16 سبتمبر 2021
حصار قطر.. ما خفي أعظم
لم يكن حصار قطر إلا مجرد امتداد مُخطط لانقلاب 1996 الفاشل، وأزمة سحب السفراء عام 2014، لكنه أبعد أثراً وأكثر انحداراً في أخلاقياته وفضائحه وخيباته! فقطر بالنسبة لدول الحصار "مشكلة صغيرة جداً جداً"، لكنها أشغلتهم كثيراً كثيراً منذ 1996. سياسيا، يُقال إن خلق الأزمات وافتعال الوقائع المفبركة إنما هو إعلان لبداية مشروع سياسي أكبر، وقد شهدنا تحولات تاريخية كثيرة بدأت بأزمات مفتعلة، كانت بمثابة الشرارة التي انطلقت منها الأحداث لاحقا. وأستشهد هنا، بعيدا عن كل الحيثيات والنظريات، بغزو أفغانستان وتدمير العراق ونهب ثرواته، والذي لم يكن لولا انطلاق شرارة أحداث هجمات "11 سبتمبر" في عام 2001.
وبالمثل، بدأت أزمة حصار قطر بفبركة مُفتعلة لقرصنة مُتعمدة، ومُخطط لها، ضمن حملة إعلامية مُقننة لمهاجمة قطر، وتشويه سمعتها بدعم الإرهاب، مُرفقة بذرائع واتهامات ثبت بطلانها وتناقضها مع الوقت. وقد استمرت الأزمة شهوراً بسيناريوهاتٍ مبنيةٍ، بالدرجة الأولى، على الكذب والتزوير والافتراء، مدعومة بـ"مجلس" متواضع لوزراء ومستشاري "تويتر" وحشود إلكترونية، ومُسلحة إعلامياً بـ"لوبيات" وشركات علاقات عامة أميركية وأوروبية، وأقلام المأجورين المدفوعة من أموال نفط شعوب دول الحصار وثرواتها.. وتحت صمت منظومة مجلس التعاون، واستمرت فضائح دول الحصار وخيباتها من دون هوادة، وبجرأة أخلاقية غير مسبوقة، وما خفي كان أعظم!
بعد شهور من الحصار الجائر، اتضح لهذه الدول خطؤها في تخطيط الأزمة المفتعلة، حيث فشلت "العقوبات" الاقتصادية والدبلوماسية لإجبار قطر على الاستجابة لمطالب هذه الدول، كما فشل تقديرها الموقف الدولي، اذ بدأت الكوابح الدولية، بما فيها أميركا، سعيها إلى وقف دول الحصار، تارة بالمساعي الوسيطة وتارة بالقانون! فالعوامل الجيوسياسة والاقتصادية لحصار قطر ساهمت في ضغط قادة بعض الدول الكبرى على دول الحصار، خصوصا بعد تضرّر اقتصادياتها، باعتبار منطقة الخليج العربي مُصدرة للطاقة. كما أن استقرار المنطقة يُعد ضامناً رئيسياً لسلامة الممرات البحرية اللازمة لنقل الطاقة من المنطقة. حتى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، نفسه، تغير موقفه السياسي من قطر بعد اتهامه لها بدعمها الإرهاب، الأمر الذي لم يكن ليحدث، لولا صمود القيادة القطرية على موقفها الثابت، وعدم خضوعها لتهديدات أولئك، وعدم استجابتها لتصعيداتهم "الطفولية" المتواصلة، الأمر الذي انعكس، الشهر الماضي، في تعميق الحوار الاستراتيجي الأميركي القطري وتعزيزه، من خلال توقيع اتفاقيات تفاهم في عدة مجالات، تتعلق بالأمن والدفاع والاستثمار ومحاربة الإرهاب. الأمر الذي تجلى أوروبيا في الكلمة التي ألقاها صاحب السمو أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في مؤتمر ميونخ للأمن، والذي يعد أهم مؤتمر أمني على مستوى العالم، ويُعقد بمشاركة واسعة من قادة العالم. حيث أكد الأمير أن الفهم السطحي لظاهرة التطرف العنيف يُفاقمها، وأن هناك حاجة إلى إطار نظري وعملي عميق شامل لمعالجة جذورها. وهذه رسالة واضحة جدا لقادة دول الحصار بالتوقف عن "أطروحاتهم النظرية الهشة المضللة للرأي العام الذي لم يعد من الممكن استغباؤه بسهولة ويسر". وفي هذا الإطار، كشفت عدة دراسات وتقارير أميركية وأوروبية عن أضرار لحقت دول الحصار، من جراء حصارها قطر، حيث تضرّرت المصالح السياسية والتحالفات الدولية والاقتصادية لها، بل أشارت تقارير صراحة إلى المساس بمكانة السعودية قائدة للمنطقة، وفشلها مع حلفائها، في إخضاع دولة "صغيرة جدا" كقطر!
