم مواقف الرئاسة التونسية الحاسمة من سياسات النظام السوري العنيفة ضد شعبه، الأمر الذي أدّى إلى قطع العلاقة معه ضمن خطوات أقرّتها جامعة الدول العربية حينها، وتنظيم مؤتمر أصدقاء سورية لدعم المعارضة السورية واتخاذ مواقف حازمة في دعم الشرعية الليبية، وهو ما تجلّى في الموقف الحاد للرئيس التونسي ضد المحاولة الانقلابية التي أعلن عنها خليفة حفتر سنة 2014 من قناة العربية.
مع وصول الرئيس الباجي قائد السبسي إلى السلطة، شهدت السياسة الخارجية التونسية تغيرات واضحة، وميلاً نحو استعادة التمشّي الذي اعتاد عليه النظام الرسمي التونسي زمن حكم بورقيبة الذي كان السبسي يعتبره مثله الأعلى. ومن هنا اختار أن يعود إلى الموقف التقليدي من القضية الفلسطينية، وكان أن استقبل الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في أول نشاط رسمي له. ثم اختار أن يكون خميس الجهيناوي مسؤولاً عن الدبلوماسية التونسية بوصفه وزيراً للخارجية، وهو في توجهاته يناسب الدبلوماسية الهادئة التي كان يؤمن بها السبسي. ولهذا حافظت تونس حينها على موقفها إزاء إعادة العلاقات مع النظام السوري باعتباره موقفاً جماعياً لدول جامعة الدول العربية. كما اتخذ الرئيس الراحل مسافة من النزاع الليبي، واستقبل ممثلين عن طرفي النزاع، من دون أن يتخلّى عن الاعتراف بشرعية حكومة الوفاق الوطني، بل وكانت لتونس مساهمة فعالة في مؤتمر الصخيرات، وفي تنظيم حوارات على أراضيها بما يتفق مع سياساتها الهادئة في تلك الفترة.
غداة فوز قيس سعيد بمنصب الرئاسة، ظهر التخبط في السياسة الخارجية التونسية، فيما يبدو أنه
نتيجة عدم وضوح الرؤية لدى الرئاسة بشأن ما ينبغي فعله، بعيداً عن الشعارات ومواقف المجاملة والمكالمات الهاتفية غير ذات المعنى، أو محاولة تلميع صورة الرئيس أمام جمهوره في الداخل. في الشأن الليبي، استثنيت تونس من الحضور في مؤتمر برلين، وحتى إن الدعوة الألمانية المتأخرة عشية المؤتمر قابلها اعتذار رسمي تونسي، وعجزت الرئاسة التونسية عن تمثل حقيقة المشهد الليبي، على الأقل كما يظهر إلى الآن، في ظل فوضى التصريحات والمواقف، فبين استقبال الرئيس ممثلين مفترضين للقبائل الليبية (وهم بالمناسبة من المحسوبين على شق خليفة حفتر) وغياب المبادرة لفهم المشهد الليبي، بما تجلى في التصريح الغريب الذي اعتبر خلاله وزير الدفاع الجديد (من تعيينات الرئيس) أن قوات حكومة الوفاق الليبية مجرد مليشيات، وهو تصريح أثار جدلاً وحالة من ردود الأفعال لدى الجار الليبي، اضطر بعدها الرئيس التونسي إلى إجراء مكالمة مع رئيس الحكومة الليبية، فايز السراج، لتوضيح الموقف. وقبلها أثار قرار إنهاء مهام مندوب تونس الدائم لدى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، المنصف البعتي، في فبراير/ شباط الماضي، الجدل، خصوصاً وأن تبرير الإقالة، كما جاء في بيان الخارجية التونسية، "يعود لاعتبارات مهنية بحتة تتعلق بضعف الأداء وغياب التنسيق والتفاعل مع الوزارة في مسائل مهمة مطروحة للبحث في المنتظم الأممي"، وهو تبرير لم يقنع المتابعين للشأن الدبلوماسي التونسي، نظراً لكفاءة الدبلوماسي المُقال وخبرته.
وثمّة المواقف المتضاربة، والجدل الذي أثارته تصريحات المكلفة بالاتصال والإعلام في ديوان رئيس الجمهورية، على خلفية زيارة رئيس تركيا، أردوغان، إلى تونس في يناير/ كانون الثاني الماضي، حيث قالت لقناة "سكاي نيوز" الإماراتية إن "أردوغان طلب استخدام الأراضي التونسية، والمجالين الجوي والبحري، لأجل التدخل العسكري في ليبيا البلد المجاور، وأن الرئيس سعيد رفض طلب أردوغان". وكشفت أن الكلام عن رائحة الدخان في قاعة المؤتمر الصحافي للرئيسين، أردوغان وسعيد، لم يكن "مجانياً"، الأمر الذي دفع مدير الديوان الرئاسي إلى تكذيب زميلته، ووصف تصريحاتها بخصوص خفايا زيارة الرئيس أردوغان إلى تونس بالإشاعات، ونفى طلب الرئيس الزائر من قيس سعيّد استغلال المجالين الجوي والبحري لتونس للتدخل في ليبيا .
ربما لم تعرف السياسية الخارجية لتونس حالة من الفوضى وعدم الوضوح مثل التي تشهدها هذه الأيام. وتكشف حالة التخبط الدبلوماسي وضعف القدرة الاتصالية لدى الجهات الرسمية التونسية، منذ وصول الرئيس قيس سعيد إلى السلطة، عن الحاجة إلى مراجعة حالة التخبط والخيارات العشوائية، والدفع نحو إرساء سياسة خارجية واضحة، خصوصاً في ظل الأوضاع الدولية والإقليمية المتغيرة.
غداة فوز قيس سعيد بمنصب الرئاسة، ظهر التخبط في السياسة الخارجية التونسية، فيما يبدو أنه
وثمّة المواقف المتضاربة، والجدل الذي أثارته تصريحات المكلفة بالاتصال والإعلام في ديوان رئيس الجمهورية، على خلفية زيارة رئيس تركيا، أردوغان، إلى تونس في يناير/ كانون الثاني الماضي، حيث قالت لقناة "سكاي نيوز" الإماراتية إن "أردوغان طلب استخدام الأراضي التونسية، والمجالين الجوي والبحري، لأجل التدخل العسكري في ليبيا البلد المجاور، وأن الرئيس سعيد رفض طلب أردوغان". وكشفت أن الكلام عن رائحة الدخان في قاعة المؤتمر الصحافي للرئيسين، أردوغان وسعيد، لم يكن "مجانياً"، الأمر الذي دفع مدير الديوان الرئاسي إلى تكذيب زميلته، ووصف تصريحاتها بخصوص خفايا زيارة الرئيس أردوغان إلى تونس بالإشاعات، ونفى طلب الرئيس الزائر من قيس سعيّد استغلال المجالين الجوي والبحري لتونس للتدخل في ليبيا .
ربما لم تعرف السياسية الخارجية لتونس حالة من الفوضى وعدم الوضوح مثل التي تشهدها هذه الأيام. وتكشف حالة التخبط الدبلوماسي وضعف القدرة الاتصالية لدى الجهات الرسمية التونسية، منذ وصول الرئيس قيس سعيد إلى السلطة، عن الحاجة إلى مراجعة حالة التخبط والخيارات العشوائية، والدفع نحو إرساء سياسة خارجية واضحة، خصوصاً في ظل الأوضاع الدولية والإقليمية المتغيرة.