أطلقوا سراح هؤلاء الشباب

10 نوفمبر 2017
+ الخط -
ما الذي يفعله رفاق ناصر الزفزافي داخل السجون في المغرب؟ كان السؤال يحوز مشروعية، منذ الليلة الأولى لاعتقال السلطات نشطاء ما صار يعرف حراك الريف، لكنه أصبح اليوم أكثر حرقةً وإثارة للمفارقات، خصوصاً على ضوء متتاليات الحياة السياسية المغربية أخيراً، فالمطالب البسيطة لهؤلاء الشباب أصبحت أجندة معلنة للسياسات الرسمية للدولة، وغضبهم الطبيعي أصبح بوصلة للقرار العمومي، وصرختهم المشروعة وصلت إلى عمق الوجدان المشترك للمغاربة.
ظل السؤال مكلفاً ومستفزاً بالنسبة إلى سلطة سياسية صنعت جزءاً من مشروعيتها الحديثة على شعارات الإنصاف والمصالحة، وانخرطت في مصفوفةٍ من الإصلاحات المؤسسية والحقوقية، من باب ضمان عدم تكرار ما جرى، وقادت تجربة استثنائية في تدبير ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بحثاً عن طي صفحة الألم والرصاص.
لم يكن حراك الريف سوى طلب متجدّد على الكرامة، بوصفها شرطاً إنسانياً أصلياً غير قابل للتفاوض، وسابقاً على كل الانتماءات. ولم تكن مطالب جماهيره سوى تطلعات متواضعة لحدٍّ أدنى من العدالة الاجتماعية. لذلك، ظل سقف الحراك من البداية لصيقاً بالأفق الوطني الديمقراطي، وبقيم المواطنة والعدالة والمساواة.
منذ البداية، كان السؤال الاجتماعي حاضراً في صلب الملف، وكانت المطالب ذات حمولة "نقابية" متواضعة، تهم بنيات صحية وجامعية قريبة من الساكنة، وتترافع من أجل فرص أكبر لتشغيل الشباب.
منح الحدث المؤسس للحراك، بشحنته الدراماتيكية، أي موت السماك الشاب محسن فكري داخل حاوية لطحن الأسماك، طابعاً تعبوياً ضخماً لحركة احتجاجية، يقودها جيل شاب، استطاع تأويل الأحداث بواسطة خطابٍ يستعيد تاريخاً من الجراح السياسية في العلاقة مع السلطة المركزية التي ظلت مشوبةً بالتوتر وسوء الفهم، على الرغم من جهود الملك محمد السادس في المصالحة المجالية والثقافية مع الريف.
الحدث المهيكل وخطاب التأطير وجدا في الوعاء الهوياتي الحاضن للحراك أرضية مثالية، منحت حركة الاحتجاج لحمة قوية مبنية على استثمار منظومة من الرموز والعلامات والانتماءات المشتركة في اللغة والثقافة، وساعدتها على استحضار معالم كفاحية من سجل تاريخ النضال الوطني، يوجد الزعيم عبد الكريم الخطابي في مقدمتها.
لكن، مع الوعي بخصوصية المجالين، الثقافي والتاريخي، في خطاب الاحتجاج، لم يسجّل، في أي لحظة، انزياح خطاب الحراك طوال سنة طويلة ومتعبة من الوهج والحضور الميداني، نحو ما قد يفهم نزعةً انفصالية. على العكس، كان الرد على التهمة البائسة بالانفصال التي أشهرتها الأغلبية الحكومية تنظيم مسيرة وطنية حاشدة في عاصمة البلاد، قالت إن مطالب الحراك جزء من مطالب الشعب المغربي، وقضية الكرامة قضية الجميع.
وجد هؤلاء الشباب أنفسهم وجهًا لوجه مع الدولة، فهم لم يشعروا لحظة بالتماهي مع التعبيرات السياسية والنقابية والمدنية الحاضرة، ولا هم اقتنعوا بأن ما يوجد من مؤسسات منتخبة قادر على معالجة مشكلاتهم، أو على الأقل حمل أصواتهم إلى حيث يجب أن تصل. وانتقد هؤلاء الشباب هشاشةً في منظومة الوساطة الحزبية، وعجزاً واضحاً في الأداء العمومي، وخصاصاً بيّناً في السياسات الاجتماعية، وهو ما تذكّره الجميع مع خطابي الملك، بمناسبتي عيد العرش وافتتاح البرلمان.
لم يربط المحتجون بين حركتهم الاجتماعية ومشروع منارة المتوسط، لكن جزءاً من جواب السلطة على الحراك ارتبط بالتركيز على هذا المشروع. وعلى الرغم من أن الأمر لا يتعلق بحالة نموذجية لبرنامج عمومي، اكتملت حلقات هندسته وتنفيذه، فإن وضعه تحت مجهر التقييم الجزئي سمح باستجلاء نواقص عديدة، قد تبدأ بغياب الرؤية المندمجة المرجعية للمشروع، لتتحول إلى أزمة حكامة على مستوى تعدّد المتدخلين والشركاء والتقائية التدخلات العمومية. وقد تنتهي بتسجيل حالة اختلال حاد للإطار المؤسسي للفعل العمومي؛ فالملف تم تدبيره بعيداً عن مصالح رئيس الحكومة، وعملياً لم يشرك الوزراء أصحاب العلاقة بالملف في تفاصيل التحضير والإعداد.
الخلاصة أن دينامية الاحتجاج في الريف نجحت في تسجيل نقطة نظام قوية على نمط من التدبير السياسي والحزبي والإداري، أصبح موضع مساءلة عمومية واسعة، وهو ما يجعل معه استمرار شباب الحراك رهن الاعتقال، أمراً مشوّشاً على خطاب المرحلة المبني على فكرة القطيعة.
أطلقوا سراح الشباب، لعل المنطق يستقيم.

2243D0A1-6764-45AF-AEDC-DC5368AE3155
حسن طارق

كاتب وباحث مغربي