11 نوفمبر 2024
مسلسل "مسيح" .. وفخاخه
وصفته صحيفة وول ستريت جورنال بالفضيحة، فيما أفادت إدارة شبكة نتفليكس بأن العمل لا يسيء إلى الأديان، ولا يكسر المحرّمات، ولا ينطوي على أي أجنداتٍ سياسيةٍ منحازةٍ للعدو الصهيوني. أيا كان الأمر، فإن المسلسل الإشكالي، ومنذ بدء الإعلان عنه، حقق نسبة مشاهدات هائلة، بلغت حتى اللحظة 12 مليون مشاهدة، كما أثار حالةً من الاستياء والغضب في أوساط واسعة.. مسلسل مسيح الذي عنونته "نتفليكس" رجل المعجزات. وقد تخيّل كاتب النص، جون أندرسن، فرضية ماذا قد يحدث عند عودة المسيح إلى الأرض. استثمر بذكاء الواقع السياسي المرتبك والملتبس في منطقة الشرق الأوسط، الصراع العربي الإسرائيلي، والثورات العربية، وظاهرة بروز الجماعات الإرهابية ومظاهر التطرّف الديني التي تعصف بالمنطقة، من دون الإشارة إلى دور أنظمة الاستبداد في تغذية هذه الجماعات، كسبا لمشروعيةٍ زائفةٍ، تبيح لهم مزيدا من القمع ومصادرة حق الشعوب في العدالة والحرية والكرامة.
كما حرص النص المشبوه على أنسنة المحتل الإسرائيلي الغاصب وتبرئته، وإظهاره صاحب حق، وضحية تستحق التعاطف في "مواجهة الإرهاب الفلسطيني المعتدي الذي يقتل الأطفال بدم بارد". وبذلك يساوي الكاتب، من دون أدنى نزاهة، بين الضحية والجلاد، بين المحتل وصاحب الأرض، بين القاتل سارق التاريخ والجغرافيا والشهيد الذي قضى دفاعا عن حق شعبه في الحرية والاستقلال. ولا يكتفي بهذا القدر من التضليل وتشويه الحقائق، بل يطرح أميركا ممثلة بضابطة مخابرات، رمزا للخير والحق والعدالة. تلعب الدور الممثلة الأميركية، ميشيل نوهان، التي تجسّد دور امرأة معذبةٍ بمآسيها الشخصية، المصممة على فضح مسيح العصر المحتال، الزعيم الديني الغامض الذي يقود الشعوب المنقادة لسحره وقدرته على الإتيان بمعجزاتٍ تتقاطع مع معجزات المسيح الأصيل من شفاء المرضى وإحياء الموتى والمشي على الماء. تواصل موظفة "سي آي إيه" البطلة (!) سعيها إلى إعادة أتباعه السذّج إلى رشدهم، وهم المنقادون إلى هذا الرجل الغريب، اليائسون المتلهفون إلى مخلصٍ ينقذهم من حياةٍ شاقّةٍ حافلةٍ بالشقاء والضنك والمرض والظلم وطغيان الباطل. وسرعان ما ينقسم الناس في موقفهم إزاءه، فمنهم جزء كبير آمن بالمخلص الجديد كائنا إلهيا، سيقوم، شأن بقية الأنبياء، بهداية البشر وإرشادهم إلى الطريق القويم، فتختفي الأمراض وتنتهي الصراعات والكراهية والأحقاد، ويعم السلام في الأرض وتحل في الناس المسرّة!
ومنهم من رفض قصة المسيح العائد، على الرغم من حبكتها المتقنة، وشكّك في الرجل، ولم يجد فيه سوى بهلوان محتال مخادع، يتقن أعمال الخفّة، مرجحين رواية ضابطة "سي آي إيه" التي تؤكّد مصادرها أنه رجل إيراني يعاني من اضطرابات نفسية، يحرّض الناس على الثورة والغضب، ويبيعهم الأمل الساذج، ويدّعي القدرة على منحهم الخلاص المرتجى.
