بنكيران والأخطاء السبعة

24 مارس 2017

بنكيران.. خرق قاعدة الكتمان (16/3/2017/فرانس برس)

+ الخط -
لم يكن خافياً على المتتبعين للسياسة المغربية أن ثمة "توتر صامت" بين رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران والدولة، يعود بالتأكيد إلى ما قبل اقتراع محليات 2015، عندما كان قد أصبح يأخذ أبعادا أكثر وضوحا. وفي قراءة خلفيات هذه العلاقة، يبدو أن سلسلة من سوء الفهم المتواتر بين هذه الشخصية الحزبية والقواعد غير المدونة للحياة السياسية أسهمت في الوصول إلى نقطة الإشباع خلال الأسبوع الماضي. 

في تفصيل ذلك، يمكن الوقوف سريعاً على سبعة "أخطاء". الأول: تمرّد بنكيران على الطبيعة المترسخة للنخبة السياسية بالمعايير المغربية، واحتفاظه بنمط حياة بسيط شكّل وحده، كما انتبه إلى ذلك باحثون، أزمة ضمير أخلاقي لدى النخب المخملية السعيدة بهكتارات الريع ومنافع "خدام الدولة" ومزايا الريع، والأرصدة السمينة في الداخل والخارج.
الثاني: تملّكه كاريزما سياسية استثنائية داخل محيط يعج بأشباه السياسيين من فاقدي القرار، بشكل أصبح معه شخصيةً لا يمكن التعامل معها بحياد أو عدم اكتراث، ذلك أن حضوره يستدعي، بالنسبة للعموم، بالضرورة اتخاذ موقف إيجابي أو سلبي.
الثالث: تحوله إلى حالة تواصلية غير مسبوقة، بخطاب قوي مختلف عن المعجم الباهت والخشبي للتواصل السياسي المألوف. وبنبرة خاصة و"شخصية"، استطاعت إيجاد تواطؤ حقيقي مع جمهور المواطنين عبر شبكةٍ من الرموز والاستعارات والتعابير .
الرابع: خرقه قاعدة الكتمان التي تحكم منطق الولوج إلى المسؤولية، وقدرته على التنقل السريع والتلقائي بين سجل الخطاب "السلطاني" ومقتضيات الأعراف "المخزنية" ومتطلبات الموقع الحكومي وبين سجل الفاعل الحزبي الذي لم يحوله المنصب السياسي إلى مجرد موظف محكوم بقيود التحفظ.
كان يعرف أن الإصلاح صعب ومعقد، ويتطلب تفاوضا يوميا وقدرة على التنازل والمرونة، لكنه كان يعرف أيضا كيف يجعل من الرأي العام شاهدا على المسارات الملتوية للتفاوض في دهاليز القرار.
ولأنه ربما كان مؤمنا بتعريف فرانسوا ميتران السياسة باعتبارها (أن نقول أشياء للناس)، فقد كان كثيرا ما يتحول، في نهايات الأسبوع، وحملات الانتخابات إلى معارض من رتبة رئيس حكومة.
الخامس: قيادته حزب العدالة والتنمية نحو ثلاثة نجاحات انتخابية متتالية، لم ينتصر خلالها حزب المصباح على مجرد خصوم، بل انتصر فيها على قواعد وثوابت هندسة سياسية لنظام انتخابي، وضع لكي يعمق من هشاشة المؤسسات المنتخبة، ولكي لا يفرز أي قوة انتخابية من شأنها الحد من هامش حركة النظام السياسي.
السادس: اعتناقه خياراً إصلاحياً ونهجاً توافقياً وخطاً معتدلاً، مع ترجيح محسوم لمنطق العمل المؤسساتي. بالنسبة لكثير من مراكز النفوذ، كان من الأفضل أن يكون بنكيران زعيماً لحركة سياسية، لا تؤمن بطبيعة النظام، وتنتظر زواله، وتستخف بالاشتغال داخل المؤسسات المنتخبة. حينها كان بالتأكيد سيكون أضعف تأثيراً وأقل "خطورة".
السابع: قيادة "العدالة والتنمية" نحو تجاوز سقف التمثيل السياسي الذي تسمح به القواعد غير المكتوبة للنظام السياسي المغربي. ذلك أنه، على مستوى التوجهات، وباختياراته الاقتصادية الليبرالية، والمدافعة عن المبادرة الحرة، وبتوجهه الاجتماعي المناهض للوظيفة الحمائية التقليدية للدولة، والمدافع عن إعادة توزيع خيرات دولة "الرعاية" نحو فئات أكثر هشاشة، وبقدرته على "علمنة" تدبير مروره الحكومي، وطبعه بخطاب حول السياسات، وليس حول الهوية والقيم، فحزب العدالة والتنمية يشكل شريكا مثالياً للبرنامج القارّ و"الاستراتيجي" للدولة.
لكن المشكلة تتعلق بالحجم السياسي والتنظيمي والانتخابي للحزب، وبدرجة استقلاله، والذي يجعله صعب التحمل من طرف نظام سياسي، تآلف مع نمطٍ من التوازنات تجاه الفاعل الحزبي.
في نهاية التحليل، سيصعب استيعاب أن المشكلة هي مشكلة بنكيران/ الشخص، ذلك أن الأمر، في الأصل، هو مسألة تعايش بين الإدارة مع السياسة وأزمة انفتاح مراقب ومحسوب للنظام السياسي على الإرادة الشعبية، وعسر في تكيف الدولة مع المساحات الجديدة التي يمنحها التأويل البرلماني لدستور 2011، وقدرته على السماح بأنواع جديدة من الشرعية الصاعدة من الأسفل.
2243D0A1-6764-45AF-AEDC-DC5368AE3155
حسن طارق

كاتب وباحث مغربي