الأردن.. تجاوز إصلاح النظام إلى تغيير نهجه

16 مارس 2018
+ الخط -
باتت مفردة "تغيير النهج" تشكل العنوان الأبرز للحراك الأردني اليوم، في استجابة واضحة للتحديات  التي تعصف بالبلاد، ومحاولة لتجاوز حالة الاستعصاء السياسي المطبق بعد نحو سبع سنوات من حراك أردني تعثر في إنجاز مشروعه. مع اندلاع الاحتجاجات المتواضعة في بعض المدن والأطراف، والتي كان عنوانها شكوى المتظاهرين من موازنات التقشف والفساد وتضخم أسعار السلع الغذائية الأساسية، وارتفاع معدلات البطالة.
وعلى الرغم من انعدام التأصيل النظري لمفهوم "تغيير النهج" على المستوى الوطني العام، إلا أن هذا المفهوم شكل عنواناً جامعاً لكل المسيرات والبيانات السياسية التي تصدر في البلاد، في محاولة من قوى سياسية ناشئة لطرح رؤية ومشروع سياسي بديل عن مشروع النظام السياسي ونهجه القائم.
اللافت أن مفهوم تغيير النهج جاء بعد نحو سبع سنوات من طرح شعار "إصلاح النظام" عنوان الحراك الأردني 2011/2013 ، وهو الشعار الذي كان يضع على عاتق النظام السياسي اشتقاق الصيغة التي يراها لإصلاح ذاته، غير أن الأطراف الحاملة هذا العنوان لم تتمكن من إحداث اختراق على المستوى الوطني العام، أو على مستوى المعادلة السياسية القائمة حينها، وهو ما أدى إلى تراجع زخم الحراك، ومن ثم انطفاء جذوته.
في استعادةٍ لمسار السجال السياسي بين القوى الوطنية والنظام السياسي على المستوى الوطني، لا بد من التوقف عند أبرز المحطات التي أسست لشعار تغيير النهج المطروح وطنيا اليوم.
شكلت هبة نيسان 1989 محطة فاصلة في التاريخ الأردني الحديث، لجهة نقلها العمل 
السياسي من السرية إلى العلانية، وهو ما أدى إلى تراجع الحياة الحزبية بشكل كبير، خصوصا الأحزاب اليسارية والقومية، نتيجة انهيار الاتحاد السوفييتي وحصار العراق ما بعد احتلال الكويت عام 1991. وشكل إقرار قانون انتخاب الصوت الواحد 1993، ومن ثم اتفاقية السلام مع إسرائيل 1994محطة مهمة في ضرب العمل السياسي، خصوصا قانون الانتخاب الذي ساهم في تكريس الجهوية والمناطقية.
بقي الخطاب السياسي للأحزاب والقوى السياسية، منذ 1989 وحتى مطلع الربيع العربي 2011، يدور في إطار المطالب السياسية النخبوية، تحت عناوين تعديل قوانين الانتخاب والاجتماعات العامة وحرية النشر، من دون تمكن تلك القوى من تقديم خطاب برامجي، يمس هموم الناس ومصالحهم المباشرة، وخصوصا الاقتصادية والمعيشية منها، أو العمل على إجراء مراجعات سياسية لخطابها السياسي، وهو ما أدى إلى تفكك تلك الأحزاب وتقوقعها على ذاتها.
شكل الربيع العربي محطة صادمة للنظام السياسي والقوى السياسية في الوقت ذاته، حيث كانت تلك الأحزاب تحاول خطب ود نخب وفئات اجتماعية جديدة، من دون قيادة أو رؤية أو تنظيم سياسي، ليبقى شعار "إصلاح النظام" شعارا بلا مضمون سياسي، يحظى بتوافق وطني عام.
وعلى الرغم من استجابة النظام السياسي مرحليا لفكرة إصلاحه عبر تعديلات دستورية في 2013 كانت وفق رؤيته ضمن مفهوم "الإصلاح الآمن والمتدرّج"، إلا أن التعديلات الدستورية في 2015 شكلت استدارة عميقة لجهة تعطيل مسار إصلاح النظام عبر إشراك الأردنيين في الحكم إلى مسار الانغلاق والتقوقع على ذاته.
ومع إقرار موازنة العام 2018، ومنح البرلمان الثقة لحكومة هاني الملقي قبل أسابيع، واجه الشعب الأردني معادلةً سياسية، عنوانها أن النظام السياسي مصر على تطبيق برنامجه ورؤيته، وهو ما دفع الفعاليات السياسية والحراك إلى طرح شعار تغيير النهج، للتعبير عن حالة الاعتراض والرفض لبرنامج الحكم.
على الرغم من أن شعار تغيير النهج يشكل تطورا نوعيا، مقارنة مع شعار إصلاح النظام، إلا أن استقصاءات دلالات المفهوم تذهب إلى أن الأردنيين اليوم يسعون إلى استعادة دورهم في 
الحياة السياسية، وفق منطوق الدستور الأردني، أن الشعب مصدر السلطات، وأن نظام الحكم نيابي ملكي وراثي، عبر تجاوز صيغة الحكم القائمة على الانفراد بالسلطة. وفي موازاة حالة الارتباك التي تعاني منها القوى السياسية الصاعدة وطنيا اليوم، تحولت البلاد عمليا إلى ورشة سياسية كبرى، يجري عبرها فتح نقاش سياسي، ابتداء من صيغة الحكم القائمة وانتهاء بمستقبل الدولة وخياراتها السياسية والاقتصادية. وستفرض التطورات الإقليمية والدولية التي تعصف بالشرق الأوسط مسارا مختلفا لشكل الإقليم وأنظمة الحكم فيه، وستلعب تلك التطورات دورا مهما في دفع مسار التغيير الذي يواجه مرحليا حالة من الاستعصاء.
اللافت في حراك 2018 أنه يشق طريقا مغايرا كليا للحراك السياسي لعام 2011، من حيث غياب شبه تام لمشاركة الأحزاب بكل تلاوينها، إضافة إلى أن الوقفات الاحتجاجية اندلعت في مدنٍ كانت في حالة كمون ومراوحة، على غرار السلط، وبعض العشائر، خصوصا بني حسن، كبرى العشائر الأردنية، إضاف إلى أن الحراك الحالي اتخذ من الميادين العامة عنوانا للتجمهر والاحتجاج، على العكس من 2011، حيث كانت أبواب المساجد هي منصات انطلاق الفعاليات الاحتجاجية، إضافة إلى أن الفئات الاجتماعية المنخرطة في الحراك الحالي جلها من جمهور مؤسسات الدولة، وخصوصا تيارات المتقاعدين، وبالذات في الفئات الدنيا من هذه الشريحة، والتي مستها الإجراءات الاقتصادية بقسوة.
أخيرا؛ يبدو هذا الجيل المتصل بواسطة شبكات التواصل الاجتماعي أكثر جرأة في التعبير عن السخط واليأس. وقد أدى توسع استخدام الهواتف النقالة إلى تسريع الاتصال بوساطة وسائل التواصل الاجتماعي، مع وجود نحو قرابة 8.684 ملايين مستخدم للإنترنت نهاية العام الماضي في الأردن.
دلالات
78D57413-9DA6-427B-B957-612337B4E39B
78D57413-9DA6-427B-B957-612337B4E39B
منصور المعلا

كاتب ومحلل سياسي اردني، بكالوريوس في العلوم السياسية

منصور المعلا