وإذا ما تمكنّا من تنحية الرسائل الخبيثة التي يمرّرها المسلسل، لا سيما تصوير الكيان الإسرائيلي ملاذا آمنا للمعذّبين في الأرض، وإذا ما حاولنا التعاطي معه وفق معايير إبداعية، سنجد أننا بصدد عمل فانتازي غرائبي يتكئ على مصداقية الجغرافيا، وينتقل بين الأمكنة، فلسطين وسورية والعراق وإيران وواشنطن. عمل فني محكم يعتمد الإبهار البصري بإمكانات إنتاجية ضخمة، تتجلى في مشاهد المجاميع، إضافة إلى نص محبوك ببراعة لافتة، وإخراج يعتمد التشويق والتلاعب بمشاعر المتلقي الذي سيقع في حيرةٍ ومشاعر متضاربة تجاه تلك الشخصية الغريبة التي تعيث فسادا في العقول، وتضلل يقينها بالوهم المُحكم، غير أن كثرة الفخاخ المعرفية التي يكتظ بها النص سوف تفسد متعة التلقي للمشاهد الواعي، العصي على الوقوع في شرك الخديعة، على الرغم من رغبته في متابعة الأحداث التي تصل، في الحلقة الأخيرة، إلى نهاية مفتوحة تنطوي على إغراء بمزيد من التشويق الذي لا يخلو من خطورةٍ على وعي جيلٍ غير متصلٍ بتاريخ بلاده الثري الحافل بالحكايات المثيرة، وهو البعيد عن أسرارها العميقة الغامضة. ولعل ذلك أهم أهداف "نتفليكس" غير المعلنة في المنطقة، وتلك حكاية أخرى.
ومنهم من رفض قصة المسيح العائد، على الرغم من حبكتها المتقنة، وشكّك في الرجل، ولم يجد فيه سوى بهلوان محتال مخادع، يتقن أعمال الخفّة، مرجحين رواية ضابطة "سي آي إيه" التي تؤكّد مصادرها أنه رجل إيراني يعاني من اضطرابات نفسية، يحرّض الناس على الثورة والغضب، ويبيعهم الأمل الساذج، ويدّعي القدرة على منحهم الخلاص المرتجى.
وإذا ما تمكنّا من تنحية الرسائل الخبيثة التي يمرّرها المسلسل، لا سيما تصوير الكيان الإسرائيلي ملاذا آمنا للمعذّبين في الأرض، وإذا ما حاولنا التعاطي معه وفق معايير إبداعية، سنجد أننا بصدد عمل فانتازي غرائبي يتكئ على مصداقية الجغرافيا، وينتقل بين الأمكنة، فلسطين وسورية والعراق وإيران وواشنطن. عمل فني محكم يعتمد الإبهار البصري بإمكانات إنتاجية ضخمة، تتجلى في مشاهد المجاميع، إضافة إلى نص محبوك ببراعة لافتة، وإخراج يعتمد التشويق والتلاعب بمشاعر المتلقي الذي سيقع في حيرةٍ ومشاعر متضاربة تجاه تلك الشخصية الغريبة التي تعيث فسادا في العقول، وتضلل يقينها بالوهم المُحكم، غير أن كثرة الفخاخ المعرفية التي يكتظ بها النص سوف تفسد متعة التلقي للمشاهد الواعي، العصي على الوقوع في شرك الخديعة، على الرغم من رغبته في متابعة الأحداث التي تصل، في الحلقة الأخيرة، إلى نهاية مفتوحة تنطوي على إغراء بمزيد من التشويق الذي لا يخلو من خطورةٍ على وعي جيلٍ غير متصلٍ بتاريخ بلاده الثري الحافل بالحكايات المثيرة، وهو البعيد عن أسرارها العميقة الغامضة. ولعل ذلك أهم أهداف "نتفليكس" غير المعلنة في المنطقة، وتلك حكاية أخرى.