"سناب شات"... الزيف كله

22 سبتمبر 2016
+ الخط -

تردّدت طويلاً قبل ولوج عالم "سناب شات"، بعد أن عرفت خصائصه العامة، على الرغم من انحيازي الدائم والكبير لجديد التطبيقات في فضاء الإنترنت عادة. ولم أقتنع بتفعيل حسابي الخاص فيه، إلا بعد أن تابعت حساباتٍ، وفق أصحابها في استثمارها على نحو أعجبني، ومحا جزءاً من الصورة العامة عن هذا التطبيق، الشهير بطبيعته التلصّصية.

قبلها... وعلى سبيل محاولة تفكيك ظاهرته التي اقتربت من أن تكون هوساً حقيقياً لدى كثيرين ممن تكونت شهرتهم الفارغة من خلاله وحسب، أضفت بعض الحسابات العربية الشهيرة من هذا النوع، أياماً فقط، فأخذت بمتابعة ما يصوره أصحابها ليل نهار بلا كلل ولا ملل، وبلا موضوع محدّد، لأكتشف، في نهاية الأمر، أنني أضعت كثيراً من وقتي، في محاولة لاكتشاف ما كان يمكن اكتشافه بسهولة. ومنذ المشاهد الأولى التي يحرص هؤلاء المشاهير على تقديمها لمتابعيها، كمن يستعرض هواجسه وقلقه ومخاوفه من كل شيء حوله.

لا تفسير، إذاً، لأن تحاكي فتاة جميلة نفسها أمام العدسة التي تضعها بنفسها، لتصور نفسها بأوضاعٍ مختلفة، سوى أن تكون هذه الفتاة مريضةً بمرض نفسي، يجعل منها فتاةً تحاول الخلاص منه بتحطيم كل الجدران الافتراضية التي تعزلها عن الآخرين.

ولا تفسير أيضاً لأن يستعرض شاب ثري أنواع سياراته وأشكال أحذيته وألوان قمصانه أمام الكاميرا التي يحملها بيده، ليقدم نفسه إلى من يتابعه، عبر هذه الأنواع والأشكال والألوان، سوى أن يكون مريضاً بمرض نفسي، يحاول الخلاص منه باستدراج إعجاب الذين يتلصّصون على حياته المشاعة، بفيض الحسرات المفضية إلى الشعور بالدونيّة والنقص، وربما اللا جدوى من كل شيء، خارج إطار الصور والمشاهد التي يصوّرها لهم هذا الثري بتعليقاته المستفزة.

ولا تفسير كذلك لأن تتباهى فنانةٌ شهيرةٌ بممتلكاتها من الجواهر والملابس والسيارات والطائرات، بطريقة تُشعر من يراها، وهي تتوسّل عدسة الهاتف، بأن تظهر كل ما يمكنها إظهاره أمام الآخرين بأن ما لديها يسمح لها بامتلاك حتى الجمهور لو أرادت، لكنها لا تريد، ما يشي بتدهور حالتها النفسية إلى دركٍ لا يمكن التحكم فيه، ولا حتى علاجه، إن استمرت ممسكةً بهاتفها، تصور فيه ما تشاء بلا وازع من شيء... أي شيء.

أمثلة ونماذج كثيرة من مرضى العدسات الذاتية قابلتها، أو لعلها قابلتني في قلب ذلك الموقع الشهير، والذي نظن أنه يصوّر البشر والأشياء والأمكنة والألوان، كما هي في الواقع، وبشكل مباشر موثق بالزمان والمكان، إلا أن الحقيقة أنه لا يفعل ذلك إلا بالنسبة لمن اتخذه موقعاً للتواصل الاجتماعي والنشر الإلكتروني بشكل طبيعي ومعقول، أما أولئك المرضى بفكرة التزييف الإنساني، عبر الاستعراض المبالغ فيه لكل ما يمكن استعراضه، فإن "سناب شات" لا يعني لهم سوى أنه أداة للقتل غير المباشر، يستخدمونها ضد متابعيهم، ويرتكبون حماقاتهم من خلالها، وهو يتناولون وجباتهم باهظة الثمن، والتي قد لا تكون لذيذة الطعم بالضرورة، متلمظين بحركات تمثيلية سقيمة.

عدت من رحلتي المرهقة التي استمرت أسبوعاً تقريباً في دهاليز "سناب شات"، المزدحمة بأنواع من البشر، يصعب عليك أن تقابلها في حياتك العادية، حتى لو كنت تعرف هؤلاء البشر في حياتك فعلاً. فما يفعلونه أمامك مباشرة يختلف عما يفعلونه أمامك عبر الكاميرا، فلكاميرا "سناب شات"، بمرشحاتها العجائبية الظريفة، خاصيّة ذاتية، تجعلهم يؤمنون أنهم وحدهم في عالمهم، على الرغم من كل من حولهم في هذا العالم، وبالتالي، هم يخترقون تلك العدسة المخاتلة، ليعيدوا تكوين شخصياتهم، لا كما يتمنونها، ولا كما ينبغي أن تكون عليه، وفقاً للمعايير الأخلاقية النفسية المتوقعة، بل كما يتصوّرون أنها هي الحقيقة، لكنها الزيف كله لو يعلمون. 

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.