16 سبتمبر 2021
حصار قطر.. أزمة أخلاق أم أخلاق الأزمة؟
أطرح بعض التساؤلات، وأترك لقرائها الإجابة عنها: هل نحن بحاجة إلى مناقشة وبحث أزمة أخلاقيات الإعلام أم أزمة أخلاقيات السياسة، أم كلتيهما؟ وهل ترتبط الأخلاق بالسياسة، أم أن كُلا منهما يُبحر بعيداً في اتجاه معاكس للآخر؟ وبناء على تداعيات الأزمة الخليجية غير المسبوقة في أخلاقياتها، فهل يمكن القول إن المنطقة تعاني اليوم من أزمة أخلاق، أم أنها بحاجة إلى أخلاق لإدارة الأزمة؟
لقد تحولت منابر الحوار في مجتمعاتنا تدريجيا من منابر الخطب في المساجد إلى منابر الإعلام بقنواتها كافة، إلا أن منابر الثورة التكنولوجية المتمثلة في المجتمع الرقمي تُعد الأكثر جُرأة في الطرح بشكل عام. ولعلّ تصاعد توظيف المجتمع الرقمي منبرا للرأي الآخر ساهم في توسيع قاعدة انتشاره، لارتباطه بتوسع نطاق الحريات الإعلامية، حتى أضحى المنفذ الإعلامي الرئيسي للشعوب، بعيدا عن مقص الرقيب في الإعلام الرسمي. وربما يُفسر هذا الأمر استغلال بعضهم هذا المنبر، ومساحة الحرية غير المقيدة فيه، حتى أضحت لغة التراشق والإسفاف والتجاوز على الأفراد سمة رئيسية لوسائل المجتمع الرقمي، وبالذات عند الاختلاف في الطرح، وما يزيد الأمر سوءاً ليس فقط صدور تلك التجاوزات والإقصاء في الطرح من الأشخاص العاديين، بل من المصنفين مجتمعيا "نخبة الساسة والكتاب والمثقفين"! فبعد أن كانت تُمارس علينا في الماضي سياسة التجهيل الإعلامي، أصبحت تُمارس علينا اليوم سياسة الانحطاط الإعلامي، وخصوصا من خلال المجتمع الرقمي!
على الرغم من أن هناك حدا فاصلا بين أخلاقيات الإعلام وأخلاقيات السياسة، وعلى الرغم من اختلافهما من حيث المضمون، إلا أنهما يلتقيان عند هدف نهج أنماط معينة، يفترض أنها تعود بالخير على البشر، ومنها إسقاط ذلك على الواقع في الطرح السياسي، غير أن الأمر يبدو غير ذلك بتاتا، فقيم الصدق والمروءة والوفاء قد يصعب الالتزام بها في السياسة في حال تعارضها مع المصالح، بل قد يصبح عندها الغش والافتراء والكذب والخداع أهم عناصر تحقيق الغايات. لهذا، لم يكن غريبا انتهاج بعض رموز دول الحصار الإعلامية والسياسية مستشاريهم السلوك الميكافيلي في إدارة أزمة حصار قطر، والمتمثل في التحلل من الضوابط الأخلاقية، وإلغاء القيم وإنكارها في سبيل تحقيق أغراضهم الخاصة.
