01 نوفمبر 2024
سيرة واحدة هي سيرة كل النساء
في روايتها "عشر نساء" (مؤسسة قطر للنشر، بلومزبري، ترجمة صالح علماني، 2013)، تقدّم الكاتبة التشيلية، مارثيلا سيرانو، قصص حياة تسع نساء يخضعن للتحليل النفسي لدى محللة نفسية، تدعوهن إلى الإقامة في مكان خارج سانتياغو، لكي يسردن قصص حياتهن، في محاولةٍ لجعلهن يخرجن عن الصمت الذي غلف حياتهن، وجعل منها معاناةً ومكابداتٍ يومية، كان لا بد معها من اللجوء إلى العلاج النفسي للتخفّف من الثقل الوجداني الداخلي لكل امرأة منهن. النساء التسع ينتمين إلى شرائح متعددة ومختلفة من المجتمع التشيلي، ومن شرائح عمرية مختلفة، يعملن بمهن مختلفة، لكل منهن حياة لا تشبه حياة الأخرى بشيء، غير أن ثمّة رابطاً ما يجمع تلك القصص المتفرقة والفردية، ليس هو حبكة تلتقي عندها قصص النساء، فالرواية لا تقدم تقاطعات سردية لحكاياتهن في النهاية، بل تترك قصة كل امرأةٍ منفردةً عن قصص الأخريات، حتى نصل إلى القصة العاشرة، وهي حياة المحللة نفسها.
الرابط يتضح هنا: مهما اختلفت حيوات النساء وبيئاتهن ومهنهن ومستوى ثقافتهن وتعليمهن، ثمّة ما هو مشترك بينهن جميعا، سواء كنّ في تشيلي، أو في أي مكان آخر من العالم، وخصوصا دول العالم الثالث، حيث النظم الاستبدادية السياسية تنتج نظما اجتماعية أشد استبداداً تطاول الجميع، لكن حصة المرأة فيها هي الأعلى دائما، وهو ما يجعل النساء في هذه المجتمعات يكابدن كل أنواع الضغط النفسي المصاحب للإحساس بالخوف من الاحتجاج أو الرفض، أو الخروج العلني عن سلطة المجتمع بأشكالها المتعددة.
نساء مارثيلا سيرانو العشر هن جزء من هذا السياق، على الرغم من اختلافهن، إلا أنهن عشن حيواتهن تحت ظل الخوف، من العائلة، من المجتمع، من المرض، من العوز، من التقدّم في العمر، من ارتكاب الأخطاء، مع أنهن جميعا اعترفن، في سرد قصصهن، أنهن كن يستمتعن بارتكاب ما يسمى اجتماعياً: أخطاء. هذه الأخطاء التي جعلت من حيواتهن سلسلةً من الانحناءات والتعرّجات والحفر والشوائب والندوب التي خلفتها ما تعرّضن له من جراح وأذى نفسي بالغ. هن نساء مشدودات إلى الأرض، وإلى ترابها بقوة، حقيقيات إلى حد أنك وأنت تقرأ يمكنك أن تشم روائحهن، وتلمح النزق في نظراتهن، وتسمعه في نبرات أصواتهن، نساء خارجات عن مساحات المساطر وغرف التعقيم والقفازات البيضاء، نساء يمكن لأيّ أنثى أن تجد نفسها في واحدة منهن أو فيهن جميعا.
قصصهن هي قصصنا، وحيواتهن هي حيواتنا، نحن اللواتي نرغب في أن نتخلص من كل ما يقف عائقا أمام تقدّم حياتنا كما نشتهي، وأمام إحساسنا بحريتنا. الحرية الكفيلة بجعلنا نفقد الخوف من الوحدة، إذ إن أكثر ما يخيف النساء هو الوحدة. في مجتمعاتنا ترتبط الوحدة بالتقدّم في السن، متى ما تقدّمت المرأة بالسن، وبدأت علائم الزمن تظهر على جسدها ووجهها. تصبح امرأة غير مرغوبة، حتى من زوجها إن كانت متزوجة، ولن تجد شريكا إن كانت غير مرتبطة. الرجال في مجتمعاتنا يفضلن الشابات، ذوات الأجساد البضّة، حتى لو كان الرجل عجوزا ومترهلا، سيبحث عن شريكةٍ شابة، تخاف المرأة من هذه الوحدة الاجتماعية التي تتحول إلى وحدة وعزلة نفسية، ستتسبب لها باكتئاباتٍ متواصلة. هذا الخوف يجعلها أحيانا تبتذل نفسها، حتى تصل إلى حد كرهها الشديد نفسها، واعتبارها أنها لا تستحق أفضل مما هي عليه، فقدانها ثقتها بنفسها، أنثى وإنسانة، يجعل من خطئها الطبيعي في تجارب الحياة كارثةً لا يمكنها التخلص منها، فتغرق في دوائر من كوارث متتالية، تزيد من إحساسها بالكآبة والعزلة والوحشة، وتمنعها من الاستمتاع بأخطائها، فأخطاءٌ كهذه، يمكنها أن تسعد امرأةً تمتلك التحكم بحياتها وباستقلاليتها. وبالتالي، تمتلك التحكّم بمساحات وحدتها وأقفالها. هل نحتاج جميعا، نحن نساء هذه المجتمعات، اللجوء للتحليل النفسي، لنتمكّن من الحديث عن مخاوفنا وهواجسنا علناً، وعن الحديث عن أخطائنا ورغباتنا واحتياجاتنا الجسدية والنفسية من دون الخوف من تقييم الآخرين لنا، حتى لو كان التقييم إيجابيا؟ ففي التقييم الإيجابي على سلوك ما ثمّة وصاية، ما نحتاجه، نحن النساء أولا، هو التخلص من كل أنواع الوصاية.
