06 أكتوبر 2024
أزمة الخليج وتصفية الحساب في تونس
ما أن اتخذت الأزمة بين قطر وجيرانها منعرجا غير مسبوقٍ في تاريخ العلاقات الخليجية، حتى سارع بعضهم في تونس إلى التعبير عن مواقف تحمل كثيراً من التشفّي وسوء التقدير، وترتقي أحيانا إلى درجة التهديد المباشر للمصالح الاستراتيجية التونسية. وفجأة انتصبت سوق سوداء، استعرض بعضهم فيها بضاعةً رديئة في الغالب، حيث تبادل جزء من "المثقفين" اتهامات العمالة والارتزاق من هذه الدولة الخليجية أو تلك. أما السياسيون فقد أصاب بعضهم أيضا الداء نفسه، وظنوا أن التوقيت مناسبٌ للقضاء نهائيا على خصومهم، عساهم أن يرثوا مواقعهم في بلدٍ لا يزال ينزف.
شيء مؤسف ومخجل، ولا يليق بنخبة حملتها المصادفات مسؤولية إدارة مرحلة انتقالية في بلدٍ أكرمه العالم، بعد نجاحه في إنهاء حكم مستبد. معظم الأخبار المتناقلة حاليا بين الناس مشكوكٌ في صحتها، وهي أقرب إلى حرب الإشاعات والروايات المفبركة. ومع ذلك، بقي هناك قدر من العقلانية، سمح إلى الآن بإدارة هادئة لهذا الملف الحساس والمعقد، فالأزمة الخليجية الجديدة حدثت في ظرف تحاول فيه الدبلوماسية التونسية إعادة ترتيب العلاقة مع جميع أعضاء مجلس التعاون الخليجي، وفق منهجية ترتكز على تجنب المحاور وعدم التدخل في شؤون الدول. وعلى الرغم من أن درجة التجاوب تفاوتت من دولة إلى أخرى، إلا أن الجهود التي بذلها رئيس الجمهورية لم تذهب سدى، حيث بقي الحبل ممدودا مع الجميع.
عندما صدرت حزمة القرارات الرهيبة ضد قطر، فوجئ صناع السياسة الخارجية التونسية، لكنهم حافظوا على هدوئهم، ولم يخضعوا للدعوات المتوترة والعدائية التي أطلقها بعضهم في الداخل، وتحمل قدرا عاليا من التحريض، وعدم إدراك أهمية الكلمات في حالات التأزم وخلط الأوراق. لم يتساءل هؤلاء عن مصلحة تونس والتونسيين، وذهب بهم الظن إلى أن الفرصة أصبحت سانحةً للتخلص من خصم سياسي عنيد في الداخل، ممثلا في حركة النهضة، ونسوا أن تونس أكبر من "النهضة" ومقدَّمة عليها. وبدل الدفع نحو تعميق الوحدة الوطنية، تجري حاليا الدعوة إلى انقسام جديد. لم يستحضر هؤلاء، تحت تأثير الانفعال، أنه ليس من مصلحة تونس التضحية بشريك مهم، لا يمكن إنكار وقوفه إلى جانب التونسيين في هذا الظرف الصعب، ولم يرد طلبا، ولم يتأثر بغبار المعارك المحلية للسياسيين والمثقفين والإعلاميين. كما أن من مصلحة تونس أيضا تطوير العلاقات مع السعودية والإمارات.
لم يتساءل هؤلاء عن مصير حوالي ثلاثين ألف تونسي يعملون في قطر، بعد أن قيل في شأنهم ما لا يجوز. كما نسوا أن قصر النظر في عالم السياسة، والتسرّع في ردود الفعل غالبا ما تكون كلفته قاسية على أصحابه وعلى الوطن، فالمتنازعون في المنطقة ليسوا سوى أسرة كبيرة، لها تقاليدها وقيمها، والخلافات السابقة سوّيت في لحظة رشد وصفاء، لتستعيد العلاقات حيويتها الطبيعية. وبالتالي، من يتدخل في الخصومة بين الأشقاء بشكل فج وانتهازي، سيجد نفسه بعد فضّ النزاع ورتق الجراح منبوذا من الجميع، وفاقدا المصداقية ولا يوثق فيه مستقبلا. نعم للقيام بمساع حميدة، فإن لم نستطع، علينا تجنب تأجيج الخلافات وتوسيعها.
تكمن مشكلة بعضهم، في رهانهم المتضخم على الإدارة الأميركية الجديدة، بدل التريث للتأكد من الاتجاه النهائي لحركة الرياح التي يمكن أن تتحوّل بتدخل عوامل عديدة، فمن القصور السياسي وضع البيض كله في كفةٍ واحدة، فذلك مؤشرٌ على خللٍ في آلية التفكير والتحليل والاستنتاج. وبدل أن يجد ترامب نفسه وحيدا في مأزقٍ سياسيٍّ محتمل، فإنه قد يجرّ وراءه من اصطفوا وراء اختياراته، ويلقي بهم في فم التمساح، وعندها يصعب عليهم التراجع إلى الخلف، بعد انقطاع خط الرجعة. نصيحة لمن يقبلوها، تأملوا دروس الماضي، وتابعوا بعنايةٍ ما يجري إقليميا وأوروبيا، وحتى داخل الولايات المتحدة، وعندها قد تصحّحون مواقفكم، وتعطون الأولوية لمصالح تونس العليا، فهي البوصلة الصحيحة لكل من يبحث عن اليقين.
