ظلال الإخوان في زيارة أردوغان السودان

31 ديسمبر 2017

يافطة ترحيبية بأردوغان في بورتسودان (25/12/2017/الأناضول)

+ الخط -
فشلت أحزاب المعارضة السودانية، بقيادة حزب الأمة، أحد أكبر الأحزاب الطائفية وأهمها في البلاد، في صبغ زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، السودان بالصبغة الإسلاموية. واستبقت نائب رئيس حزب الأمة، مريم الصادق المهدي، الزيارة، بتصريحها لموقع حفريات الإلكتروني، الإماراتي الذي يتخذ من العداء الواضح لتركيا وقطر ومصر الديمقراطية مادة له، يستقطب لها الكتاب الساخطين على تنظيم الإخوان المسلمين، "كنّا نود أن نحترم الرئيس أردوغان، ونرحب به في وطننا، كقائد مسلم مستنير وناجح، لكننا نطالبه قبل أن يطأ أرض بلادنا بأن يعتذر عن إرث العثمانيين السيئ، وما تسبب فيه من أذى". بينما رحّبت مريم نفسها في هذه الصحيفة العربي الجديد، باسم حزب الأمة وطائفة الأنصار، بالرئيس التركي لما يحمله له الشعب السوداني والشعوب الإسلامية من تقدير وإعجاب، على حدّ قولها. ولم تنسَ أن تذيّل تصريحيها المتناقضين للجهتين بضرورة اعتذار أردوغان عن إرث الدولة العثمانية.
لعلّ المعارضة السودانية تُدرك ما قامت به حكومة الإنقاذ من مطالبتها أخيرا جماعة الإخوان المسلمين بتغيير اسمهم، حتى يواكب ظروف المرحلة المقبلة. وأوعزت إلى أعضاء في داخلها إلى المطالبة من قياداتها إلغاء الحركة، والاستعاضة عنها بإنشاء أمانة للتزكية، تابعة للمؤتمر الوطني الحاكم، ولكن الجماعة تمسكت بكيانها واسمها، رافضة بشدة أي اتجاهٍ لتغييره، والتحول إلى منظمة طوعية، حيث ركّزت على أنّ الاسم يمثّل مرجعية ومدلولاً وقيمة ثقافية وتاريخاً دعوياً ممتداً، موجوداً في السودان منذ أربعينيات القرن الماضي، كامتداد لاسم الجماعة التي أسسها الشيخ حسن البنا في مصر عام 1928. ففي 1944، أوفد البنا الطالب السوداني الذي كان يدرس في مصر، جمال الدين السنهوري، إلى السودان، حيث عقد عدة اجتماعاتٍ، لشرح فكرة التنظيم وأيدولوجيته، وبذلك ظهر أول فرع للإخوان المسلمين في السودان. وترسّخت
الفكرة بشكل أكبر خلال دراسة الطلاب السودانيين في مصر، ثم نقلوها إلى بلدهم، وانتشرت في الجامعات السودانية، وكان الطلاب الجامعيون الدعم الأكبر للحركة.
في عقودها الأربعة الأولى، كان يطغى على أنشطة الحركة الإسلامية، العمل السياسي الذي تبنّاه حسن الترابي، واعترضت عليه بعض قياداتها الأخرى من "الإخوان المسلمين"، ليحدث انشقاق الحركة الشهير عقب مؤتمرها العام في فبراير/ شباط 1969. قام التنظيم تحت أسماء عديدة هي الحزب الاشتراكي الإسلامي 1949- 1954، الإخوان المسلمون 1954- 1964، جبهة الميثاق الإسلامي 1964- 1979 التي كانت تحالفاً بين "الإخوان المسلمين" والسلفيين والطريقة التيجانية الصوفية. استفاد التنظيم من مشاركة الرئيس جعفر النميرى ودعمه، ما بين 1979 – 1985 فى التمكين الاقتصادي والإجتماعي، ليصبحوا قوة أثّرت على سياسة السودان وقانونه ومجتمعه.