لقد ساهم تسارع ثورة الاتصالات في تعزيز انحطاط أخلاقيات السياسة، فأصبح المجتمع الرقمي فضاء واسعا لتصدير كل أنواع البذاءة الأخلاقية، كما برز جلياً في أزمة حصار قطر، وما ارتبط بها من فجور في الخصومة، مارسته دول الحصار منذ العام 2014، وتضاعف منذ 5 يونيو/ حزيران 2017 بشكل مقزز! فلم يسلم أحد من هذا الفجور الأخلاقي، بعد أن تم تصدير الخلاف السياسي من الحكومات إلى الشعوب التي تم إقحامها عنوة بقوة القانون الذي يعاقب المتعاطف والصامت منهم، فتم دفعهم إلى شيطنة قطر وأهلها، وجرى قطع الأرحام وتشريد الأسر وتفكيكها في قصص مأسوية لم نسمع مثلها سابقا إلا في حكايات المُهجرين من الاستعمار والاحتلال. كما جرى، وعبر القنوات الرسمية الحكومية والرموز السياسية والإعلامية والثقافية لدول الحصار، تسييس الدين والرياضة والفن والثقافة بأسلوب طفولي متهور.. بذيء ومنحدر جدا في الطرح، وبعيد عن أخلاقيات ديننا وقيمنا المشتركة. حتى أن بعض دعاة الدين لم يسلموا من أزمة الأخلاق، فخلطوا الدين بالسياسة، فكما أصدروا سابقا الفتاوي لتبرير الانقلاب العسكري الدموي في مصر، أصدروا فتاوي مماثلة لتبرير الحصار على قطر، لخدمة السلطة، من باب وجوب الطاعة العمياء لولي الأمر، والخضوع له، مهما كان ظالما وطاغيا.. فهل نحن في أزمة أخلاق.. أم هكذا هي أخلاق الأزمة؟
صادمة في أزمة الحصار، إن صح التعبير، "السلوكيات المنحدرة" في الطرح السياسي، سواء على مستوى المسؤولين وأتباعهم من مستشارين ومن جيوش الذباب الإلكتروني أم على مستوى المؤسسات والقنوات الرسمية الحكومية، فقد رأينا العجب من انحطاط الحسابات الرسمية في التواصل الاجتماعي.. جولة سريعة في حسابات أذرع دول الحصار ورموزها وجيوشها ستظهر كم الألفاظ والعبارات "الدنيئة" التي لا يقبلها عرفٌ، ولا دينٌ، ولا مبادئ، تكاد تحطم العلاقات بين الدول بعضها بعضا، فما بالكم بين الأشقاء. لم يتردد إعلاميو رباعي الحصار المتأزم وسياسيوه في استخدام الأعراض والأنساب والعلاقات العائلية في حملات التشويه التي ما زالوا عليها.. بل صار شغلهم الشاغل الآن كيفية التأثير على نفسية المواطن القطري ومعنوياته، وكذا المقيم في دولة قطر، وإفساد الرأي العام وتضليله، وكيف يمكن سحبهم أو استدراجهم عبر هاشتاغات ضالة مضلة وفاسدة مفسدة، من أجل إجهادهم مادياً ومعنوياً. فرأينا وكالات أنباء ومؤسسات إعلامية تبث الكذب والافتراءات، من دون مراعاة أخلاقيات المهنة. ووزارات حكومية تُشهر برموزنا السياسية بوقاحة، وصحفا وإعلاميين، ومعهم مرتزقة الأزمة، يشهرون بنسائنا ويقذفونهن ببذاءة في سابقةٍ تشهدها مجتمعاتنا الخليجية أول مرة.. وشاهدنا غير ذلك كله سلوكيات كثيرة غير أخلاقية، حتى وصلنا إلى مرحلة من التراشق الإعلامي والفوضى الأخلاقية إلى مرحلة الإسفاف والقذف، من دون حرج، وبكل وقاحة وقبح مقزّز، فأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي بمثابة "سلة نفايات" للسلوكيات غير الأخلاقية! وها نحن، بعد مرور سبعة شهور على فرض الحصار الجائر علينا، يلحظ المتابع الدولي والعربي والخليجي للأحداث نفسه موقف القيادة القطرية الثابت، وأداء وسائل الإعلام القطرية التي تترفع وتسمو بأخلاقها عن الانزلاق في وحل السباب والقذف والتطرّق للأعراض، كما تفعل دول الحصار وأذرعها الإعلامية المختلفة مما يتنافى مع عادات وتقاليد نشأ وتربى عليها مواطنو مجلس التعاون الخليجي... فهل هي فعلا أزمة أخلاق، أم هكذا هي أخلاق الأزمة؟ وهل تعاملنا معهم بأسلوب الدناءة والخسّة نفسه؟
لم نغلق حدودنا، ولم نطرد مرضى دول الحصار وطلبتهم ومواطنيهم، ولم نشتت الأسر عند الحدود، ولم نفرق بين الأم وأبنائها، ولم نُجرّم التعاطف والصمت، لأننا نتصرف بأخلاقنا. لم نعمل في الخفاء ووراء أقنعة الأخوة في شراء الذمم وشركات العلاقات العامة والتجسس ومافيا الاختراق للإساءة إلى دولة شقيقة، حسداً وحقداً من نجاحاتها، وطمعاً في ثرواتها، فهذه ليست أخلاق كعبة المضيوم.
