02 نوفمبر 2024
بوتين والنمر الورقي
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
لا تكف روسيا عن ارتكاب المجازر بحق السوريين العزّل في ريفي حماة وإدلب، وتواصل، عن سابق تصميم، سياسة تدمير البنى الحيوية، من نقاط طبية ومدارس وهيئات إغاثة ومراكز دفاع مدني. ومن جديد جرائم ارتكبها الطيران الحربي الروسي قصف السوق الشعبي في مدينة معرّة النعمان صباح يوم الاثنين الماضي، في خمس غارات متتالية، نجم عنها سقوط قرابة 40 قتيلا، وما يفوق هذا العدد من الجرحى. وكالعادة، كانت أغلبية الضحايا من النساء والأطفال، مع دمار في الدفاع المدني الذي قتل أحد عناصره وجرح آخرون. ونظرا إلى أن هذه الجريمة عصية على التبرير كما جرت العادة، فقد أنكرت موسكو حصولها، واتهمت الدفاع المدني بتلفيقها والقيام بتمثيلها.
وتجري المجازر بالتناوب بين النظام السوري وروسيا التي أخذت على عاتقها منذ سبتمبر/ أيلول 2015 أن توقف عجلة سقوط النظام، وتوفّر له كل أسباب الاستمرارية، كلما واجه منعطفا حادّا. إلا أنها بعد مضي قرابة أربع سنوات على تدخلها العسكري المباشر، لم تتمكن من تحقيق أهدافها كافة. صحيحٌ أنها حمت النظام من السقوط، واستعادت قسما من الجغرافيا التي كانت تسيطر عليها المعارضة المسلحة، ولكن قرابة نصف مساحة سورية لا تزال خارجة عن سيطرة الروس والنظام، وتتنازع السيطرة فيها قوات سوريا الديموقراطية، بإشراف الولايات المتحدة، والمعارضة المسلحة التي تساند تركيا بعض أطرافها.
ومن المفارقات الفاقعة أن مسار أستانة الذي اخترعه الروس بديلا لمسار جنيف تحول إلى غطاء للمقتلة السورية، وبين جولة من أستانة وأخرى هناك عدد من المجازر. وكلما اقترب موعد الجولة جرّد الروس أسلحة الجريمة، ليضربوا على المكان الموجع، أي المدنيين، من أجل إجبار المعارضة على الركوع. وبدلا من أن ينسحب الوفد المفاوض، ويوقف المشاركة في هذه المهزلة، فإنه يذهب إلى هناك في كل مرة، منقادا لتغطية التلاعب الروسي بالمسألة السورية. ومع هذا، فشلت روسيا على الدوام بفضل الرفض الشعبي، ولم تجد طرفا يوقع على وثيقةٍ للتنازل عن حق السوريين في إسقاط نظام الأسد، ومحاكمته بصفته مجرما ضد الإنسانية قتل من السوريين قرابة مليون، وهجّر نحو عشرة ملايين، ودمّر ثلث العمران.
بين أستانة الماضية التي اختتمت أعمالها في 26 إبريل/ نيسان الماضي، وأستانة المقبلة التي تنعقد يومي 1و2 أغسطس/ آب المقبل، ثمّة تطورات ميدانية مهمة، لا بد من البناء عليها. أولها ان المعارضة المسلحة في أرياف حماة وإدلب واللاذقية كسرت الهجمة الروسية الواسعة التي تلت أستانة مباشرة، وهزمت الفيلق الذي شكلته بقيادة سهيل النمر، وهذا يعني أن خطة الروس لاستعادة مدينة إدلب أصبحت شبه مستحيلة، في ظل موازين القوى الميدانية الحالية التي بات التفوق فيها لفصائل المعارضة. والتغير الثاني أن الهزيمة العسكرية التي تعرّض لها الفيلق الخامس كشفت عن عطبٍ كبير يتعلق بتراجع الخزّان البشري القتالي للنظام وحلفائه. وفي هذه الحالة، صارت الخيارات أمام الروس محدودة، فإما أن تشارك قواتهم في القتال بصورة مباشرة، أو أنهم سوف يتوقفون عن الزحف البري. وتبين هذا في المواجهات التي جرت خلال الشهرين الماضيين في ريف حماة، حين استقدموا الشرطة العسكرية الروسية، من أجل وقف تقدم المعارضة في أكثر من موقع. والتغير الثالث هو ظهور شرخ واضح بين الموقفين الروسي والتركي، وهذا ما عبّر عنه الدعم العسكري التركي الواضح لفصائل المعارضة التي قاتلت بأسلحةٍ نوعيةٍ ضد المدرعات، ساعدتها على وقف الزحف البري للنظام.