هل سترضخ دول الحصار رغما عنها، وتقبل بتسوية الأزمة المُفتعلة تحت ضغط "الكبار"؟ أم أن ما خفي من "مؤامراتٍ مستقبلية" أعظم؟ لا شك أن الأزمة أبرزت خللاً في بنية دول الحصار ومواقعها الاستراتيجية، لكنها أحدثت، أيضا، شروخاً في مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك تعطيل المخططات الطامحة لتحقيق التكامل الاقتصادي بينها، وتحديدا في ربط شبكات الكهرباء والطرق، وأيضا في النطاق الإقليمي. وتُرجح المعطيات الراهنة للأزمة، على مدى الشهور الماضية، أن مجلس التعاون الخليجي لن يعود إلى سابق عهده، وأنه لا يستحق "التباكي عليه"، ذلك أن الأزمة أحدثت تحولاتٍ في موازين القوى. فقد تخلت دول الحصار عن الالتزامات والضمانات التي وقّعت عليها وقطعتها على نفسها، مثل الضمانات الخاصة بحرية التنقل والملكية، والتعاملات المالية، وحتى فض النزاع نفسه من خلال المجلس! فللكويت وعُمان مثلا الحق في التساؤل عن ضمان عدم إقدام دول الحصار على "حروب" مستقبلية مماثلة، على الرغم من تعهداتها القانونية وفق إطار المجلس؟ من ناحية أخرى، فإن إقامة القاعدة التركية في قطر، وتطور التعاون التركي- الكويتي، والتعاون الإيراني - العماني قد يؤثر على المسائل الأمنية الحيوية الخاصة بمجلس التعاون الذي أُنشئ بالأصل لدرء المخاطر الناشئة من نجاح الثورة الإيرانية. فما تبقى بعد حصار قطر؟
اتبعت قطر، منذ بدء الحصار، سياسة دبلوماسية متزنة وثابتة، وتمسكت بحقها في الحوار والإبقاء على منظومة مجلس التعاون الخليجي، وركزت على مساري تسوية الأزمة عن طريق الحوار الذي لم تستجب له دول الحصار حتى هذه اللحظة، ومواصلة تعميق علاقاتها الخارجية. وفي المقابل، انتهجت دول الحصار دبلوماسية تضخيم قوتها الإقليمية والدولية، وتشنج إعلامها
وتركيزه على هوامش الأمور بأسلوب الجاهلية البالية في محاربة شعب قطر، فأشغلوا أنفسهم بتوافه الأمور الفنية والرياضية والإعلامية، بعيدا عن هموم شعوبهم الحقيقية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بينما انشغلت قطر بالإنجاز، وجعلت من حصارهم منحة داخلية وخارجية لشعبها، بينما ارتد عليهم الحصار سلباً في جميع المجالات! فإلى متى هذا الاستغباء السياسي؟
وها هي قناة الجزيرة التي تطالب دول الحصار بإسكاتها، تُعلن بثها حلقة خاصة من برنامج "ما خفي أعظم" للكشف عن تفاصيل أولى مؤامرات دول الحصار في "غزو واحتلال قطر" عام 1996، والتي انتهت بالفشل الذريع أمام صمود قطر حكومة وشعبا. حيث قدّمت قطر درسا أخلاقيا في عدم إعلانها عن "غزو الجيران"، احتراما للمنظومة الخليجية "الهشّة"، وتقديرا لصلة الأرحام، والذي انعكس في عفوها عام 2010 عن بعض المحكومين عليهم من المدانين من دول الحصار. وهذه أخلاق قطر.
