الزيتون أقوى من الأمم المتحدة

24 سبتمبر 2016
+ الخط -
اعتادت الأمم المتحدة عقد جمعيتها العامة في كل سبتمبر/ أيلول من كل عام، لتكرّس وجودها فيه، وفشلها الدائم فقط لا غير. بل باتت الأمم المتحدة أشبه بقضاءٍ في دولةٍ عربية ما: تُصدر قراراً، لا يُنفّذ سوى بعد عشرات السنوات على وقع تغيّرات سياسية أو عسكرية، مسنودةٍ على حراك جيوبوليتيكي، فتنسب الفضل إليها في تنفيذه، من دون أن تكون قد فعلت ما يذكر.
وإذا كان دور هذه المنظومة تمحور في زمن الحرب الباردة (1947 ـ 1991) حول إدارة الأزمات بين القطبين الكبيرين، الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، إلا أنها تحوّلت، بعد ذلك، إلى مجرّد منظومةٍ، تُشبه منظمات المجتمع المدني أو الصليب الأحمر، تحديداً في سياق عدم تأثيرها في أي ملف، سوى بدورٍ ثانوي.
لم تعد المنظمة تلك التي يُمكنها إرسال آلاف الجنود إلى دولةٍ ما لوقف حربٍ أهلية فيها، أو فرض قرارٍ أممي، يُنجد شعب هذه الدولة، بل أضحت الأمم المتحدة وقواتها أقرب إلى قواتٍ من دون قدرة تنفيذية. في لبنان مثلاً، وقف القائد العام لقوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل)، الجنرال مايكل بيري، قبل أيام، للتشديد على "أهمية زيادة تعاون الأطراف (لبنان والاحتلال الإسرائيلي) مع هذه القوات، من أجل ضمان أن يستمر الهدوء مستتباً في جنوب لبنان، وعلى طول الخط الأزرق". حتى الآن، يبدو الكلام معسولاً، لكن بيري أطلق قنبلته حين دعا الأطراف إلى "الحرص على ألا يتسبب موسم حصاد الزيتون المقبل في زيادة التوتر".
إذاً، بات مصير قوات "يونيفيل" أولاً في جنوب لبنان، ثم في لبنان والاحتلال الإسرائيلي ثانياً، وصولاً إلى الأمم المتحدة ثالثاً، مرتبطاً بموسم الزيتون. هذا هو دور الأمم المتحدة، لا أكثر. فكيف لمثل هذه المنظمة أن تسهر على منع الاستيطان الإسرائيلي في فلسطين المحتلة؟ وكيف لها ردع الأوضاع المتفلتة في سورية، ومنع استغلال الدول العظمى الشعب السوري، بغية تقاسم الحصص في بلاد الشام؟ وكيف لها أيضاً أن تمنع الانقلابات والانقلابات المضادة في القارة الإفريقية؟ ما دور تلك المنظمة في معالجة مشكلة اللجوء واللاجئين؟ هل تعلم الأمم المتحدة أن هناك ملفاً يتطوّر ببطء، وقد يتحوّل ساحة قتالٍ دامٍ في بحر الصين الجنوبي؟ ماذا عن التجارب النووية المتلاحقة في كوريا الشمالية، هل يخشى رئيسها كيم جونغ ـ إيل البيانات الاستنكارية القلقة من الأمين العام للمنظومة الدولية، بان كي مون؟ في اليمن، مأساة كبرى، سياسياً واجتماعياً. في العراق الجرح المفتوح عصيٌّ على الالتئام. في الصومال، تتناسل الأجيال من دون أمل بمستقبل مزدهر. في نيجيريا، باتت جماعة بوكو حرام مسماراً مغروزاً. في ليبيا، لم تتمكن الأمم المتحدة حتى الآن من فرض رؤيتها الخاصة للصراع.
وماذا بعد؟ كيف يُمكن لمنظمةٍ تخضع، بمجرد تهديدها بقطع التمويل عنها، أن تستمر على قيد الحياة؟ لا بديل عنها حتى الآن. والحاجة إلى منظومةٍ تجمع دول الكوكب "أمر طبيعي". لكن ما الطبيعي في منظمةٍ لا يُمكنها فعل شيء إزاء أي تحرّك عسكري، كالتحرّك الأميركي في أفغانستان 2001 والعراق 2003، والتحرّك الروسي في جورجيا 2008 وأوكرانيا 2014؟
مرّ كثيرون في تاريخ هذه المنظمة، ولم يتمكّنوا من الانتصار لقضاياهم التي تُعتبر محقةً، لعجز الأمم المتحدة عن تطبيق شرعتها التي أُنشئت على أساسها، والمتمحورة في "العدالة". لم يشفع"غصن زيتون" ياسر عرفات، ولم تنتصر صرخة "الوطن أو الموت" لتشي غيفارا. لم يُلقَ القبض على زعماء أبادوا شعوبهم، لكنهم مُنحوا حق التكلم في مقرّ المنظمة.
مع ذلك، الحاجة إلى تجمّعات دولية عامة ضرورة، من دون أن تخرج من رحم الحروب العالمية، كـ "عصبة الأمم" بعد الحرب العالمية الأولى، و"الأمم المتحدة" بالذات بعد الثانية.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".