سورية في قلب الحرب
ليست سورية بعيدةً عن حرب إسرائيل على لبنان، بل هي في قلبها، وكلّ من يحاول أن يرى المسألةَ من زاويةٍ أخرى يشيح بصره عن حقيقة ما يجري، ولا يريد أن يفكّر بالتداعيات وهي تتوالى بإيقاع سريع يسبق الحسابات كلّها. وكلّما تقدمت النيرانُ الإسرائيلية خطوةً باتجاه لبنان اقتربت أكثر من سورية، وهذا بات ملحوظاً من تصعيد العمليات العسكرية الإسرائيلية، وتكثيفها داخل الأراضي السورية، في إطار استهداف قيادات من حزب الله والحرس الثوري الإيراني ومخازن الأسلحة والمنشآت العسكرية كالمطارات، بما فيها التي تسيطر عليها القوات الروسية، على غرار القصف الذي تعرّض له محيط قاعدة حميميم الروسية (3 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري)، ولم تستثنِ إسرائيل حتّى المعابرَ المدنية مع لبنان، بعد أن نزح نحو سورية قرابةُ ثلاثمائة ألف لبناني، ومثلهم من اللاجئين والعمالة السورية.
نجحت إسرائيل بفصل النظام السوري، عسكرياً وسياسياً، عن جبهتَي غزّة ولبنان. ومن المُستبعَد في المدى القريب أن يُغيّر النظام هذا السلوك، وسيستمر في عدم إبداء ردَّة فعل تجاه هجمات إسرائيل داخل مناطق سيطرته، وسيواصل العمل بسياسة النأي بالنفس، وذلك لأنّه ضعيف عسكرياً ويعمل بتوجيه روسيا التي فرضت عليه الابتعاد عما يُسمَّى "محور المقاومة". وفي حساب موسكو أنّ عدم التزام رئيس النظام بشّار الأسد جانب الحياد يعرّضه لردّ فعل إسرائيلي عنيف، يصل حتّى استهدافه شخصياً، وقد يُؤدّي ذلك إلى حدوث مواجهة روسية إسرائيلية في سورية، وهذا ما لا ترغبه روسيا المشغولة بالحرب على أوكرانيا. ومن ناحية أخرى، يبدو أنّ النظام احترم تعهّداته بالابتعاد عن إيران، من أجل التطبيع العربي، وعودة العلاقات الدبلوماسية معه، وتعويمه دولياً. وعلى هذا، من غير المُستبعَد أن يلعب دوراً ضمن هذه المساحة، في حال حصول توافق أميركي روسي على ذلك، وهذا أمر غير مشروط ببقاء رئيس النظام بشّار الأسد من عدمه. ومن الواضح أنّ النظام ينتظر مكافأةً بسبب التزامه الحياد تقدّمها واشنطن وأطرافٌ إقليميةٌ بتأييد إسرائيل وروسيا، بتخفيف العقوبات الدولية المفروضة عليه.
ثمّة احتمال ألّا تجري الرياح وفق الحسابات المنظورة، وربّما اختلطت الأوراق على نحو لا يتوقّعه أحدٌ، خاصّةً أنّ الوقت لن يتأخّر حتّى تنتقل حرب إسرائيل من القصف من بُعد إلى عمليات داخل سورية، على غرار عملية مصياف في الشهر الماضي (سبتمبر/ أيلول)، بالنظر إلى أسباب عدّة أهمها وجود البنية العسكرية لحزب الله، التي هي جزء من الوجود العسكري الإيراني داخل سورية، والمنتشر في الشرق في محيط محافظة دير الزور عند الحدود السورية العراقية، وفي الجنوب في محافظات درعا والسويداء والقنيطرة، وفي محافظات حلب، وحمص، ودمشق، وهو يُشكّل جبهةَ إسنادٍ فعليةٍ لجبهة لبنان، بالاعتماد على عشرات آلاف المقاتلين من المليشيات السورية والعراقية والباكستانية والأفغانية، التي تتبع الحرس الثوري الإيراني، وسبق لها أن قاتلت من أجل حماية النظام السوري، وارتكب بعضها مجازرَ تطهير عرقي وعمليات تهجير في محافظات سورية، ولا تزال تحتّل أراضيَ سورية بعد أن هجّرت أهلها، وقد تُشكّل الحرب الإسرائيلية عليها فرصة لتحرّك فصائل المعارضة السورية المسلّحة في ريف إدلب، بهدف فتح معركةٍ لطرد هذه المليشيات.
لا تقلّ أهمّية جبهة سورية عن نظيرتها اللبنانية، لأنّها الخزان الاحتياطي للمقاتلين والأسلحة، عبر خطّ إمدادٍ من العراق إلى لبنان، وتُشكّل في المدى المتوسّط الأرض المناسبة لحرب استنزاف طويلة الأمد للوجود العسكري الإسرائيلي في لبنان، ويبدو ماثلاً على نحو صارخ درس الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، عندما تدفّق عشرات آلاف المقاتلين من سورية إلى العراق لمقاتلة الجيش الأميركي.