يظهر الرئيس الروسي، بوتين، عاجزا، وهو على أبواب الجولة 13 من أستانة، ولم يعد لديه سلاح لم يجرّبه، وحتى رهانة الأخير على سهيل النمر لم يعد مجديا، بعد أن حوّلته مواجهات حماة إلى نمرٍ من ورق.
وتجري المجازر بالتناوب بين النظام السوري وروسيا التي أخذت على عاتقها منذ سبتمبر/ أيلول 2015 أن توقف عجلة سقوط النظام، وتوفّر له كل أسباب الاستمرارية، كلما واجه منعطفا حادّا. إلا أنها بعد مضي قرابة أربع سنوات على تدخلها العسكري المباشر، لم تتمكن من تحقيق أهدافها كافة. صحيحٌ أنها حمت النظام من السقوط، واستعادت قسما من الجغرافيا التي كانت تسيطر عليها المعارضة المسلحة، ولكن قرابة نصف مساحة سورية لا تزال خارجة عن سيطرة الروس والنظام، وتتنازع السيطرة فيها قوات سوريا الديموقراطية، بإشراف الولايات المتحدة، والمعارضة المسلحة التي تساند تركيا بعض أطرافها.
ومن المفارقات الفاقعة أن مسار أستانة الذي اخترعه الروس بديلا لمسار جنيف تحول إلى غطاء للمقتلة السورية، وبين جولة من أستانة وأخرى هناك عدد من المجازر. وكلما اقترب موعد الجولة جرّد الروس أسلحة الجريمة، ليضربوا على المكان الموجع، أي المدنيين، من أجل إجبار المعارضة على الركوع. وبدلا من أن ينسحب الوفد المفاوض، ويوقف المشاركة في هذه المهزلة، فإنه يذهب إلى هناك في كل مرة، منقادا لتغطية التلاعب الروسي بالمسألة السورية. ومع هذا، فشلت روسيا على الدوام بفضل الرفض الشعبي، ولم تجد طرفا يوقع على وثيقةٍ للتنازل عن حق السوريين في إسقاط نظام الأسد، ومحاكمته بصفته مجرما ضد الإنسانية قتل من السوريين قرابة مليون، وهجّر نحو عشرة ملايين، ودمّر ثلث العمران.
بين أستانة الماضية التي اختتمت أعمالها في 26 إبريل/ نيسان الماضي، وأستانة المقبلة التي تنعقد يومي 1و2 أغسطس/ آب المقبل، ثمّة تطورات ميدانية مهمة، لا بد من البناء عليها. أولها ان المعارضة المسلحة في أرياف حماة وإدلب واللاذقية كسرت الهجمة الروسية الواسعة التي تلت أستانة مباشرة، وهزمت الفيلق الذي شكلته بقيادة سهيل النمر، وهذا يعني أن خطة الروس لاستعادة مدينة إدلب أصبحت شبه مستحيلة، في ظل موازين القوى الميدانية الحالية التي بات التفوق فيها لفصائل المعارضة. والتغير الثاني أن الهزيمة العسكرية التي تعرّض لها الفيلق الخامس كشفت عن عطبٍ كبير يتعلق بتراجع الخزّان البشري القتالي للنظام وحلفائه. وفي هذه الحالة، صارت الخيارات أمام الروس محدودة، فإما أن تشارك قواتهم في القتال بصورة مباشرة، أو أنهم سوف يتوقفون عن الزحف البري. وتبين هذا في المواجهات التي جرت خلال الشهرين الماضيين في ريف حماة، حين استقدموا الشرطة العسكرية الروسية، من أجل وقف تقدم المعارضة في أكثر من موقع. والتغير الثالث هو ظهور شرخ واضح بين الموقفين الروسي والتركي، وهذا ما عبّر عنه الدعم العسكري التركي الواضح لفصائل المعارضة التي قاتلت بأسلحةٍ نوعيةٍ ضد المدرعات، ساعدتها على وقف الزحف البري للنظام.
يظهر الرئيس الروسي، بوتين، عاجزا، وهو على أبواب الجولة 13 من أستانة، ولم يعد لديه سلاح لم يجرّبه، وحتى رهانة الأخير على سهيل النمر لم يعد مجديا، بعد أن حوّلته مواجهات حماة إلى نمرٍ من ورق.
دلالات
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر
مقالات أخرى
26 أكتوبر 2024
19 أكتوبر 2024
12 أكتوبر 2024