شيء مؤسف ومخجل، ولا يليق بنخبة حملتها المصادفات مسؤولية إدارة مرحلة انتقالية في بلدٍ أكرمه العالم، بعد نجاحه في إنهاء حكم مستبد. معظم الأخبار المتناقلة حاليا بين الناس مشكوكٌ في صحتها، وهي أقرب إلى حرب الإشاعات والروايات المفبركة. ومع ذلك، بقي هناك قدر من العقلانية، سمح إلى الآن بإدارة هادئة لهذا الملف الحساس والمعقد، فالأزمة الخليجية الجديدة حدثت في ظرف تحاول فيه الدبلوماسية التونسية إعادة ترتيب العلاقة مع جميع أعضاء مجلس التعاون الخليجي، وفق منهجية ترتكز على تجنب المحاور وعدم التدخل في شؤون الدول. وعلى الرغم من أن درجة التجاوب تفاوتت من دولة إلى أخرى، إلا أن الجهود التي بذلها رئيس الجمهورية لم تذهب سدى، حيث بقي الحبل ممدودا مع الجميع.
عندما صدرت حزمة القرارات الرهيبة ضد قطر، فوجئ صناع السياسة الخارجية التونسية، لكنهم حافظوا على هدوئهم، ولم يخضعوا للدعوات المتوترة والعدائية التي أطلقها بعضهم في الداخل، وتحمل قدرا عاليا من التحريض، وعدم إدراك أهمية الكلمات في حالات التأزم وخلط الأوراق. لم يتساءل هؤلاء عن مصلحة تونس والتونسيين، وذهب بهم الظن إلى أن الفرصة أصبحت سانحةً للتخلص من خصم سياسي عنيد في الداخل، ممثلا في حركة النهضة، ونسوا أن تونس أكبر من "النهضة" ومقدَّمة عليها. وبدل الدفع نحو تعميق الوحدة الوطنية، تجري حاليا الدعوة إلى انقسام جديد. لم يستحضر هؤلاء، تحت تأثير الانفعال، أنه ليس من مصلحة تونس التضحية بشريك مهم، لا يمكن إنكار وقوفه إلى جانب التونسيين في هذا الظرف الصعب، ولم يرد طلبا، ولم يتأثر بغبار المعارك المحلية للسياسيين والمثقفين والإعلاميين. كما أن من مصلحة تونس أيضا تطوير العلاقات مع السعودية والإمارات.
لم يتساءل هؤلاء عن مصير حوالي ثلاثين ألف تونسي يعملون في قطر، بعد أن قيل في شأنهم ما لا يجوز. كما نسوا أن قصر النظر في عالم السياسة، والتسرّع في ردود الفعل غالبا ما تكون كلفته قاسية على أصحابه وعلى الوطن، فالمتنازعون في المنطقة ليسوا سوى أسرة كبيرة، لها تقاليدها وقيمها، والخلافات السابقة سوّيت في لحظة رشد وصفاء، لتستعيد العلاقات حيويتها الطبيعية. وبالتالي، من يتدخل في الخصومة بين الأشقاء بشكل فج وانتهازي، سيجد نفسه بعد فضّ النزاع ورتق الجراح منبوذا من الجميع، وفاقدا المصداقية ولا يوثق فيه مستقبلا. نعم للقيام بمساع حميدة، فإن لم نستطع، علينا تجنب تأجيج الخلافات وتوسيعها.
تكمن مشكلة بعضهم، في رهانهم المتضخم على الإدارة الأميركية الجديدة، بدل التريث للتأكد من الاتجاه النهائي لحركة الرياح التي يمكن أن تتحوّل بتدخل عوامل عديدة، فمن القصور السياسي وضع البيض كله في كفةٍ واحدة، فذلك مؤشرٌ على خللٍ في آلية التفكير والتحليل والاستنتاج. وبدل أن يجد ترامب نفسه وحيدا في مأزقٍ سياسيٍّ محتمل، فإنه قد يجرّ وراءه من اصطفوا وراء اختياراته، ويلقي بهم في فم التمساح، وعندها يصعب عليهم التراجع إلى الخلف، بعد انقطاع خط الرجعة. نصيحة لمن يقبلوها، تأملوا دروس الماضي، وتابعوا بعنايةٍ ما يجري إقليميا وأوروبيا، وحتى داخل الولايات المتحدة، وعندها قد تصحّحون مواقفكم، وتعطون الأولوية لمصالح تونس العليا، فهي البوصلة الصحيحة لكل من يبحث عن اليقين.