الشرق الأوسط تحت الوصاية الروسية

09 يناير 2017
+ الخط -
بينما يستعد دونالد ترامب لتولي مقاليد السلطة في البيت الأبيض، يُجهّز نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، نفسه، لقفزةٍ جديدةٍ على ملفات الشرق الأوسط وقضاياه، بدخول قوي على خط القضية الفلسطينية، لتضيف موسكو صفحةً إضافية إلى تاريخها الجديد في هذه المنطقة. بعد أن انتهت بالفعل من تسطير صفحة حافلة في سورية، بدأتها عسكريةً خالصة، وها هي الآن تطعّمها بالدبلوماسية والمبادرات السياسية. قبل أسبوعين، حاولت إدارة أوباما تفخيخ الطريق أمام ترامب بمواقف مفاجئة بشأن قضايا الشرق الأوسط، بما فيها الأخطر والأصعب، القضية الفلسطينية. وليست موسكو بعيدة عن تلك المناورات الأميركية بين رئيس مغادر وآخر قادم، فالسياسة الروسية، منذ سنوات، لا تترك شاردةً أو واردةً إلا وتحاول الاستفادة منها، خصوصاً بتعظيم المصالح الروسية، وبالتالي، توسيع دورها إقليمياً وعالمياً. ولما كانت الولايات المتحدة قد شرعت، منذ أكثر من خمس سنوات، في الخروج من المنطقة، والالتفات شرقاً نحو الصين وأقاصي آسيا، فلم يكن على موسكو حرج في الاندفاع نحو الشرق الأوسط، وملء فراغ كبير ستتركه واشنطن.
منذ أعلن الرئيس أوباما في 2010 ذلك التوجه الاستراتيجي الأميركي الجديد، والتحركات الروسية في هذا الإطار تمضي في أكثر من اتجاه. ولم تظهر نتائج تلك التحركات سريعاً، بسبب موجة الربيع العربي، وما تبعها من تصدّع في البنية التقليدية للنظام الإقليمي للمنطقة، غير أن تعرّض نظام بشار الأسد لخطر الانهيار قبل عامين كان سبباً كافياً لأن تعلن موسكو العودة الصريحة والقوية إلى المنطقة من البوابة السورية الكبيرة.
لذا، يخطئ من يتصوّر أن رئاسة ترامب ستعني عودة أميركا القوية إلى الشرق الأوسط، وأن أوباما المتردّد الليِّن سيسلم الشرق الأوسط إلى رئيسٍ جمهوريٍّ قوي يسترد لواشنطن هيبتها وهيمنتها على الشرق الأوسط، فشعبوية ترامب وأسلوبه الأهوج لا يعنيان، بالمرة، أن واشنطن ستنغمس مُجدّداً في مستنقعات الشرق الأوسط، بل على العكس، سيكون ترامب سعيداً، وهو يتابع اضطلاع موسكو بمهام الدولة "الراعية" وأدوارها، بما يعنيه ذلك من أعباء ومكاسب. ويراهن ترامب، في ذلك، على ما يسميه ذكاء بوتين ورجاحة عقله. ما سيسمح لواشنطن بالتفرّغ لإعادة بناء قوتها الاقتصادية، وتخوض التنافس العالمي في وجهه المعاصر الاقتصادي مع العملاق الصيني. أما الشرق الأوسط فستكتفي واشنطن إزاءه بتقديم القليل، وبالمقابل الذي تحدّده، مع الاحتفاظ بالأساسيات الثابتة، وفي مقدمها أمن إسرائيل، وهو أصلاً لم يعد مهدّداً، ويحظى بالتزام وتوافق أميركي روسي، بل وإقليمي عربي أيضاً.
لذا، لم تكن مصادفةً أن تعلن موسكو، قبل أيام من تولي ترامب، دعوة الفلسطينيين إلى حوار وطني، يضم مختلف الفصائل، مع التحضير، في الوقت نفسه، لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل، وعقد لقاء بين أبو مازن ونتنياهو. فالانتقال الروسي إلى هذا الملف المحوري في المنطقة ليس إلا تتويجاً لعملية تسليم الشرق الأوسط وتسلمه من واشنطن إلى موسكو. والمقصود هنا الشرق الأوسط الكبير الذي يمتد إلى أفغانستان، فقد فتحت موسكو خطوط اتصال مع حركة طالبان. وبتوليها الملف الفلسطيني الإسرائيلي، فهذا يعني أن موسكو صارت الراعي الرسمي الجديد للشرق الأوسط لعقد مقبل على الأقل. ما يعني أيضاً أن ملفات إقليمية أخرى ستدخل تحت الرعاية الروسية، تبدأ بليبيا واليمن، ولن تنتهي عند تنسيق التحالفات وموازين القوى الإقليمية.
من غير المعلوم إلى أي مدى سيستمر الشرق الأوسط تحت الوصاية الروسية، لكن المؤكد أن الرهانات العربية على واشنطن أثبتت فشلها مراراً. ويحتاج العرب إلى تجنب تكرار الفشل مع موسكو، لكنهم قبل ذلك في حاجة إلى الاعتراف بأن العصر الأميركي قد انتهى، وأن حقبةً روسية بدأت بالفعل.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.