27 سبتمبر 2018
أميركا ليست مع الثورة السورية
ما يشغل المعارضة السورية، في هذه الأيام، هو الموقف الأميركي من الثورة، إذ اكتشفت أن أميركا ليس فقط ليست معنا، بل هي ضدنا. ولهذا، أخذ "الردح" لها يتكرّر، وبات الخطاب "حادّاً" ضدها، كأن هؤلاء من "اليسار الممانع"، بحيث باتوا يتلمسون "إمبرياليت"ها.
لست في معرض سرد ما بات يتكرّر، أو الاستشهاد بنصوصٍ باتت كثيرة، لكنني فقط سأشير إلى نص كتبه الصديق ميشيل كيلو، ربما يختصر كل "الجو" الذي بات يحكم هذه المعارضة، وربما يحبطها. يقول ميشيل إن "صديقنا الأميركي المخلص نجح في الضحك علينا وخداعنا، طوال السنوات الخمس الماضية التي كنا أثناءها في غفلةٍ أوقعتنا في حال من الغباء وسوء التقدير والفهم".
أولاً: على الرغم من أنني أعرف رأي ميشيل، فسوف أتناول، أولاً، فكرة حكمت المعارضة "الخارجية" وبعض المعارضة الداخلية (لم يكن ميشيل منها) هي فكرة "صديقنا الأميركي المخلص"، حيث أفضى الارتداد الذي أعقب انهيار الاشتراكية إلى التعلق "المَرَضي" بأميركا، وأفضى تدخلها العسكري واحتلالها العراق إلى التعلق بأمل أن تفعل ذلك بسورية، حيث تبلورت فكرة "نريد الديمقراطية وإن على الدبابة الأميركية". وبهذا، يلخص ميشيل الأمر باختصار. فهذا هو "الوعي" الذي تغلغل لدى تلك المعارضة، وبات عنصراً مركزياً في نشاطها.
ثانياً: لا شك في أن هذا التعلق بأميركا هو ما أدى الى الغفلة والغباء وسوء التقدير والفهم التي يشير إليها ميشيل. حيث أقام جزء مهم من المعارضة استراتيجيته على التدخل الأميركي، وعلى سياسة أميركا، حتى وهو يتحالف مع قطر وتركيا وفرنسا، لكنه كان ينطلق من أن هذا التحالف سوف يكون مدخلاً لتدخل حلف الأطلسي (الناتو) بقيادة أميركا. ولهذا، اشتغل على "تبليع" الشعب السوري مسألة التدخل الأميركي، من خلال "خطة" قامت على الإقناع أولاً بفكرة "حماية المدنيين"، ثم بـ "الحظر الجوي"، ومن ثم "التدخل العسكري"، وظهر ذلك في تسمية أيام الجمع التي كانت خاضعةً لطرف معارض، هو جماعة الإخوان المسلمين.
وكانت القناعة بأن أميركا "جاهزة"، بينما يجب إقناع الشعب. كانت هذه "السياسة" ترهق الثورة، بالضبط لأنها تخيف قطاعات مجتمعية ليست قليلة، حيث لمست معنى التدخل الأميركي في العراق عيانياً، ولأنها أصلاً ضد الاحتلال الأميركي. ولمعرفة النظام بهذا الوعي الشعبي ركّز كثيراً على سياسات هذه المعارضة، لكي يمنع توسع الثورة بحجة "وطنية". بالتالي، قاد "الغباء وسوء التقدير والفهم" إلى إضعاف الثورة وتأخير توسعها، حيث كانت سرعة التوسع مهمةً في إرباك النظام وتحقيق التغيير. وهذا من المسارات التي أوصلتنا إلى المأزق والاستعصاء، ومن ثم تحكم دول خارجية بمصير سورية.
ثالثاً: لهذا، حين الاعتراف بالغفلة والغباء وسوء الفهم والتقدير، لا بد من الانزياح جانباً، فليس منطقياً أن تمارس المعارضة ذلك كله، وتبقى في مواقعها. ليس منطقياً أن تكتشف، بعد خمس سنوات، الموقف الأميركي، وتظل تعتبر أنها تمثّل الثورة. ولا شك في أن عجزها عن فهم طبيعة الموقف الأميركي ينعكس على فهمها لكل الدول والقوى التي "تعتمد" عليها، وتراهن على دورها، وربما آخرها تركيا، من دون أن نتجاهل السعودية. فما ظهر منذ البدء أن "الغريزة" هي التي تحكم أطرافاً في المعارضة أساسية، وأن ما يتحكّم في رؤيتها هو فقط "إسقاط النظام"، بغض النظر كيف ومن يقوم بذلك؟ بمعنى أنها تخلت عن كل القيم الوطنية والطبقية والأخلاقية، وهي تسعى إلى إسقاط النظام. وفكّرت في كيف تصبح سلطة بديلة فقط، من دون أن تختلف عن النظام في أي تفصيلةٍ غير شكل الأشخاص.