لم نطعن الظهور في انتخابات "يونسكو"، ولم نحتجز الضيوف، ولم نجند الجيوش المجيشة للسب والقذف، لم نقطع عن الإمارات الغاز، فنحن نتعامل بأخلاقنا، فلا هذا منهج قادتنا، ولا هي أخلاق أهل قطر.
منذ إطلاق شرارة الأزمة، ونحن نتعامل بأخلاقنا وأخلاق قطر. ترفعنا بأخلاقنا عن الصغائر، وتركنا لهم سوقية الكلام والأفعال، وابتذال جيوشهم ومستشاريهم في المجتمع الرقمي .. "وهذي عوايدها قطر"، وأظهر القطريون، مسؤولين وشعبا، منذ اللحظة الأولى للأزمة حلما وصبرا يفوقان الحدود، على الرغم من الانزلاق والتدني الأخلاقي الذي انتهجه نظراؤهم من دول الحصار، ووصل إلى قصف المحصنات والتطرق للأعراض والفجور في الخصومة وقذارة الألفاظ.
صحيح أن هناك أزمة سياسة بين قطر ودول الحصار، لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن قطر كانت الأكثر احتراما لإسلامها ولنفسها ولشعبها الخليجي الكبير، وكانت الأكثر تقديرا لعروبتها. وقد قال وزير الخارجية، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني: "لن ننزلق إلى مستوىً مشابه لما فعلته دول الحصار بالتطاول على الأعراض". وهذا ما التزمنا به، حكومة وشعبا، عملا بنصيحة الأمير الوالد "أوصيكم بالثبات على الحق، والاستقامة على الطريق، مهما تبدلت الأيام والأحوال"، وكأنه كان يهيئنا لهذه الأزمة غير الأخلاقية.
وعلى الرغم مما لوحظ أخيرا من انزلاق بعض الحسابات القطرية الفردية جزئيا إلى مهاترات التراشق الإعلامي في التواصل الاجتماعي، إلا أنها كانت في حدود معينة، ولم تصل إلى مستواهم في البذاءة، والمتمنى أن لا يتجاوزوها، وسيظلون "قلة" لا يمثلون شعب قطر الثابت على قيمه. ومن هنا يأتي دورنا في قيادة أخلاق الأزمة وتوجيهها، وربما صناعتها، من دون إفراط ولا تفريط بمبادئ ديننا وقيم مجمعاتنا. وكما أذهلنا أنفسنا والعالم بتكاتفنا والتفاتنا حول قيادتنا، فلم يؤثر فينا حصارهم، ولم نتأثر بمغامرات منتصف الليل والفجر وماراثون التصعيدات، بل حوّلنا، بفضل الله، محنة الحصار إلى منحة، ووظفناها إيجابيا وبسواعدنا في بناء ذاتنا محليا، حتى أعدنا دائرة السوء على دول الحصار، فتراهم يفتعلون القضايا، ويصعّدونها وينهونها بينهم وينتقلون إلى غيرها في إفلاس وتخبط أخلاقيين، قبل أن يكونا سياسيين.
