31 مايو 2017
عن جريمة اغتيال الشهيد مازن فقها
حسن لافي (فلسطين)
سياسة الصمت وعدم تحمل المسؤولية من المستفيد الأول والأخير من عملية اغتيال الشهيد مازن الفقها، وما واكبه من أسلوب الإعلام الإسرائيلي المعتاد في مثل هذه العمليات، أمر ليس جديداً، حيث تغطية الحدث تبدأ بناءً على تقارير أجنبية أو مصادر فلسطينية، تتحدث أنّ إسرائيل تقف وراء هذه العملية من دون تأكيد ذلك، ولكن من دون النفي أيضاً، وهو الأهم، لكي يصل التشويق المرافق للاغتيال ذروته، وبذلك تكتمل الهالة المحيطة بأجهزة الأمن الإسرائيلية، لكي يضاف هدف جديد لعملية الاغتيال، وهو تكريس قوة الردع النفسية لدى الفلسطينيين بشكل عام، ولدى المقاومة بشكل خاص.
ومن ثم تنتقل وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى مرحلة التحليلات بالحديث عن: لماذا يجب أن يقتل مازن فقها؟ من خلال سرد لسيرته النضالية، وأنّه يقف وراء مقتل عشرة صهاينة في عملية صفد عام 2002، وأنّه أحد قادة كتائب عز الدين القسام المسؤولين عن قيادة القسام في الضفة من خلال مكتب الضفة الغربية، والمخطّط لعشرات العمليات في عيد الفصح المقبل حسب تصريحات رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي.
هذا الحديث على الرغم من صحة الكثير منه، إلا أنّه يأتي في سياق تضخيم قوة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، والتأكيد على سياسة اليد الطولى القادرة على تصفية الحسابات مع أي شخص يمسّ أمن إسرائيل، مهما طال الزمان، وفي أي مكان جغرافي، وخصوصا في غزة التي هي عنوان فشل لهذه الأجهزة، حيث على مدار فترة اختطاف الجندي الإسرائيلي، جلعاد شاليط، أذاقتهم مرارة العجز الاستخباراتي، والذي أرغمهم على صفقة وفاء الأحرار، والتي تكلّلت بتلك الصورة للشهيد أحمد الجعبري، وهو يُمسك بشاليط من كتفه، ويقوده صاغراً، ليُسلّمه للوسيط المصري. هذه اللقطة التلفزيونية التي وقف عندها محللون إسرائيليون، واعتبروها ضربة قوية لهيبة الأمن الإسرائيلي، وكسر لكبريائه الاستخباراتي، زعزعت الروح المعنوية لدى المجتمع الصهيوني، وفي الوقت نفسه، زادت من قناعة الفلسطينيين والعرب، أنّ نظرية "البطل الخارق" التي تدّعيها أجهزة الأمن الاسرائيلي، ما هي إلا أسطورة.
وعند البحث عن جذور هذا الأسلوب الإعلامي المواكب عمليات الاغتيال أو حتى العمليات الخاصة، سواء للأجهزة الأمنية الإسرائيلية، أو حتى لجيش الاحتلال الصهيوني، نجده مرتبط بمفهوم قوة الردع النفسية التي تبنتها إسرائيل عقيدة أمنية في مواجهة المحيط العربي، منذ تكلّم عنها زئيف جابوتينسكي بنظريته الجدار الحديدي، الهادفة إلى إيصال العرب إلى قناعة مفادها بأنّهم لا يملكون القدرة على مواجهة الكيان الصهيوني، ولا مفرّ من التسليم بوجوده، ككيان طبيعي على هذه البقعة من الأرض، ولكن الخطورة في تلك النظرية تكمن أنّ جدار جابوتينسكي الحديدي هو جدار افتراضي نفسي، يجب بناؤه داخل الوعي والقناعات العربية، وليس جداراً حقيقياً ملموساً على أرض الحقيقة والواقع.