ستنتهي الأزمة يوما ما، بقوة القانون أم بقوة "الكبار"! لكنها ستنتهي بعلاقاتٍ مشروخةٍ، سببها حفنة من المتهورين، وأدت إلى اختلال توازن القوى، فالكبير لن يكون كبيرا والصغير لم يعد صغيرا. وسواء انتهى حصار قطر عاجلا أم آجلا، فقطر تجاوزت صدمة الحصار، وشعبها بألف خير، وماض في نهضته وتطوير بلده.
وبالمثل، بدأت أزمة حصار قطر بفبركة مُفتعلة لقرصنة مُتعمدة، ومُخطط لها، ضمن حملة إعلامية مُقننة لمهاجمة قطر، وتشويه سمعتها بدعم الإرهاب، مُرفقة بذرائع واتهامات ثبت بطلانها وتناقضها مع الوقت. وقد استمرت الأزمة شهوراً بسيناريوهاتٍ مبنيةٍ، بالدرجة الأولى، على الكذب والتزوير والافتراء، مدعومة بـ"مجلس" متواضع لوزراء ومستشاري "تويتر" وحشود إلكترونية، ومُسلحة إعلامياً بـ"لوبيات" وشركات علاقات عامة أميركية وأوروبية، وأقلام المأجورين المدفوعة من أموال نفط شعوب دول الحصار وثرواتها.. وتحت صمت منظومة مجلس التعاون، واستمرت فضائح دول الحصار وخيباتها من دون هوادة، وبجرأة أخلاقية غير مسبوقة، وما خفي كان أعظم!
بعد شهور من الحصار الجائر، اتضح لهذه الدول خطؤها في تخطيط الأزمة المفتعلة، حيث فشلت "العقوبات" الاقتصادية والدبلوماسية لإجبار قطر على الاستجابة لمطالب هذه الدول، كما فشل تقديرها الموقف الدولي، اذ بدأت الكوابح الدولية، بما فيها أميركا، سعيها إلى وقف دول الحصار، تارة بالمساعي الوسيطة وتارة بالقانون! فالعوامل الجيوسياسة والاقتصادية لحصار قطر ساهمت في ضغط قادة بعض الدول الكبرى على دول الحصار، خصوصا بعد تضرّر اقتصادياتها، باعتبار منطقة الخليج العربي مُصدرة للطاقة. كما أن استقرار المنطقة يُعد ضامناً رئيسياً لسلامة الممرات البحرية اللازمة لنقل الطاقة من المنطقة. حتى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، نفسه، تغير موقفه السياسي من قطر بعد اتهامه لها بدعمها الإرهاب، الأمر الذي لم يكن ليحدث، لولا صمود القيادة القطرية على موقفها الثابت، وعدم خضوعها لتهديدات أولئك، وعدم استجابتها لتصعيداتهم "الطفولية" المتواصلة، الأمر الذي انعكس، الشهر الماضي، في تعميق الحوار الاستراتيجي الأميركي القطري وتعزيزه، من خلال توقيع اتفاقيات تفاهم في عدة مجالات، تتعلق بالأمن والدفاع والاستثمار ومحاربة الإرهاب. الأمر الذي تجلى أوروبيا في الكلمة التي ألقاها صاحب السمو أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في مؤتمر ميونخ للأمن، والذي يعد أهم مؤتمر أمني على مستوى العالم، ويُعقد بمشاركة واسعة من قادة العالم. حيث أكد الأمير أن الفهم السطحي لظاهرة التطرف العنيف يُفاقمها، وأن هناك حاجة إلى إطار نظري وعملي عميق شامل لمعالجة جذورها. وهذه رسالة واضحة جدا لقادة دول الحصار بالتوقف عن "أطروحاتهم النظرية الهشة المضللة للرأي العام الذي لم يعد من الممكن استغباؤه بسهولة ويسر". وفي هذا الإطار، كشفت عدة دراسات وتقارير أميركية وأوروبية عن أضرار لحقت دول الحصار، من جراء حصارها قطر، حيث تضرّرت المصالح السياسية والتحالفات الدولية والاقتصادية لها، بل أشارت تقارير صراحة إلى المساس بمكانة السعودية قائدة للمنطقة، وفشلها مع حلفائها، في إخضاع دولة "صغيرة جدا" كقطر!
