من التحريض إلى القتل

27 سبتمبر 2016

ناهض حتر.. جريمة قتله بعد موجة تحريض ضده

+ الخط -
الرصاص الذي استقر في جسم الكاتب الأردني، ناهض حتر، كان، في الحقيقة، موجهاً لحرية الرأي والتعبير والمعتقد. بل يمكن القول إن مشكلة ذلك الشخص الملتحي الذي نفذ الجريمة ليست مع هذا الكاتب الذي كانت له مواقفُ قد نختلف معه في بعضها، وإنما مشكلته، بالأساس، مع الإسلام الذي لم يفوّضه للدفاع عن الذات الإلهية، أو عن القرآن. فالله تعالى عندما خلق آدم لم يُلزمه بالإيمان به، أو بطاعته، وإنما مكّنه من الحرية المطلقة في الاختيار، بما في ذلك حقه في العصيان والتمرّد والكفر، أليس هو القائل "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر". وعندما أصرّ خالد بن الوليد على قتل محارب مشكر، على الرغم من إعلان شهادته، عندما فقد سيفه وأدرك أنه خسر المواجهة، غضب الرسول كثيراً على خالد الذي برّر فعلته بالقول إن المقتول أسلم عن خوفٍ، وليس عن اقتناع، فأجابه نبي الإسلام "هل شققت على قلبه؟".
لا يعني هذا أن ما فعله ناهض حتّر يرتقي إلى درجة الكفر، وإنما عبّر عن وجهة نظره بأسلوبٍ قد نختلف معه حول مضمونها. لكن، من حقه أن يعبر عن وجهة نظر مختلفةٍ لما تقرّه الأغلبية. وإذا كانت هناك جريمة، فالقضاء المستقل هو الجهة الوحيدة المفوّضة لتفصل في الأمر فتدينه أو تبرئه. أما أن يتولى ذلك شخصٌ ما يزعم أنه "مكلف" ضمنياً من الله بقتل المختلفين معه في الرأي والعقيدة، فذلك إجرام وسفكٌ باطلٌ للدماء، وتهديد لوحدة المجتمع وأمنه واستقراره. ولكن الإشكال الأساسي، في هذه الحالة، أن من حرّضوا الرأي العام ضد هذا الكاتب والصحافي يتحمّل، بدوره، جزءاً لا بأس به من مسؤولية هذه الروح البغيضة التي لا تقف عند حد.
صحيح أن الجريمة ارتكبت في الأردن، لكن الشعور بالخوف انتاب جميع الكتاب الأحرار الذين قد تدفعهم الجرأة إلى الخروج على المألوف، أو يحاولون التصدّي لمختلف الجهات التي ترى في نفسها أنها سلطةٌ مفوّضةٌ لحماية القيم وضبط السلوك العام وحراسة الأفكار والمشاعر بين أفراد المجتمع.
من قتل ناهض هو من طينة من جزّ رأس الكاهن في كنيسة سانت إتيان دو روفريه الفرنسية، وتبناها تنظيم الدولة الإسلامية. ألم يطلع هؤلاء على قوله تعالى "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين، ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين"، فهل هذا الكاهن الذي اقترب عمره من التسعين عاماً كان يتحمّل جزءاً من مسؤولية ضياع فلسطين؟
ألم يتصفح هؤلاء كتاب "الأموال" وقرأوا رسالة الرسول محمد (ص) لأسقف بني الحارث بن كعب، وأساقفة نجران وكهنتهم، وقد ورد فيها قوله "إن لهم ما تحت أيديهم من قليل أو كثير من بيعهم وصلواتهم ورهبانيتهم... ولا يغير أسقف من أسقفيته، ولا راهبٌ عن رهبانيته، ولا كاهن عن كهانته، ولا يغير حقاً من حقوقهم، ولا سلطانهم، ولا شيء مما كانوا عليه".
ألم يعلم هؤلاء أن حماية الكهنة داخل بيوت العبادة وخارجها من واجبات جميع المسلمين بدون استثناء، حتى يأمنوا على أرواحهم وأموالهم ودور عبادتهم، لا أن يُذبحوا في بلدانهم، وداخل دور عبادتهم.
مرّة أخرى، يؤدي التحريض وخطاب الكراهية إلى مبرّر لدى جماعات التكفير والعنف إلى قتل مثقفين وصحافيين وسياسيين، جريمتهم أنهم مارسوا حريتهم داخل مساحة الدائرة الإسلامية. إذ بين التحريض والتنفيذ مسافةٌ قد تكون أقصر مما يتوقع كثيرون.
هناك اختلافٌ جوهريٌّ وأساسيٌّ مع هؤلاء حول الإسلام ومقاصده، ومنهج فهمه، وحول وظائفه، والهدف منه. وهذا يعني أن هناك صراعاً دائراً وخطيراً على الإسلام داخل المجتمعات الإسلامية، وأن هناك حاجة ملحة لحسم إدارة هذه المعركة التي كلما طالت واتسعت رقعتها ازداد، في المقابل، تأثيرها على عموم المجال الإسلامي، وتحديدا على مستقبل هذا الدين.
266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس