المغرب.. ماذا يجري للدستور؟

24 نوفمبر 2017
+ الخط -
في ارتدادات الزلزال المغربي المعلن، يوجد الدستور قطعاً تحت الأنقاض. فقد اكتشفنا برنامجاً حكومياً متعدّد القطاعات والمتدخلين يوقع أمام الملك في تطوان (شمال البلاد)، فيما ينتظر رئيس الحكومة في منزله في حي العكاري في الرباط نشرة الأخبار في الساعة الثامنة مساء على القناة التلفزيونية الرسمية الأولى، لكي يعرف حوله بضع معلوماتٍ جادت بها قصاصة شحيحة لوكالة الأنباء الرسمية.
سينتظر الوزراء الذين وقعوا على اتفاقياتٍ، لم يسبق لهم أن اطلعوا عليها قبلاً، أسابيع طويلة، قبل أن يجدوا فوق مكاتبهم نسخاً منها .
في الحكاية التي يقدمها التأويل الرسمي لملف "منارة المتوسط"، مجرد دليل على اختلالٍ في الحكامة والتدبير، تكمن في العمق إدانة واضحة لنموذج سياسي، تصادر فيه السلطة صلاحيات المؤسسات، تحت تواطؤ النخب وعجزها، وتصنع مساطر بديلة للقرار في عتمات دواليب البنيات الموازية وظلالها.
هل من الضروري أن نتساءل عن مكانة الحكومة، وعن موقع رئيسها، وعن أغلبيتها السياسية، وعن مسؤوليتها أمام البرلمان، وعن صلاحياتها في قيادة السلطة التنفيذية؟
هل من المناسب أن ندرج إجراءات الإعفاء والعزل السياسي ضمن منطق المسؤولية السياسية التي تعني، في معجم القانون الدستوري، تدبيراً عمومياً خاضعاً لرقابة المنتخبين؟
وقبل ذلك، أين تمت عملية إعداد مشروع "منارة المتوسط"؟ ما هي الجهة الأصلية التي تكفلت بتحويله من مجرد فكرة إلى برنامج حكومي، بأجندة زمنية وأهداف دقيقة وميزانية تمويلية متنوعة المصادر؟ كيف تصورت الهندسة الأولية للمشروع تدبير إشكالية الالتقائية والتنسيق بين فاعلين مؤسسين كثيرين: قطاعات حكومية مركزية وغير ممركزة، منتخبين جهويين وإقليميين ومحليين، سلطات محلية، مؤسسات عمومية؟ كيف تصورت الهندسة الأولية للمشروع قيادة عملياته على المستوى المحلي، والتنسيق في معالجة المشكلات المفترضة: الملاءمة بين الجدولة الزمنية وإجراءات التمويل الخاضعة للقانون، تعبئة العقار اللازم؟
ما هو التوصيف الدستوري الملائم لهذا النوع من المشاريع التي تسمى عادة في الصحافة مشاريع ملكية؟ هل يتعلق الأمر ببرامج تندرج في خانة الصلاحيات الإستراتيجية المشتركة بين الحكومة والملك، وتتطلب إجازتها عرضها على المجلس الوزاري، أم يتعلق الأمر بمجرد برامج حكومية، أو حتى ذات بعد محلي، لكنها تحظى بمتابعة ملكية مباشرة؟ وما الذي يجعل من مشروع ما ملكياً؟ طبيعته أم سياق "إخراجه" وتسويقه؟
تتناسل الأسئلة. ولكن عموماً ما يمكن إقراره أن مفهوم الأغلبية السياسية نفسه انتهى إلى عدم
مبين. كانت الأغلبية السياسية الناهضة من صناديق الاقتراع أحد وعود دستور 2011، حيث تنبثق الحكومة من البرلمان، وتتحمل المسؤولية أساساً أمامه. لكن الحكومة التي جاءت عقاباً قاسياً على اختيارات انتخابات 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، تركت الشرعية الصاعدة من أسفل، تختنق جرّاء انحسار مدبر، لكي تتكئ على أغلبية ممنوحة بدون معنى سياسي، غير إهانة السياسة نفسها.
الأغلبية الممنوحة ذاتها، والمنبثقة من إرادة غير إرادة الناخبين، لم يزدها الزلزال إلا هشاشة، فحزب التقدم والاشتراكية سيستمر داخلها، بعد تجرّعه عقاباً غير متناسب في الحجم والطبيعة، لكن هذه المرة تطبيقاً لرغبة عليا، وليس انطلاقاً من تقدير سياسي إرادي (كان يمكن أن يؤدي إلى المشاركة).
الأغلبية نفسها، التي تضم (للذكرى) حزباً آخر أدخل بقرار سيادي سابق! ما الذي تبقى إذن، من مفهوم الأغلبية، ومن روح الاقتراع، ومن وعد الدستور؟ هل سيؤمن ساذج ما أن فكرة الإصلاح هي ما تُجمع عليه أغلبية كهذه، وأنها تحمل حدّاً أدنى من "المعنى" في السياسة والتاريخ.
لا أعثر على ما يجمع ما تفرق في أغلبية كهذه، سوى الخوف. خوف بعضهم من قطيعة متخيلة مع الدولة، وتفضيل مشاركة بلا أثر على معارضة، قد تعيد أزمة الثقة إلى مربعها الأول، وخوف آخرين من انقراض وشيك، قد تؤجله قبلة حياة تمنحها مقاعد هزيلة في حكومةٍ بلا روح، وخوف أحزاب السلطة من صدأ المعارضة، وخوف فريق آخر متخصص في الفضائح، على أن يترك المغاربة، بدون خدماته، عرضة للملل.
كان نجيب محفوظ يحب أن يقول: الخوف لا يمنع الموت، الخوف يمنع الحياة... وفي حالة المغرب السياسية، إذا كان الخوف لا يستطيع منع السلطوية من التمدّد، فالمؤكّد أنه يستطيع أن يمنع السياسة من العودة، لكي تصبح مرادفاً للإصلاح.
دلالات
2243D0A1-6764-45AF-AEDC-DC5368AE3155
حسن طارق

كاتب وباحث مغربي