هل سترضخ دول الحصار رغما عنها، وتقبل بتسوية الأزمة المُفتعلة تحت ضغط "الكبار"؟ أم أن ما خفي من "مؤامراتٍ مستقبلية" أعظم؟ لا شك أن الأزمة أبرزت خللاً في بنية دول الحصار ومواقعها الاستراتيجية، لكنها أحدثت، أيضا، شروخاً في مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك تعطيل المخططات الطامحة لتحقيق التكامل الاقتصادي بينها، وتحديدا في ربط شبكات الكهرباء والطرق، وأيضا في النطاق الإقليمي. وتُرجح المعطيات الراهنة للأزمة، على مدى الشهور الماضية، أن مجلس التعاون الخليجي لن يعود إلى سابق عهده، وأنه لا يستحق "التباكي عليه"، ذلك أن الأزمة أحدثت تحولاتٍ في موازين القوى. فقد تخلت دول الحصار عن الالتزامات والضمانات التي وقّعت عليها وقطعتها على نفسها، مثل الضمانات الخاصة بحرية التنقل والملكية، والتعاملات المالية، وحتى فض النزاع نفسه من خلال المجلس! فللكويت وعُمان مثلا الحق في التساؤل عن ضمان عدم إقدام دول الحصار على "حروب" مستقبلية مماثلة، على الرغم من تعهداتها القانونية وفق إطار المجلس؟ من ناحية أخرى، فإن إقامة القاعدة التركية في قطر، وتطور التعاون التركي- الكويتي، والتعاون الإيراني - العماني قد يؤثر على المسائل الأمنية الحيوية الخاصة بمجلس التعاون الذي أُنشئ بالأصل لدرء المخاطر الناشئة من نجاح الثورة الإيرانية. فما تبقى بعد حصار قطر؟
اتبعت قطر، منذ بدء الحصار، سياسة دبلوماسية متزنة وثابتة، وتمسكت بحقها في الحوار والإبقاء على منظومة مجلس التعاون الخليجي، وركزت على مساري تسوية الأزمة عن طريق الحوار الذي لم تستجب له دول الحصار حتى هذه اللحظة، ومواصلة تعميق علاقاتها الخارجية. وفي المقابل، انتهجت دول الحصار دبلوماسية تضخيم قوتها الإقليمية والدولية، وتشنج إعلامها
وها هي قناة الجزيرة التي تطالب دول الحصار بإسكاتها، تُعلن بثها حلقة خاصة من برنامج "ما خفي أعظم" للكشف عن تفاصيل أولى مؤامرات دول الحصار في "غزو واحتلال قطر" عام 1996، والتي انتهت بالفشل الذريع أمام صمود قطر حكومة وشعبا. حيث قدّمت قطر درسا أخلاقيا في عدم إعلانها عن "غزو الجيران"، احتراما للمنظومة الخليجية "الهشّة"، وتقديرا لصلة الأرحام، والذي انعكس في عفوها عام 2010 عن بعض المحكومين عليهم من المدانين من دول الحصار. وهذه أخلاق قطر.
ستنتهي الأزمة يوما ما، بقوة القانون أم بقوة "الكبار"! لكنها ستنتهي بعلاقاتٍ مشروخةٍ، سببها حفنة من المتهورين، وأدت إلى اختلال توازن القوى، فالكبير لن يكون كبيرا والصغير لم يعد صغيرا. وسواء انتهى حصار قطر عاجلا أم آجلا، فقطر تجاوزت صدمة الحصار، وشعبها بألف خير، وماض في نهضته وتطوير بلده.