من يضمن عدم رئاسة لوبان فرنسا في 2023؟

03 مايو 2017

ماريان لوبان.. هل تحقق ما لم يحققه والدها؟ (1/5/2017/Getty)

+ الخط -
تعطي استطلاعات الرأي الفرنسية مرشحة أقصى اليمين في الانتخابات الرئاسية، مارين لوبان، 40% من الأصوات في مقابل 60% لمنافسها إيمانويل ماكرون. وتقول كل المؤشرات إن احتمالات فوزها في الجولة الثانية من الرئاسة يوم 7 مايو/ أيار الحالي شبه معدومة.
جوهر القضية ليس في خسارة مارين لوبان أو ربحها، بل في نسبة الـ 40% التي يمكن أن تحصل عليها في هذه الانتخابات، وفي المرات المقبلة. قبل خمس عشرة سنة، حل والد مارين، جان ماري لوبان، ثانياً في الدورة الأولى من انتخابات الرئاسة لسنة 2002 خلف جاك شيراك، مقصياً بذلك المرشح الاشتراكي ليونيل جوسبان، وانتقل بذلك إلى الدورة الثانية. بيد أن حركة شعبية كاسحة للدفاع عن القيم الجمهورية الثابتة اجتاحت الشارع الديمقراطي، ما أعطى شيراك أكثر من 80% من الأصوات، وهي نسبة قياسية غير مسبوقة في الديموقراطيات الغربية، وترك جان ماري لوبان بأقل من 20% منها. وكان ذلك مؤشرا على رفض الأغلبية الساحقة من الفرنسيين الفكر القومي، الشعبوي، المنغلق، الكاره للآخرين.
طبعا كان ذلك جاك شيراك، العملاق الديغولي، السياسي المحنّك والمثقف المرهف والمتمتع بكاريزما لم تضاهِها إلا كاريزما ديغول، والاشتراكي فرانسوا ميتيران. في المقابل، لدينا اليوم ماكرون، التلميذ المجتهد في جامعة باريس نانتير، ثم معهد الدراسات السياسية في باريس، ورجل العائلة الدمث المتزوج من معلمته السابقة التي تكبره أربعاً وعشرين سنة. شاب مجتهد ومثابر، عمل أمينا عاما لرئاسة الجمهورية، ثم وزيرا للاقتصاد والصناعة. يصفه بعضهم بأنه ليبرالي اجتماعي، ويصفه آخرون بأنه ديموقراطي اشتراكي. باختصار، لا يمكن المقارنة بين خصم جان ماري في 2002 وخصم مارين في 2017.
ولكن، ليس هذا كل شيء، فبين العامين المذكورين، جرت مياه كثيرة تحت الجسر. ففي
2003 أطاحت قوات التحالف الدولي نظام صدام حسين في العراق، واستغل بشار الأسد وغيره ذلك لإرسال آلاف المجاهدين إلى العراق، ليرتكبوا المجازر والعمليات الانتحارية، وصعد نجم القاعدة إلى حد كبير، ثم قام الربيع العربي بكل حسناته ومثالبه، وولد تنظيم داعش الذي انتقل إلى أوروبا والعالم، ووقعت مجزرة شارل إيبدو، ثم هجوم باريس الكبير، ومجزرة نيس. واشتد الخلاف بين باريس وضواحيها، وتعمّق الخوف من الأجانب إلى حد غير مسبوق.
ستستخدم مارين لوبان ذلك كله بذكاء وحنكة، وستؤلب قسماً كبيراً من الفرنسيين الذين باتوا يفتقدون الأمان في بلدهم، بسبب الخوف من عملية إرهابية جديدة، تقضي عليهم، بينما هم يتسوّقون أو يتنزهون أو يشاهدون فيلما في صالة السينما. وكما أن لدينا اليوم ماكرون بدل شيراك، فإن لدينا مارين بدل جان ماري. والبنت أكثر براغماتية من أبيها، وأشد ذكاء وأقدر على إخفاء بعض أهدافها. ومعروف أن مارين كانت قد علقت نشاطها في الحزب المتطرّف سنة 2005 إثر تصريح والدها إن الاحتلال الألماني في فرنسا "لم يكن بتلك اللاإنسانية حتى وإن صدرت أخطاء لا يمكن اجتنابها". وتحاول الابنة تحسين صورة الحزب، بعدما ارتبط في الأذهان برهاب الأجانب في الفترة التمهيدية لحملتها الانتخابية.
ولكن المسألة ليست هنا فحسب، فهناك الصعود العالمي للتطرّف الشعبوي في الولايات المتحدة وبريطانيا، ففي الولايات المتحدة جاء الفوز المفاجئ لشخصٍ شبه أميّ، كارهٍ للأجانب والنساء والمسلمين برئاسة القوة العظمى الأولى في العالم، ليشجع تطلعات اليمين المتطرّف في كل مكان. وسبق ذلك وصول سيدة تحاول التشبه بمارغريت تاتشر في بريطانيا، قادت عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لتغلق عليها الأبواب، وتعيش في حنينٍ إلى عالم ما قبل العولمة.
هذا المد الشعبوي العالمي، المدعوم بغضب شعبي أصيل من المؤسسات الحاكمة في الدول
الديمقراطية الكبرى، بسبب فشلها في إصلاح الاقتصاد وتخفيض نسبة البطالة وتخفيف شراسة النيوليبرالية المتوحشة، سوف يعطي مارين لوين حظا أفضل بكثير من حظ أبيها قبل خمس عشرة سنة.
وسيزيد من هذا الحظ احتمال تقاعس الفرنسيين عن النزول إلى صناديق الاقتراع يوم 7 مايو/ أيار الحالي، إما لتأكدّهم من أن ماكرون سيفوز على كل حال، أو تعبيرا عن الشعور بالمرارة من وصول ماكرون إلى النهائيات الرئاسية، وهو شعور تولد خصوصا لدى المرشح الاشتراكي ومناصريه. وكان سياسيون محترفون من كل التوجهات قد قابلوا ماكرون، حين بدأ حملته الانتخابية ببعض الازدراء، لأنه لم يسبق أن تولى أي منصبٍ منتخبٍ، ولكنه خالف توقعات كل الذين اعتبروه مجرّد "فورة" إعلامية.
وإذن، على الأرجح لن تفوز مارين لوبان هذه المرة، بيد أن نسبة 40% (إن صحت) ستكون مؤشرا كبيرا على السخط الشعبي الكبير للفرنسيين العاديين من المؤسسة السياسية عموما. ويبقى الخوف من انتخابات 2023 التي يمكن ألا تسلم فيها الجرّة، كما سلمت هذه المرة.
ومع ذلك، من يدري؟ ربما يفاجئنا الفرنسيون بعد أيام بما يخالف كل توقعاتنا، فتأتي النتائج بفارق تاريخي كبير لصالح ماكرون، كما حدث في 2002. لا أحد يمكن أن يجزم اليوم.
دلالات
8B0BB846-CF42-461B-9863-1B914FC64782
8B0BB846-CF42-461B-9863-1B914FC64782
وائل السواح

باحث سوري في قضايا المجتمع المدني وحقوق الإنسان. عضو في المكتب التنفيذي لرابطة الكتاب السوريين ورئيس تحرير موقع "سيريان أبزرفر" ومسؤول تحرير في موقع الأوان.

وائل السواح