12 أكتوبر 2024
أبوظبي - تل أبيب: سكة التطبيع
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
يتحدّث حفيد الجنرال غورو، في مذكّراته، عن لقاء جمع جدّه مع البطريرك إلياس الحويك، بعد إعلان دولة "لبنان الكبير" في اليوم الأول من سبتمبر/أيلول 1920، وطرح غورو في الاجتماع إعادة إحياء مشروع القطار الذي يربط بيروت بدمشق، وكانت المفاجأة أن جواب البطريرك جاء سلبيا، ورفض الفكرة من منظور معارضة أي علاقة مع سورية. ويقول الحفيد إن رد فعل جده كان عنيفا، وقال للبطريرك إن الهدف من خط سكة الحديد ليس مجيء سورية إلى لبنان، بل الذهاب بلبنان إلى العالم العربي. وقبل ذلك بزمن طويل، قال السلطان عبد الحميد الثاني إن مرفأ بيروت هو من أجل دمشق، وتم بناؤه بهدف فتح نافذةٍ بحريةٍ لمدينة دمشق التي تبعد عن ميناء اللاذقية ثلاثة أضعاف المسافة عن بيروت. وكان مسار خط قطار الحجاز ينطلق من مدينة دمشق، ويعبر سهل حوران، ويمر بالمزيريب ومناطق في جنوب سورية، وصولاً إلى مدينة درعا، ثم إلى الأردن حيث يمر بمدن المفرق والزرقاء وعمّان ومعان على التوالي، ويكمل سيره جنوباً إلى أن يدخل أراضي الحجاز، حيث ينتهي بالمدينة المنورة، وله فرع يربط مدينة حيفا، وكان الغرض من إقامته نقل الحجاج إلى مكة.
وفي يومنا هذا، حين يدعو وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، من أبوظبي، إلى مد شبكة مواصلات عبر الأردن والسعودية، وصولا إلى باقي دول الخليج، فإنه يريد من ذلك فتح صفحةٍ جديدة في تاريخ المنطقة، تأخذ إسرائيل إلى العالم العربي، مخترقةً كل حدود التاريخ والجغرافيا، ولكنه أيضا يهدف إلى تدشين سكة حديد تسير فوق حقوق الشعب الفلسطيني. وفصّل الوزير الإسرائيلي أن مبادرته تهدف إلى مد شبكة مواصلاتٍ من خلال سكة الحجاز، وأطلق عليها "مسارات السلام الإقليمي" التي تشمل ربط المجالين، الاقتصادي والاستراتيجي، بين السعودية ودول الخليج عبر الأردن بشبكة السكك الحديدية في إسرائيل.
ليس الهدف من مبادرة الوزير تسهيل السياحة العادية بين إسرائيل والعالم العربي فقط، وإنما فتح شريان حياة بين إسرائيل وجزء أساسي من العالم العربي. وبالتالي، فإن قطار الوزير الإسرائيلي يهدف إلى حج جديد، وفق نهج ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، على قطار التطبيع مع إسرائيل. وبات واضحا أن هذا المشروع يترسّخ يوما بعد يوم، إذ لا تخلو مناسبة دولية في الإمارات من ضيوف إسرائيليين يتجولون بكل راحة بال في المعالم الإماراتية، ومنها مسجد الشيخ زايد، مؤسس دولة الإمارات على أسس عروبية، تحتل فلسطين وقضيتها مكانة مركزية فيها. وهناك مواقف معروفة للشيخ زايد في دعم صمود دول المواجهة بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، ومنها تقديم مبالغ مالية كبيرة لمساعدة مصر وسورية، وتعويضهما عن الخسائر العسكرية، وتلك التي لحقت بالمنشآت المدنية.