ولهذا، لتنذكّر، يا أهل قطر ومقيميها، وكل من وقف معنا، أننا جميعا نتحمل مسؤولية أخلاقية تجاه المجتمعين، المحلي والدولي، في إدارة أخلاق الأزمة، مع التأكيد على أننا وصلنا إلى درجة مقنعة، وراسخة من الفهم والإدراك، والقدرة على أننا نحن من يدير الأزمة، وليس هم.
لقد تحولت منابر الحوار في مجتمعاتنا تدريجيا من منابر الخطب في المساجد إلى منابر الإعلام بقنواتها كافة، إلا أن منابر الثورة التكنولوجية المتمثلة في المجتمع الرقمي تُعد الأكثر جُرأة في الطرح بشكل عام. ولعلّ تصاعد توظيف المجتمع الرقمي منبرا للرأي الآخر ساهم في توسيع قاعدة انتشاره، لارتباطه بتوسع نطاق الحريات الإعلامية، حتى أضحى المنفذ الإعلامي الرئيسي للشعوب، بعيدا عن مقص الرقيب في الإعلام الرسمي. وربما يُفسر هذا الأمر استغلال بعضهم هذا المنبر، ومساحة الحرية غير المقيدة فيه، حتى أضحت لغة التراشق والإسفاف والتجاوز على الأفراد سمة رئيسية لوسائل المجتمع الرقمي، وبالذات عند الاختلاف في الطرح، وما يزيد الأمر سوءاً ليس فقط صدور تلك التجاوزات والإقصاء في الطرح من الأشخاص العاديين، بل من المصنفين مجتمعيا "نخبة الساسة والكتاب والمثقفين"! فبعد أن كانت تُمارس علينا في الماضي سياسة التجهيل الإعلامي، أصبحت تُمارس علينا اليوم سياسة الانحطاط الإعلامي، وخصوصا من خلال المجتمع الرقمي!
على الرغم من أن هناك حدا فاصلا بين أخلاقيات الإعلام وأخلاقيات السياسة، وعلى الرغم من اختلافهما من حيث المضمون، إلا أنهما يلتقيان عند هدف نهج أنماط معينة، يفترض أنها تعود بالخير على البشر، ومنها إسقاط ذلك على الواقع في الطرح السياسي، غير أن الأمر يبدو غير ذلك بتاتا، فقيم الصدق والمروءة والوفاء قد يصعب الالتزام بها في السياسة في حال تعارضها مع المصالح، بل قد يصبح عندها الغش والافتراء والكذب والخداع أهم عناصر تحقيق الغايات. لهذا، لم يكن غريبا انتهاج بعض رموز دول الحصار الإعلامية والسياسية مستشاريهم السلوك الميكافيلي في إدارة أزمة حصار قطر، والمتمثل في التحلل من الضوابط الأخلاقية، وإلغاء القيم وإنكارها في سبيل تحقيق أغراضهم الخاصة.