النظام استبدادي شمولي، ومارس العنف العاري والاعتقال المديد والقتل من دون رادع، لكن الغريزة ليست هي الرد، لم يفعل الشعب الذي ثار ذلك، وقد أراد أن يحقق النظام مطالبه، قبل أن يكتشف أن هذا النظام وحشي. على الرغم من ذلك، ظل يتمسك بـ "إسقاط النظام"، من أجل نظام يحقق مطالبه من دون ميل غريزي (ربما إلى أن تعممت الوحشية، وفرضت تدخلاتٍ ركّزت على الغريزة، مستقطبة بعض القطاعات التي صنعت الثورة). وهذه الغريزة التي حكمت المعارضة هي التي جعلتها تقبل "أي شيء" من أجل "الانتقام".
الآن، "الاكتشاف العظيم" الذي توصلت إليه المعارضة هذه لا بد من أن يجعلها تنزوي جانباً، بالضبط لأنه ثبت أنها لا تمتلك الوعي الذي يسمح لها بفهم الواقع، أي فهم الوضع العالمي ومواقف القوى الإمبريالية، والوضع الإقليمي الذي تتنازعه دولٌ أرادت التوظيف في الثورة السورية لمصلحتها، وكانت تضر الثورة، وبعضها يريد تشويهها من أجل تدميرها. ولم تفهم أصلاً أسبابها، على الرغم من أنها حاولت تقليصها الى "إسقاط النظام"، أو حصرها في مطلب عمومي هو "الحرية"، حتى بهمسٍ خفيفٍ حول الديمقراطية. ومن ثم قبول كل من توهمت أنه قادم لخدمة هدفها في الوصول إلى السلطة من المجموعات الأصولية السلفية. ولا شك في أن الانتقام لا يسمح بانتصارٍ، لأنه يقوم على فقْد الوعي والفهم، وبالتالي، الرؤية التي تتحدّد لكيفية انتصار الثورة.
ليست المسألة هيّنة، حيث ابتلت الثورة السورية بأضعف نخبة، وأهزل قوى، أسهمت في المصير الصعب الذي تعيشه الثورة، والمصير المأساوي لكل السوريين الذين وقعوا بين نظامٍ وحشيٍّ ومعارضة تنحكم للغريزة، وعالم يريد تدمير الثورة، وليس إسقاط النظام. كان يهم أميركا تدمير الثورات العربية، وسحق الشعوب، وأرادت تحويل الثورة الى مجزرةٍ لكي "تؤدب" شعوب العالم بإخافتها بـ "المصير ذاته" الذي تعرّض له الشعب السوري. فالثورة هي الخطر الأكبر على رأسماليةٍ تعيش أزمةً عميقةً لا حلّ لها، ويمكن أن تؤدي إلى انهياراتٍ ماليةٍ جديدةٍ، كما حدث سنة 2008، سوف تفضي إلى ثورات في بلدان أخرى، وربما في بلدان كثيرة.
الوهم الليبرالي من طرف، وغريزة الانتقام من طرف آخر، وتعميم الأصولية من طرف ثالث، هي آفة الوضع السوري، و"الجرائم" التي تركّبت على الثورة، وأضعفتها، وهي ما يجب أن يُطرد من الثورة.
لست في معرض سرد ما بات يتكرّر، أو الاستشهاد بنصوصٍ باتت كثيرة، لكنني فقط سأشير إلى نص كتبه الصديق ميشيل كيلو، ربما يختصر كل "الجو" الذي بات يحكم هذه المعارضة، وربما يحبطها. يقول ميشيل إن "صديقنا الأميركي المخلص نجح في الضحك علينا وخداعنا، طوال السنوات الخمس الماضية التي كنا أثناءها في غفلةٍ أوقعتنا في حال من الغباء وسوء التقدير والفهم".