إنّ قراءة عملية اغتيال الشهيد مازن فقها من زاوية عقيدة الردع النفسية الإسرائيلية، تحمل عدّة رسائل مهمة:
أولاً، هي لكلّ قادة المقاومة، وخصوصاً في غزة، مفادها بأنّ منظومتكم الأمنية غير قادرة على حمايتكم، وأنّكم لستم آمنين في غزة، وهنا تسعى دولة الكيان إلى زعزعة ثقة الشعب بالقدرة الأمنية للمقاومة على حماية وضبط أمن المجتمع الفلسطيني، على الرغم من النجاحات التي حقّقتها تلك المنظومة.
ثانياً، هي موجّهة لقيادة المقاومة، وخصوصا لقيادة حركة حماس الجديدة، والتي يقف في مقدمتها في غزة يحيى السنوار، بأنّ إسرائيل قادرة على تغيير معادلات الاشتباك متى شاءت، وتحت أيّة ظروف، وأنّها مستعدّة لكل السيناريوهات، حتى سيناريو الحرب لن يخيفهم، وأنّ معادلة وقف الاغتيالات في مقابل التهدئة التي فرضتها نتائج الحروب السابقة على غزة لن تلتزم بها إسرائيل، ما دام الحديث عن نقل المقاومة العسكرية إلى ساحة الضفة الغربية، وأنّ المقاومة في غزة يجب أن تبقى ضمن حيّزها الجغرافي، وأنّ أيّ شخص يحاول مدّ جسور المقاومة بين الضفة وغزة، لتصبح غزة موقع ارتكاز للمقاومة والضفة الغربية ساحة اشتباك مباشر، فإنّ الاغتيال هو المصير المحتوم.
ثالثاً، رسالة موجهة إلى الداخل الصهيوني، بهدف ترميم سمعة الجيش الصهيوني على ضوء الانتقادات التي تعرّض لها في الآونة الأخيرة، بالإضافة إلى طمأنة الشارع الصهيوني على إمكانية المؤسسة العسكرية الصهيونية، للوقوف أمام التحديات الأمنية المحدقة بالكيان، وخصوصا أمام تصاعد التوترفي الجبهة الشمالية.
وعلى الرغم من أنّ هذه الرسائل تحمل صفة العملانية بطريقة إرسالها، إلا أنّ المجال يبقى مفتوحاً أمام التشكيك بصدق هذه العملانية، وهنا يبرز دور الجانب النفسي والإعلامي المرافق لعملية الاغتيال، ليدعم محتوى الرسالة، على الرغم مما يعتريه من شكوك، وليرسخ مفهوم الجدار الحديدي على الرغم من أسطوريته.
ومن ثم تنتقل وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى مرحلة التحليلات بالحديث عن: لماذا يجب أن يقتل مازن فقها؟ من خلال سرد لسيرته النضالية، وأنّه يقف وراء مقتل عشرة صهاينة في عملية صفد عام 2002، وأنّه أحد قادة كتائب عز الدين القسام المسؤولين عن قيادة القسام في الضفة من خلال مكتب الضفة الغربية، والمخطّط لعشرات العمليات في عيد الفصح المقبل حسب تصريحات رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي.
هذا الحديث على الرغم من صحة الكثير منه، إلا أنّه يأتي في سياق تضخيم قوة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، والتأكيد على سياسة اليد الطولى القادرة على تصفية الحسابات مع أي شخص يمسّ أمن إسرائيل، مهما طال الزمان، وفي أي مكان جغرافي، وخصوصا في غزة التي هي عنوان فشل لهذه الأجهزة، حيث على مدار فترة اختطاف الجندي الإسرائيلي، جلعاد شاليط، أذاقتهم مرارة العجز الاستخباراتي، والذي أرغمهم على صفقة وفاء الأحرار، والتي تكلّلت بتلك الصورة للشهيد أحمد الجعبري، وهو يُمسك بشاليط من كتفه، ويقوده صاغراً، ليُسلّمه للوسيط المصري. هذه اللقطة التلفزيونية التي وقف عندها محللون إسرائيليون، واعتبروها ضربة قوية لهيبة الأمن الإسرائيلي، وكسر لكبريائه الاستخباراتي، زعزعت الروح المعنوية لدى المجتمع الصهيوني، وفي الوقت نفسه، زادت من قناعة الفلسطينيين والعرب، أنّ نظرية "البطل الخارق" التي تدّعيها أجهزة الأمن الاسرائيلي، ما هي إلا أسطورة.