حين رفض وجود سكة حديد تربط بيروت بدمشق، كان البطريرك الحويك يخشى على المولود الجديد الذي لم تعترف به الحركة الوطنية السورية في ذلك الزمان، ودخلت المنطقة في صراع داخليٍّ استمر حتى مطلع الثلاثينات، حين اشترطت فرنسا على الحركة الوطنية السورية الاعتراف بالكيان اللبناني، قبل التوقيع على معاهدة تقرّ فيها باستقلال دولتي سورية ولبنان. وقد أدّى ذلك إلى تفعيل سكة بيروت دمشق التي عادت لتنقل الناس والبضائع والسياح في الاتجاهين، ولم يقتصر الأمر على مواطني البلدين، بل نشأت حركةٌ واسعة سياحية وعمرانية واجتماعية.
أهم ما في الأمر أنه لولا خط سكة الحديد مع دمشق، لما لعبت بيروت الدور الذي نهضت به على الصعيد العربي. وليس مصادفة أن هذا الدور تراجع، حين تم تعطيل السكة عام 1967، وكان لإسرائيل دور في ذلك.
وفي يومنا هذا، حين يدعو وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، من أبوظبي، إلى مد شبكة مواصلات عبر الأردن والسعودية، وصولا إلى باقي دول الخليج، فإنه يريد من ذلك فتح صفحةٍ جديدة في تاريخ المنطقة، تأخذ إسرائيل إلى العالم العربي، مخترقةً كل حدود التاريخ والجغرافيا، ولكنه أيضا يهدف إلى تدشين سكة حديد تسير فوق حقوق الشعب الفلسطيني. وفصّل الوزير الإسرائيلي أن مبادرته تهدف إلى مد شبكة مواصلاتٍ من خلال سكة الحجاز، وأطلق عليها "مسارات السلام الإقليمي" التي تشمل ربط المجالين، الاقتصادي والاستراتيجي، بين السعودية ودول الخليج عبر الأردن بشبكة السكك الحديدية في إسرائيل.
ليس الهدف من مبادرة الوزير تسهيل السياحة العادية بين إسرائيل والعالم العربي فقط، وإنما فتح شريان حياة بين إسرائيل وجزء أساسي من العالم العربي. وبالتالي، فإن قطار الوزير الإسرائيلي يهدف إلى حج جديد، وفق نهج ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، على قطار التطبيع مع إسرائيل. وبات واضحا أن هذا المشروع يترسّخ يوما بعد يوم، إذ لا تخلو مناسبة دولية في الإمارات من ضيوف إسرائيليين يتجولون بكل راحة بال في المعالم الإماراتية، ومنها مسجد الشيخ زايد، مؤسس دولة الإمارات على أسس عروبية، تحتل فلسطين وقضيتها مكانة مركزية فيها. وهناك مواقف معروفة للشيخ زايد في دعم صمود دول المواجهة بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، ومنها تقديم مبالغ مالية كبيرة لمساعدة مصر وسورية، وتعويضهما عن الخسائر العسكرية، وتلك التي لحقت بالمنشآت المدنية.
حين رفض وجود سكة حديد تربط بيروت بدمشق، كان البطريرك الحويك يخشى على المولود الجديد الذي لم تعترف به الحركة الوطنية السورية في ذلك الزمان، ودخلت المنطقة في صراع داخليٍّ استمر حتى مطلع الثلاثينات، حين اشترطت فرنسا على الحركة الوطنية السورية الاعتراف بالكيان اللبناني، قبل التوقيع على معاهدة تقرّ فيها باستقلال دولتي سورية ولبنان. وقد أدّى ذلك إلى تفعيل سكة بيروت دمشق التي عادت لتنقل الناس والبضائع والسياح في الاتجاهين، ولم يقتصر الأمر على مواطني البلدين، بل نشأت حركةٌ واسعة سياحية وعمرانية واجتماعية.
أهم ما في الأمر أنه لولا خط سكة الحديد مع دمشق، لما لعبت بيروت الدور الذي نهضت به على الصعيد العربي. وليس مصادفة أن هذا الدور تراجع، حين تم تعطيل السكة عام 1967، وكان لإسرائيل دور في ذلك.
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر
مقالات أخرى
05 أكتوبر 2024
28 سبتمبر 2024
21 سبتمبر 2024