حكومة الشاهد.. دار لقمان على حالها

16 سبتمبر 2017

يوسف الشاهد يطلب من البرلمان الثقة لحكومته (11/9/2017/فرانس برس)

+ الخط -
كما هو متوقع، منح مجلس النواب في تونس ثقته لقائمة الوزراء وكتّاب الدولة الجدد الذين التحقوا بحكومة يوسف الشاهد (وبعضهم تغير موقعه الوزاري ليس أكثر)، ولم يكن الأمر من قبيل المفاجأة لكل متابع للشأن السياسي التونسي، بالنظر إلى أن تحالف الكتلتين الأكبر في المجلس، وهما كتلتا حزبي نداء تونس والنهضة، توافقا على القائمة الحكومية قبل مثولها أمام مجلس الشعب، ما يعني أن الموافقة عليها كانت من قبيل تحصيل الحاصل.
غير أن ما ينبغي ملاحظته في متابعة نشاط حكومة الشاهد أن من الصعب أن يأمل الشعب في حصول تغيير جذري، يمكن أن يحدث فرقا نوعيا بين الحكومة في صيغتها الأولى وتركيبتها بعد التعديل، فبالإضافة الى استمرار غالبية الوزراء في مواقعهم، وبعضهم تغيّرت وزارته فحسب، فإن الوزراء الذين تم إلحاقهم في مناصب مختلفة ليسوا من الكفاءات المهمة التي قد تفاجئ الناس بأداء حكومي رفيع، لسبب بسيط، هو أنهم وبالإجمال كانوا وزراء في حكومات الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، ولدى التونسيين عنهم فكرة من خلال توليهم الوزارة سابقا. تم الاستنجاد بهم لملء مواقع وزارية بداعي الخبرة، فيما هم مارسوا الحكم في ظل نظام الاستبداد، وتعوّدوا على الصلاحيات الواسعة للوزراء خارج الرقابة الشعبية، ما سيجعلهم اليوم في اختبار حقيقي بشأن مدى استيعابهم تجربة الحكم في ظل وضع ديمقراطي وحرية النقد والتعبير. أما الذين استمروا في مواقعهم، أو تمت إعادة توزيع حقائبهم الوزارية، فلا شيء يدل على نجاحهم في أداء المهام المكلفين بها، بل فوجئ الرأي العام باستمرار بعضهم في الحكومة، على الرغم من فشلهم الواضح، وعجزهم عن حل مشكلات القطاعات التي تعاملوا معها. وبذلك، يمكن القول إن دار لقمان على حالها، فالحكومة التي تأسست على المحاصصة، وعلى ترضية الأحزاب وبعض اللوبيات النافذة، لا ينتظر الشارع التونسي منها الكثير.

وقد شغلت التجاذبات التي رافقت التعديلات الجديدة الرأي العام أكثر من التركيبة المعدلة للحكومة، فقد كان واضحا حصول شدّ بين الحليفين الكبيرين، تجلى خصوصا في تصريحات الرئيس قائد السبسي بشأن ما سماه الخطأ في محاولة جذب "النهضة" إلى مربع المدنية، بما يوحي أن رئيس الدولة استعمل التصريح أداة ضغط من أجل ضمان تابعية الحركة، وعدم تشددها في قبول مقترحاته بشأن أسماء بعينها مُنحت حقائب وزارية، والتي يبدو أن "النهضة" وجدت نفسها تقبل بها من أجل استمرارية تحالفها مع "نداء تونس" الذي يتلخّص في شخص رئيس الجمهورية. ويدرك القاصي والداني أن الحاكم الفعلي في الشأن الحكومي هو الرئيس السبسي، على الرغم من أن الصلاحيات الدستورية تمنح رئيس الحكومة مجالا أوسع للتصرف والحكم، غير أنه في الوضعية الحالية، وفي ظل هيمنة حزب نداء تونس على الرئاسات الثلاث (الجمهورية والنواب والحكومة)، فإن مؤسس هذا الحزب، وصاحب الفضل عليه، الرئيس الباجي قائد السبسي، هو المتحكم الفعلي في أوراق الحكم، في قرطاج والقصبة (مقر الحكومة). ومن الصعب الحديث عن نجاحاتٍ ممكنة للحكومات المتتالية بتعديلاتها في ظل "نداء تونس" (حكومتا الحبيب الصيد ثم حكومتا الشاهد)، فالمشهد السياسي التونسي، بتشرذمه الحزبي الحالي وغياب قوة وازنة في المعارضة، جعلت تجارب الفشل الحكومي المتتالية في ظل حكم السبسي، تمر من دون أن تثير ما تستحقه من نقد.
يبقى أن تمرير التعديلات الحكومية اقترن بتمرير مشروع القانون المتعلق بالمصالحة في المجال الاقتصادي والمالي، وهو الذي أثار لغطا كبيرا منذ حرص رئيس الجمهورية على تمريره بداية من سنة 2015. وعلى الرغم من تعديلات شكلية خضع لها القانون، فإن شبهة تبييض الفساد والتسامح مع المفسدين ستظل تلاحقه، حتى بعدما قبل النواب المصادقة عليه، في ظل انقسام حاد بين مؤيديه ومعارضيه. وتظل مشكلة تسديد الشغور في الهيئة العليا للانتخابات قائمة، ما يزيد في تعطيل إمكانية تنظيم انتخابات بلدية في العام الجاري، كما هو مقرّر.
الحكومة التونسية بعد التعديل هي نفسها قبله، ويتعلق الأمر بتغيير بعض الأسماء في إطار ترضيات وكسب الولاءات. أما فكرة أن تتمكّن هذه الحكومة من إحداث تغيير جذري فهذا مطمح بعيد المنال، أقله حاليا، فالأمر يتعلق بجراحة تجميلية، ولن تتجاوز المظهر لتغيّر الجوهر في طبيعة العمل الحكومي المختل بنيويا.
B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.