وعند البحث عن جذور هذا الأسلوب الإعلامي المواكب عمليات الاغتيال أو حتى العمليات الخاصة، سواء للأجهزة الأمنية الإسرائيلية، أو حتى لجيش الاحتلال الصهيوني، نجده مرتبط بمفهوم قوة الردع النفسية التي تبنتها إسرائيل عقيدة أمنية في مواجهة المحيط العربي، منذ تكلّم عنها زئيف جابوتينسكي بنظريته الجدار الحديدي، الهادفة إلى إيصال العرب إلى قناعة مفادها بأنّهم لا يملكون القدرة على مواجهة الكيان الصهيوني، ولا مفرّ من التسليم بوجوده، ككيان طبيعي على هذه البقعة من الأرض، ولكن الخطورة في تلك النظرية تكمن أنّ جدار جابوتينسكي الحديدي هو جدار افتراضي نفسي، يجب بناؤه داخل الوعي والقناعات العربية، وليس جداراً حقيقياً ملموساً على أرض الحقيقة والواقع.
إنّ قراءة عملية اغتيال الشهيد مازن فقها من زاوية عقيدة الردع النفسية الإسرائيلية، تحمل عدّة رسائل مهمة:
أولاً، هي لكلّ قادة المقاومة، وخصوصاً في غزة، مفادها بأنّ منظومتكم الأمنية غير قادرة على حمايتكم، وأنّكم لستم آمنين في غزة، وهنا تسعى دولة الكيان إلى زعزعة ثقة الشعب بالقدرة الأمنية للمقاومة على حماية وضبط أمن المجتمع الفلسطيني، على الرغم من النجاحات التي حقّقتها تلك المنظومة.
ثانياً، هي موجّهة لقيادة المقاومة، وخصوصا لقيادة حركة حماس الجديدة، والتي يقف في مقدمتها في غزة يحيى السنوار، بأنّ إسرائيل قادرة على تغيير معادلات الاشتباك متى شاءت، وتحت أيّة ظروف، وأنّها مستعدّة لكل السيناريوهات، حتى سيناريو الحرب لن يخيفهم، وأنّ معادلة وقف الاغتيالات في مقابل التهدئة التي فرضتها نتائج الحروب السابقة على غزة لن تلتزم بها إسرائيل، ما دام الحديث عن نقل المقاومة العسكرية إلى ساحة الضفة الغربية، وأنّ المقاومة في غزة يجب أن تبقى ضمن حيّزها الجغرافي، وأنّ أيّ شخص يحاول مدّ جسور المقاومة بين الضفة وغزة، لتصبح غزة موقع ارتكاز للمقاومة والضفة الغربية ساحة اشتباك مباشر، فإنّ الاغتيال هو المصير المحتوم.
ثالثاً، رسالة موجهة إلى الداخل الصهيوني، بهدف ترميم سمعة الجيش الصهيوني على ضوء الانتقادات التي تعرّض لها في الآونة الأخيرة، بالإضافة إلى طمأنة الشارع الصهيوني على إمكانية المؤسسة العسكرية الصهيونية، للوقوف أمام التحديات الأمنية المحدقة بالكيان، وخصوصا أمام تصاعد التوترفي الجبهة الشمالية.
وعلى الرغم من أنّ هذه الرسائل تحمل صفة العملانية بطريقة إرسالها، إلا أنّ المجال يبقى مفتوحاً أمام التشكيك بصدق هذه العملانية، وهنا يبرز دور الجانب النفسي والإعلامي المرافق لعملية الاغتيال، ليدعم محتوى الرسالة، على الرغم مما يعتريه من شكوك، وليرسخ مفهوم الجدار الحديدي على الرغم من أسطوريته.
مقالات أخرى
19 مايو 2017
04 مايو 2017
09 مارس 2017