الرابط يتضح هنا: مهما اختلفت حيوات النساء وبيئاتهن ومهنهن ومستوى ثقافتهن وتعليمهن، ثمّة ما هو مشترك بينهن جميعا، سواء كنّ في تشيلي، أو في أي مكان آخر من العالم، وخصوصا دول العالم الثالث، حيث النظم الاستبدادية السياسية تنتج نظما اجتماعية أشد استبداداً تطاول الجميع، لكن حصة المرأة فيها هي الأعلى دائما، وهو ما يجعل النساء في هذه المجتمعات يكابدن كل أنواع الضغط النفسي المصاحب للإحساس بالخوف من الاحتجاج أو الرفض، أو الخروج العلني عن سلطة المجتمع بأشكالها المتعددة.
نساء مارثيلا سيرانو العشر هن جزء من هذا السياق، على الرغم من اختلافهن، إلا أنهن عشن حيواتهن تحت ظل الخوف، من العائلة، من المجتمع، من المرض، من العوز، من التقدّم في العمر، من ارتكاب الأخطاء، مع أنهن جميعا اعترفن، في سرد قصصهن، أنهن كن يستمتعن بارتكاب ما يسمى اجتماعياً: أخطاء. هذه الأخطاء التي جعلت من حيواتهن سلسلةً من الانحناءات والتعرّجات والحفر والشوائب والندوب التي خلفتها ما تعرّضن له من جراح وأذى نفسي بالغ. هن نساء مشدودات إلى الأرض، وإلى ترابها بقوة، حقيقيات إلى حد أنك وأنت تقرأ يمكنك أن تشم روائحهن، وتلمح النزق في نظراتهن، وتسمعه في نبرات أصواتهن، نساء خارجات عن مساحات المساطر وغرف التعقيم والقفازات البيضاء، نساء يمكن لأيّ أنثى أن تجد نفسها في واحدة منهن أو فيهن جميعا.
قصصهن هي قصصنا، وحيواتهن هي حيواتنا، نحن اللواتي نرغب في أن نتخلص من كل ما يقف عائقا أمام تقدّم حياتنا كما نشتهي، وأمام إحساسنا بحريتنا. الحرية الكفيلة بجعلنا نفقد الخوف من الوحدة، إذ إن أكثر ما يخيف النساء هو الوحدة. في مجتمعاتنا ترتبط الوحدة بالتقدّم في السن، متى ما تقدّمت المرأة بالسن، وبدأت علائم الزمن تظهر على جسدها ووجهها. تصبح امرأة غير مرغوبة، حتى من زوجها إن كانت متزوجة، ولن تجد شريكا إن كانت غير مرتبطة. الرجال في مجتمعاتنا يفضلن الشابات، ذوات الأجساد البضّة، حتى لو كان الرجل عجوزا ومترهلا، سيبحث عن شريكةٍ شابة، تخاف المرأة من هذه الوحدة الاجتماعية التي تتحول إلى وحدة وعزلة نفسية، ستتسبب لها باكتئاباتٍ متواصلة. هذا الخوف يجعلها أحيانا تبتذل نفسها، حتى تصل إلى حد كرهها الشديد نفسها، واعتبارها أنها لا تستحق أفضل مما هي عليه، فقدانها ثقتها بنفسها، أنثى وإنسانة، يجعل من خطئها الطبيعي في تجارب الحياة كارثةً لا يمكنها التخلص منها، فتغرق في دوائر من كوارث متتالية، تزيد من إحساسها بالكآبة والعزلة والوحشة، وتمنعها من الاستمتاع بأخطائها، فأخطاءٌ كهذه، يمكنها أن تسعد امرأةً تمتلك التحكم بحياتها وباستقلاليتها. وبالتالي، تمتلك التحكّم بمساحات وحدتها وأقفالها. هل نحتاج جميعا، نحن نساء هذه المجتمعات، اللجوء للتحليل النفسي، لنتمكّن من الحديث عن مخاوفنا وهواجسنا علناً، وعن الحديث عن أخطائنا ورغباتنا واحتياجاتنا الجسدية والنفسية من دون الخوف من تقييم الآخرين لنا، حتى لو كان التقييم إيجابيا؟ ففي التقييم الإيجابي على سلوك ما ثمّة وصاية، ما نحتاجه، نحن النساء أولا، هو التخلص من كل أنواع الوصاية.