الأردن... التشكيك وفجوة الثقة

19 مايو 2019
+ الخط -
تواجه السلطات في الأردن اليوم حملة غير مسبوقة من التشكيك بخطابها ومواقفها، وسط تباين الخطاب السياسي بين النخبة الحاكمة وأدواتها من جهة وتيارات الحراك الشعبي المناطقي والعشائري، في ظل حالة من الترقب للتطورات الإقليمية والدولية المتسارعة التي تعصف بالمنطقة.
تشكل الأوضاع الاقتصادية والمعيشية أحد أهم الأسباب لتنامي الاحتقان الشعبي، في ظل نسب بطالة تنوف عن 18% نحو 380 ألف شاب، حسب الإحصاءات الرسمية، وذلك على الرغم من التصريحات الحكومية التي تستند إلى تقديرات مؤسسات مالية دولية، تؤشر إلى أن الاقتصاد الأردني يسير في الاتجاه الصحيح.
يحتاج المسير في الاتجاه الصحيح في لغة الأرقام وقتا كبيرا، ليصبح حقيقة يلمسها المواطن العادي، وهو ما يُقابل بالتشكيك والسخرية. مضافا إلى ذلك القلق الشعبي من تداعيات صفقة القرن، والتي حاول الملك عبد الله الثاني تبديدها بالقول "إننا دولة، ولها رأيها ولن يكون وطننا بديلا لأحد". وقد طاول التشكك الشعبي حتى التأكيدات الملكية تلك، وهو ما دفع الملك إلى الإعلان أن هؤلاء المشككين يخدمون أعداء الأردن، داعيا الجهات الرسمية إلى وقف هؤلاء عند حدّهم، في تصريحات نقلها الإعلام الرسمي قبل أسابيع.
عمليا، تشكل حالة انعدام الثقة واتساع الهوة بين النظام السياسي والأردنيين أحد عوامل قبول صدقية الروايات المشكّكة، وهو ما يمكّن الأطراف الحراكية من خوض صراعها مع النظام السياسي، في ظل وجود بيئة متحفزةٍ لكل روايةٍ مقابلةٍ لرواية النظام، ليُصار إلى تلقفها على أنها حقيقة مطلقة.
حاولت الحكومة إنشاء منصة تحت عنوان "حقك تعرف"، وهي منصةٌ نشطت في مكافحة 
الشائعات ومواجهتها، بلغة الأرقام والحقائق، غير أن تلك المنصة لم تحرز أساسا أي التفاتٍ جماهيري، إضافة إلى عجزها عن الذهاب عميقا في الإجابة على الأسئلة الأكثر جذرية، والتي تمس النظام السياسي بشكل مباشر.
انتشار الشائعات والأقاويل وتناقلها في البلاد أدى إلى تصاعد النزق الرسمي من عناصر الحراك الشعبي التي يردّدونها ويوظفونها في معركتهم مع النظام السياسي، وهو ما أدى إلى ذهاب السلطات إلى اعتقال مجموعة من الشباب الحراكيين، وهو ما أدى إلى تصاعد لهجة الخطاب، وتجاوزه السقوف، في ظاهرةٍ تتكرّر في التجمعات الحراكية العشائرية والمناطقية منذ اندلاع شرارة الربيع العربي.
اتسعت دائرة التشكيك، أخيرا، في ظل التعديل الحكومي، حيث تم ربط تغيير اسم وزارة الشؤون البلدية والقروية إلى وزارة الحكم المحلي بصفقة القرن، على اعتبار أن من مهمات هذه الوزارة إدارة بقايا الضفة الغربية ما بعد الصفقة، إضافة إلى الغمز في قناة وزير الداخلية القديم الجديد، سلامة حماد، على اعتبار أن الرجل جاء وفق عقليةٍ عرفية، هدفها تكميم الأفواه، بينما تم ربط تغيير وزير الصحة بوزير آخر على اعتبار أن الرجل كان يواجه مافيات الأدوية المستوردة.
تلك الشائعات، والتي تغذّي احتجاجات الحراك الشعبي، في ظل وجود نحو أربعة ملايين مواطن يستخدمون، بشكل فاعل، منصّات التواصل الاجتماعي، في الوقت الذي تواجه الصحافة الأردنية الرسمية والخاصة عملية انكماش وتراجع في قيادة الرأي العام. ولعل حالة عدم الاستقرار وعدم اليقين التي تهيمن على المنطقة في ظل تسارع الأحداث في الخليج العربي، واقتراب الإعلان عن صفقة القرن، إضافة إلى التراث الثقيل من الوعود الرسمية بتحسّن الأوضاع المعيشية، والتي لم تر النور، في وقتٍ تبدو فيه مؤسسات الدولة عاجزةً عن إحداث أي اختراقٍ في الملفات الشائكة، والمعقدة وطنيا، يؤشر إلى مسار انعدام الثقة، وهو ما يفتح الأفق لتحولاتٍ عميقةٍ في بنية المجتمع الأردني ووعيه بذاته ومصالحه، وبالتالي التأثير في بنية النظام السياسي وشكله المستقبلي.
78D57413-9DA6-427B-B957-612337B4E39B
78D57413-9DA6-427B-B957-612337B4E39B
منصور المعلا

كاتب ومحلل سياسي اردني، بكالوريوس في العلوم السياسية

منصور المعلا