أكراد العراق والانفصال المرتقب

13 يونيو 2017
+ الخط -
سيكون إقليم كردستان العراق على موعدٍ، يوم 25 سبتمبر/ أيلول المقبل، مع استفتاء تاريخي يحدّد به الشعب الكردي مصيره، بين البقاء مع عراق فيدرالي أو إعلان دولة كردية مستقلة.
يعود طموح الأكراد في المنطقة برؤية دولة لهم إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى، يوم أن تقاسمت الدول الكبرى، بريطانيا وفرنسا، تركة الخلافة العثمانية، فصنعوا دولاً ووضعوا حدوداً وفواصل بين أبناء الشعب الواحد، غير أن الأكراد لم يسمح لهم بتكوين دولتهم، فتم توزيعهم على أربع دول، العراق وسورية وتركيا وإيران، من دون أن يعرفوا هم، وليس غيرهم، مسوغ هذا التوزيع للأكراد بين الدول الأربع. وتحول الأكراد إلى ما يشبه القنبلة البشرية الموقوتة القابلة للانفجار، من خلال وجودهم الجغرافي بين الدول الأربع، فبين سياسةٍ قمعيةٍ انتهجتها تركيا، بقمع أي مظهر كردي طوال ما يقارب المائة عام الماضية، قبل مجيء حكومة العدالة والتنمية، وسياسة تعريبٍ مارسها النظام السوري، مستخدما شتى أنواع الممارسات القمعية، وسياسة زئبقية مارسها النظام العراقي الذي خاض عدة حروب مع أكراد العراق، وصولا إلى سياسة قمعية إجرامية مارسها نظام طهران، من الشاه وصولا إلى حكم الملالي.
وجد الأكراد، في مرحلة ما بعد غزو العراق، فرصةً ليس للانفصال، وإنما لتحسين شروط بقائهم ضمن عراق فيدرالي، فشاركوا بقوةٍ وفعاليةٍ ضمن الحكومات التي ورثت عراق ما بعد الغزو الأميركي، شراكة كانت، في أحيانٍ كثيرة، شراكة تسعى من أجل أن يكون العراق لكل العراقيين، غير أن ورثة عراق ما بعد 2003 لم يكونوا إلا مجرد أدواتٍ بيد من يحرّكهم.
لعب رئيس الحكومة العراقية دورتين متتاليتين (ثمانية أعوام)، نوري المالكي، دورا كبيرا في ضياع العراق، فقد كرّس سياسة الفرد والرجل الواحد والديكتاتور، حتى فكّك العراق بكامله، فضاع ثلث العراق بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، وضاع الجزء الأكبر من البلاد بعد أن همش المالكي سنة العراق والأكراد، بل حتى شيعة العراق، حلفائه في التحالف الوطني.
اليوم وبعد سنوات من الضياع الذي مارسته حكومات عراق ما بعد 2003، بات الأكراد أمام خيارين لا ثالث لهما، إما شركاء في عراق فيدرالي يأخذ الكل فيه حقوقه بلا تهميش أو إقصاء أو إعلان دولة مستقلة، غير أن الطريق لا يبدو معبّدا بالورد، فأكراد العراق يعرفون اليوم أن
الوقت الذي تمر به المنطقة عصيب، وأن التجاذبات والصراعات التي تعصف بدول الإقليم تصعّب من مهمة اعلان الدولة الإسلامية، ناهيك عن أن تركيا أعلنتها، بصريح العبارة، أنها ترفض وجود دولة كردية على أراضيها، في حين رأت بغداد أن "أي قرار يخصّ مستقبل البلاد هو قرار عراقي، ولا يخص طرفاً دون غيره". وقال سعد الحديثي المتحدث باسم مكتب رئيس الوزراء العراقي "الدستور يمثل مرجعية قانونية وسياسية لتحديد العلاقة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان العراق"، وإن "أي قرار يخصّ مستقبل العراق يجب أن يراعي النصوص الدستورية".
وسط هذا الموج المتلاطم من الأزمات والمواقف والتباينات، فإن الأكراد ربما لا يمضون بعيدا في ملف الانفصال عن العراق، حيث من المتوقع أن يكون الاستفتاء فرصةً لهم لإضافة ورقة أخرى إلى أوراقهم على ملف التفاوض مع بغداد.
يريد أكراد العراق أن يكونوا شركاء في العراق وليسوا تابعين، كما هو مطلب السنة، ولعل بغداد تدرك جيدا أن الانفصال لا يمكن أن يكون رغبة كردية مجمعاً عليها، فجزء من الأحزاب الكردية رفض إجراء الاستفتاء في هذا التوقيت.
ولكن، هل يمكن أن يقود الاستفتاء إلى انفصال فعلا، وهل يمكن أن يؤدي إلى حربٍ مع بغداد؟ لا يبدو ذلك ممكنا، أو على الأقل لا يبدو ذلك مطلوبا، فأكراد العراق، ممثلين برئيس الإقليم مسعود البارزاني، يعرفون أن الوقت ليس وقت حرب، فهم عقلانيون، يزاولون السياسة ويعرفون دهاليزها، وبالتالي، إن قرّروا الانفصال، فانهم سيبحثون عن انفصال بالتنسيق مع بغداد.
مرة أخرى، نؤكد أن الاستفتاء سيكون ورقة ضغط بيد الساسة الكرد أمام الحكومة العراقية التي ستشكل عقب انتخابات 2018، فإما شراكة حقيقية أو انفصال بتراض، وإذا ما وقع الانفصال، بالتراضي أو بغيره، فسيفتح ذلك الباب واسعا أمام كيانات عراقية أخرى، مستاءة من ممارسات حكومة بغداد، ومنهم العرب السنة الذين إذا ما قرّر الأكراد الانفصال فعلا، فإن سنة العراق بالتأكيد سيطالبون بإقليم ذي صلاحيات واسعة، على شاكلة ما هو قائم في كردستان العراق.
العراق أمام فرصة أخيرة ليبقى واحدا موحّدا، وتتمثل هذه الفرصة بترميم حكومة بغداد بيتها الداخلي، واستعادتها ثقة المكونات العراقية المختلفة، سنة وشيعة وأكرادا وأقليات أخرى، وبغير ذلك فوداعا للعراق.
(كاتب وإعلامي عراقي)
96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...