تقرير مراقب الدولة الإسرائيلي

09 مارس 2017
+ الخط -
بعد نشر التقرير النهائي لمراقب عام دولة الاحتلال الإسرائيلي النهائي، بما يتعلّق بأداء الحكومة والجيش الإسرائيلي في أثناء الحرب على غزة 2014، وما واكبه من تراشقٍ للاتهامات وتقاذف بمسؤوليات الفشل بين قادة الكيان، وحرص الجميع على التنصل من تحمل هذا الفشل، تمّ طرح سؤال حول ماهية تأثير هذا التقرير على قرار الحرب أو السلم على غزة من الحكومة الإسرائيلية؟
على مستوى الحليف الأهم، الولايات المتحدة الأميركية، لأول مرّة منذ ثمانية أعوام، تحظى إسرائيل برئيس أميركي في البيت الأبيض، لا يعتبر صديقاً لإسرائيل فقط، بل صديق لليمين الاستيطاني فيها، والذي حسب العقلية الإسرائيلية لا بد من اختبار صداقته بطرق عملية، كان أولها مدى تصميم إدارته على حل الدولتين، ولن يكون آخرها مدى قدرته لتقبّل أيّ عملية عسكرية إسرائيلية، وإمكانية إعطائها غطاءً دولياً، وخصوصا بعد الضربة الدبلوماسية التي وجهتها الإدارة الأميركية المنصرفة برئاسة باراك أوباما بعدم استخدام حق نقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد قرار مجلس الأمن 2334 الخاص بعدم شرعية الاستيطان، والتي كانت تكليلاً لعلاقة متوترة بين أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
على المستوى الداخلي، هناك تتداخل الصور وتتوّزع على مستويات عديدة من اتخاذ قرار الحرب والسلم في إسرائيل، بدءاً من رأس هرم النظام السياسي الإسرائيلي، المتمثل بنتياهو والمسؤول الأول عن اتخاذ القرارات الحاسمة، هذا الرئيس الذي يعيش أسوأ فترات حياته السياسية، حيث الإمكانية المتزايدة، يوماً بعد آخر، لتقديم لائحة اتهام ضده، قد تنهي مستقبله السياسي. وفي ظلّ هذه الأزمات، يأتي تقرير مراقب عام الدولة لضرب صورته رجل الأمن الأول في إسرائيل، وحامي حماها، هذه الصورة التي تعتبر ركنا أساسيا في حملاته الانتخابية.
وفي السياق نفسه، يأتي التنافس حامي الوطيس داخل اليمين الإسرائيلي على وراثة نتنياهو، والمعركة المُستَعرة بين أقطابه، وفي مقدمتهم نفتالي بنت، زعيم حزب "البيت اليهودي" ووزير التعليم، والشريك الائتلافي المشاكس داخل الحكومة، الباحث عن فرصة لإظهار قدراته العسكرية القيادية، ليضيفها لاستمارة ترشحه لرئاسة الوزراء، وخصوصا أنّه الذي دق ناقوس خطر الأنفاق قبل الحرب وفي أثنائها، ولم يوّجه له التقرير أي لوم بل بالعكس .
وزير الحرب ليبرمان الذي يعاني من فقدان السيرة العسكرية التي أثارت الشكوك بقدرته لتولي هذا المنصب، يسعى إلى إثبات إمكاناته وزير دفاع جيد، يستطيع إنجاز ما لم يقم به دهاقلة العسكر في إسرائيل، من أمثال إيهود باراك وبوجي يعلون، وهذا يصب في فرصه للتنافس على خلافة نتنياهو.
أما القادم الجديد على السباق وزير المواصلات، يسرائيل كاتس، واحد من أهم أركان حزب الليكود، والباحث عن الأضواء من خلال تسعير المجتمع الإسرائيلي ضد غزة، ليخفي فشله وزيراً لشؤون الاستخبارات الأمنية في أثناء الحرب، والذي طاله انتقاد المراقب، فهؤلاء الثلاثة هم من الأعضاء المؤثرين في الحكومة الإسرائيلية، والدائرة الأهم باتخاذ قرار الحرب والسلم.
على مستوى المؤسسة العسكرية، جيش الاحتلال الإسرائيلي صاحب مصلحة واضحة بتحسين هيئته أمام الجمهور الإسرائيلي، وخصوصا بعد التقرير الذي يمكن نعته بإعلان الفشل للجيش بحرب 2014، وليس فقط في موضوع معالجة أنفاق غزة، ولكن على مستويات عدّة، أقلّها عدم الجهوزية المناسبة لتلك الحرب، ناهيك عن الحملة التي طالت سمعة الجيش وقادته من اليمين الإسرائيلي في موضوع الجندي ألون أزاريا الذي قتل الشهيد عبد الفتاح الشريف في الخليل، وما صاحبها من ضرب أهم مسلمة داخل المجتمع الإسرائيلي، المتمثلة بالإجماع شبه التام على شرعية الجيش ممثلا للكل اليهودي الصهيوني والحامي لمشروعه.
أضف إلى ذلك، الانجازات التكنولوجية للمشروع العسكري الخاص بمحاربة الأنفاق "القبة الحديدة الأرضية" والتي سُرّب عن بعضها أخيرا، والميزانيات الهائلة التي ضخت بها بعد حرب 2014، هذه المنظومة تحتاج للفحص والاختبار وقياس مدى نجاعتها في التعامل مع أنفاق المقاومة في غزة، أو حتى في تسويق هذه المنظومة التكنولوجية الجديدة لدول العالم.
وفي المستوى نفسه، هناك الحاجة الماسة لتقييم خطة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، جادي ايزن كوت، الهادفة إلى رفع أداء الجيش، وخصوصا جنود الاحتياط فيه، والتي كانت شغله الشاغل طوال فترة توليه منصبه (شارفت على الانتهاء)، خصوصا أنّها تدخل في سياق الإعداد لأي مواجهة مقبلة مع حزب الله في الشمال.
يشي المشهد السياسي والعسكري في إسرائيل باحتمالية قيام عملية عسكرية إسرائيلية محدودة تستهدف الأنفاق، وبعض الأسلحة النوعية لدى المقاومة وكوادرها تحت نظرية "جز العشب"، مع الأخذ بالاعتبار أنّ ضرب هذه الأهداف لا تُسهم في إطالة زمن الحرب، أو فرص الفشل العسكري.
ولكن، يبقى العامل الأهم في المعادلة، والذي يمكن أن يغيّر تلك القراءة، هو الخوف الإسرائيلي من مفاجآت المقاومة التي لا تتوقعها إسرائيل، والتي قد تكون المسمار الأخير في نعش سياسيين وعسكريين كثيرين داخل إسرائيل، وفي مقدمتهم نتنياهو نفسه.
A2D46FB4-C7A1-4D15-BE21-E09B25E4B84D
A2D46FB4-C7A1-4D15-BE21-E09B25E4B84D
حسن لافي (فلسطين)
حسن لافي (فلسطين)