لقد ساهم تسارع ثورة الاتصالات في تعزيز انحطاط أخلاقيات السياسة، فأصبح المجتمع الرقمي فضاء واسعا لتصدير كل أنواع البذاءة الأخلاقية، كما برز جلياً في أزمة حصار قطر، وما ارتبط بها من فجور في الخصومة، مارسته دول الحصار منذ العام 2014، وتضاعف منذ 5 يونيو/ حزيران 2017 بشكل مقزز! فلم يسلم أحد من هذا الفجور الأخلاقي، بعد أن تم تصدير الخلاف السياسي من الحكومات إلى الشعوب التي تم إقحامها عنوة بقوة القانون الذي يعاقب المتعاطف والصامت منهم، فتم دفعهم إلى شيطنة قطر وأهلها، وجرى قطع الأرحام وتشريد الأسر وتفكيكها في قصص مأسوية لم نسمع مثلها سابقا إلا في حكايات المُهجرين من الاستعمار والاحتلال. كما جرى، وعبر القنوات الرسمية الحكومية والرموز السياسية والإعلامية والثقافية لدول الحصار، تسييس الدين والرياضة والفن والثقافة بأسلوب طفولي متهور.. بذيء ومنحدر جدا في الطرح، وبعيد عن أخلاقيات ديننا وقيمنا المشتركة. حتى أن بعض دعاة الدين لم يسلموا من أزمة الأخلاق، فخلطوا الدين بالسياسة، فكما أصدروا سابقا الفتاوي لتبرير الانقلاب العسكري الدموي في مصر، أصدروا فتاوي مماثلة لتبرير الحصار على قطر، لخدمة السلطة، من باب وجوب الطاعة العمياء لولي الأمر، والخضوع له، مهما كان ظالما وطاغيا.. فهل نحن في أزمة أخلاق.. أم هكذا هي أخلاق الأزمة؟
صادمة في أزمة الحصار، إن صح التعبير، "السلوكيات المنحدرة" في الطرح السياسي، سواء على مستوى المسؤولين وأتباعهم من مستشارين ومن جيوش الذباب الإلكتروني أم على مستوى المؤسسات والقنوات الرسمية الحكومية، فقد رأينا العجب من انحطاط الحسابات الرسمية في التواصل الاجتماعي.. جولة سريعة في حسابات أذرع دول الحصار ورموزها وجيوشها ستظهر كم الألفاظ والعبارات "الدنيئة" التي لا يقبلها عرفٌ، ولا دينٌ، ولا مبادئ، تكاد تحطم العلاقات بين الدول بعضها بعضا، فما بالكم بين الأشقاء. لم يتردد إعلاميو رباعي الحصار المتأزم وسياسيوه في استخدام الأعراض والأنساب والعلاقات العائلية في حملات التشويه التي ما زالوا عليها.. بل صار شغلهم الشاغل الآن كيفية التأثير على نفسية المواطن القطري ومعنوياته، وكذا المقيم في دولة قطر، وإفساد الرأي العام وتضليله، وكيف يمكن سحبهم أو استدراجهم عبر هاشتاغات ضالة مضلة وفاسدة مفسدة، من أجل إجهادهم مادياً ومعنوياً. فرأينا وكالات أنباء ومؤسسات إعلامية تبث الكذب والافتراءات، من دون مراعاة أخلاقيات المهنة. ووزارات حكومية تُشهر برموزنا السياسية بوقاحة، وصحفا وإعلاميين، ومعهم مرتزقة الأزمة، يشهرون بنسائنا ويقذفونهن ببذاءة في سابقةٍ تشهدها مجتمعاتنا الخليجية أول مرة.. وشاهدنا غير ذلك كله سلوكيات كثيرة غير أخلاقية، حتى وصلنا إلى مرحلة من التراشق الإعلامي والفوضى الأخلاقية إلى مرحلة الإسفاف والقذف، من دون حرج، وبكل وقاحة وقبح مقزّز، فأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي بمثابة "سلة نفايات" للسلوكيات غير الأخلاقية! وها نحن، بعد مرور سبعة شهور على فرض الحصار الجائر علينا، يلحظ المتابع الدولي والعربي والخليجي للأحداث نفسه موقف القيادة القطرية الثابت، وأداء وسائل الإعلام القطرية التي تترفع وتسمو بأخلاقها عن الانزلاق في وحل السباب والقذف والتطرّق للأعراض، كما تفعل دول الحصار وأذرعها الإعلامية المختلفة مما يتنافى مع عادات وتقاليد نشأ وتربى عليها مواطنو مجلس التعاون الخليجي... فهل هي فعلا أزمة أخلاق، أم هكذا هي أخلاق الأزمة؟ وهل تعاملنا معهم بأسلوب الدناءة والخسّة نفسه؟
لم نغلق حدودنا، ولم نطرد مرضى دول الحصار وطلبتهم ومواطنيهم، ولم نشتت الأسر عند الحدود، ولم نفرق بين الأم وأبنائها، ولم نُجرّم التعاطف والصمت، لأننا نتصرف بأخلاقنا. لم نعمل في الخفاء ووراء أقنعة الأخوة في شراء الذمم وشركات العلاقات العامة والتجسس ومافيا الاختراق للإساءة إلى دولة شقيقة، حسداً وحقداً من نجاحاتها، وطمعاً في ثرواتها، فهذه ليست أخلاق كعبة المضيوم.