بعد سقوط نظام جعفر النميري عام 1985، وبتشكيله الجبهة الإسلامية القومية 1986- 1989، أصبح الترابي الأمين العام لها باعتبارها حزبا إسلاميا معاصرا، وظل "الإخوان المسلمون" محصورين في تنظيم بزعامة الحبر يوسف نور الدائم، يحملون اسمهم بعيداً عن الجبهة. خاض "الإخوان المسلمون" انتخابات 1986، بشكلٍ منفصل عن الجبهة الإسلامية، ولم يفز الفصيلان المنشقّان، ولكن الجبهة حصلت على 51 مقعداً في البرلمان السوداني، وحلّت فى المركز الثالث بعد حزبي الأمة والاتحادي الديمقراطي. احتلت الجبهة هذه المقاعد التي سمحت بها حكومة الديمقراطية الثالثة، لتزحزح ثقل الحركة الموحدة، وتقسم صفوفها، وتدفعها إلى المعارضة، حيث أُخرجت من تلك الحكومة بمذكرة الجيش، ثم مذكرة القصر الشهيرة.
استمر نظام الحكم الديمقراطي إلى أن أطاحته الجبهة الإسلامية، بدعم الانقلاب العسكري بقيادة العميد وقتها عمر البشير في الثلاثين من يونيو/ حزيران 1989، لتحتل موقعها في الحكومة الجديدة، وتعمل على إضفاء طابع الدولة الدينية، مستفيدة من عجز الأحزاب الأخرى التي وقفت أمام مشروع التغيير من انقلابٍ استولى على السلطة بليل بهيم. وحل الترابي الجبهة الإسلامية
القومية بعد انقلاب 1989، ليتسنّى له الانفراد الكامل بالسلطة، ثم تبين له الخطأ الفادح الذي قام به، خصوصا في المعركة التي قادها ضد الرئيس البشير في العام 1999 في المفاصلة الشهيرة، ليكوّن حزب المؤتمر الشعبي، ويظل تنظيم الإخوان المسلمين في الظلّ.
نجحت الحركة الإسلامية بشقيّها في تلك العقود في تعبئة الشارع السوداني بالمناداة بفكرة الدستور الإسلامي، بالإضافة إلى العمل على سياسة التمكين التي عملت من أجلها طوال سنوات عنفوانها. ولكي تحقق ذلك الهدف، كان لا بد لها من التعامل مع القوى الاجتماعية، فبدأت بشريحة الطلاب الذين هم في الأصل سر فاعليتها، ثم واصلت بالمنهج التفاعلي والانفتاحي نفسه، في استقطاب بقية الأحزاب، واختراق الجيش من الداخل. هذه المسيرة الصدامية حيناً والمتوافقة حيناً آخر مع كل عهود الحكم حريٌّ بها أن تمثّل تهديداً مكتوماً للحكومة التي رأت أن تمحو كل ما له صلة بالحركة الإسلامية، حتى ولو بالاسم فقط كإخوان السودان.
ولهذا كله وغيره، فإنّ الحقيقة الناصعة لزيارة أردوغان للسودان أنّها شراكة اقتصادية سودانية تركية، تم التوقيع عليه بالأحرف الأولى قبل عامين، تمهيداً للتوقيع النهائي في أثناء الزيارة، وأي محاولة لإخراج الزيارة عن سياقها بتصويرها ووضعها داخل إطار أيديولوجي إسلامي محاولة فاشلة، لأنّ السلطة في السودان لم تعد إسلاميةً، حتى على سبيل التوهم من أجل معارضتها تمهيداً للانقضاض عليها.
8615DCBC-E386-43F8-B75E-8FF0C27360A3
منى عبد الفتاح

كاتبة صحفية من السودان. حاصلة على الماجستير في العلوم السياسية. نالت دورات في الصحافة والإعلام من مراكز عربية وعالمية متخصصة. عملت في عدة صحف عربية. حائزة على جائزة الاتحاد الدولي للصحفيين عام 2010، وجائزة العنقاء للمرأة المتميزة عام 2014.