لم نطعن الظهور في انتخابات "يونسكو"، ولم نحتجز الضيوف، ولم نجند الجيوش المجيشة للسب والقذف، لم نقطع عن الإمارات الغاز، فنحن نتعامل بأخلاقنا، فلا هذا منهج قادتنا، ولا هي أخلاق أهل قطر.
منذ إطلاق شرارة الأزمة، ونحن نتعامل بأخلاقنا وأخلاق قطر. ترفعنا بأخلاقنا عن الصغائر، وتركنا لهم سوقية الكلام والأفعال، وابتذال جيوشهم ومستشاريهم في المجتمع الرقمي .. "وهذي عوايدها قطر"، وأظهر القطريون، مسؤولين وشعبا، منذ اللحظة الأولى للأزمة حلما وصبرا يفوقان الحدود، على الرغم من الانزلاق والتدني الأخلاقي الذي انتهجه نظراؤهم من دول الحصار، ووصل إلى قصف المحصنات والتطرق للأعراض والفجور في الخصومة وقذارة الألفاظ.
صحيح أن هناك أزمة سياسة بين قطر ودول الحصار، لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن قطر كانت الأكثر احتراما لإسلامها ولنفسها ولشعبها الخليجي الكبير، وكانت الأكثر تقديرا لعروبتها. وقد قال وزير الخارجية، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني: "لن ننزلق إلى مستوىً مشابه لما فعلته دول الحصار بالتطاول على الأعراض". وهذا ما التزمنا به، حكومة وشعبا، عملا بنصيحة الأمير الوالد "أوصيكم بالثبات على الحق، والاستقامة على الطريق، مهما تبدلت الأيام والأحوال"، وكأنه كان يهيئنا لهذه الأزمة غير الأخلاقية.
وعلى الرغم مما لوحظ أخيرا من انزلاق بعض الحسابات القطرية الفردية جزئيا إلى مهاترات التراشق الإعلامي في التواصل الاجتماعي، إلا أنها كانت في حدود معينة، ولم تصل إلى مستواهم في البذاءة، والمتمنى أن لا يتجاوزوها، وسيظلون "قلة" لا يمثلون شعب قطر الثابت على قيمه. ومن هنا يأتي دورنا في قيادة أخلاق الأزمة وتوجيهها، وربما صناعتها، من دون إفراط ولا تفريط بمبادئ ديننا وقيم مجمعاتنا. وكما أذهلنا أنفسنا والعالم بتكاتفنا والتفاتنا حول قيادتنا، فلم يؤثر فينا حصارهم، ولم نتأثر بمغامرات منتصف الليل والفجر وماراثون التصعيدات، بل حوّلنا، بفضل الله، محنة الحصار إلى منحة، ووظفناها إيجابيا وبسواعدنا في بناء ذاتنا محليا، حتى أعدنا دائرة السوء على دول الحصار، فتراهم يفتعلون القضايا، ويصعّدونها وينهونها بينهم وينتقلون إلى غيرها في إفلاس وتخبط أخلاقيين، قبل أن يكونا سياسيين.
ولهذا، لتنذكّر، يا أهل قطر ومقيميها، وكل من وقف معنا، أننا جميعا نتحمل مسؤولية أخلاقية تجاه المجتمعين، المحلي والدولي، في إدارة أخلاق الأزمة، مع التأكيد على أننا وصلنا إلى درجة مقنعة، وراسخة من الفهم والإدراك، والقدرة على أننا نحن من يدير الأزمة، وليس هم.