أولاً: على الرغم من أنني أعرف رأي ميشيل، فسوف أتناول، أولاً، فكرة حكمت المعارضة "الخارجية" وبعض المعارضة الداخلية (لم يكن ميشيل منها) هي فكرة "صديقنا الأميركي المخلص"، حيث أفضى الارتداد الذي أعقب انهيار الاشتراكية إلى التعلق "المَرَضي" بأميركا، وأفضى تدخلها العسكري واحتلالها العراق إلى التعلق بأمل أن تفعل ذلك بسورية، حيث تبلورت فكرة "نريد الديمقراطية وإن على الدبابة الأميركية". وبهذا، يلخص ميشيل الأمر باختصار. فهذا هو "الوعي" الذي تغلغل لدى تلك المعارضة، وبات عنصراً مركزياً في نشاطها.
ثانياً: لا شك في أن هذا التعلق بأميركا هو ما أدى الى الغفلة والغباء وسوء التقدير والفهم التي يشير إليها ميشيل. حيث أقام جزء مهم من المعارضة استراتيجيته على التدخل الأميركي، وعلى سياسة أميركا، حتى وهو يتحالف مع قطر وتركيا وفرنسا، لكنه كان ينطلق من أن هذا التحالف سوف يكون مدخلاً لتدخل حلف الأطلسي (الناتو) بقيادة أميركا. ولهذا، اشتغل على "تبليع" الشعب السوري مسألة التدخل الأميركي، من خلال "خطة" قامت على الإقناع أولاً بفكرة "حماية المدنيين"، ثم بـ "الحظر الجوي"، ومن ثم "التدخل العسكري"، وظهر ذلك في تسمية أيام الجمع التي كانت خاضعةً لطرف معارض، هو جماعة الإخوان المسلمين.
وكانت القناعة بأن أميركا "جاهزة"، بينما يجب إقناع الشعب. كانت هذه "السياسة" ترهق الثورة، بالضبط لأنها تخيف قطاعات مجتمعية ليست قليلة، حيث لمست معنى التدخل الأميركي في العراق عيانياً، ولأنها أصلاً ضد الاحتلال الأميركي. ولمعرفة النظام بهذا الوعي الشعبي ركّز كثيراً على سياسات هذه المعارضة، لكي يمنع توسع الثورة بحجة "وطنية". بالتالي، قاد "الغباء وسوء التقدير والفهم" إلى إضعاف الثورة وتأخير توسعها، حيث كانت سرعة التوسع مهمةً في إرباك النظام وتحقيق التغيير. وهذا من المسارات التي أوصلتنا إلى المأزق والاستعصاء، ومن ثم تحكم دول خارجية بمصير سورية.
ثالثاً: لهذا، حين الاعتراف بالغفلة والغباء وسوء الفهم والتقدير، لا بد من الانزياح جانباً، فليس منطقياً أن تمارس المعارضة ذلك كله، وتبقى في مواقعها. ليس منطقياً أن تكتشف، بعد خمس سنوات، الموقف الأميركي، وتظل تعتبر أنها تمثّل الثورة. ولا شك في أن عجزها عن فهم طبيعة الموقف الأميركي ينعكس على فهمها لكل الدول والقوى التي "تعتمد" عليها، وتراهن على دورها، وربما آخرها تركيا، من دون أن نتجاهل السعودية. فما ظهر منذ البدء أن "الغريزة" هي التي تحكم أطرافاً في المعارضة أساسية، وأن ما يتحكّم في رؤيتها هو فقط "إسقاط النظام"، بغض النظر كيف ومن يقوم بذلك؟ بمعنى أنها تخلت عن كل القيم الوطنية والطبقية والأخلاقية، وهي تسعى إلى إسقاط النظام. وفكّرت في كيف تصبح سلطة بديلة فقط، من دون أن تختلف عن النظام في أي تفصيلةٍ غير شكل الأشخاص.
النظام استبدادي شمولي، ومارس العنف العاري والاعتقال المديد والقتل من دون رادع، لكن الغريزة ليست هي الرد، لم يفعل الشعب الذي ثار ذلك، وقد أراد أن يحقق النظام مطالبه، قبل أن يكتشف أن هذا النظام وحشي. على الرغم من ذلك، ظل يتمسك بـ "إسقاط النظام"، من أجل نظام يحقق مطالبه من دون ميل غريزي (ربما إلى أن تعممت الوحشية، وفرضت تدخلاتٍ ركّزت على الغريزة، مستقطبة بعض القطاعات التي صنعت الثورة). وهذه الغريزة التي حكمت المعارضة هي التي جعلتها تقبل "أي شيء" من أجل "الانتقام".
الآن، "الاكتشاف العظيم" الذي توصلت إليه المعارضة هذه لا بد من أن يجعلها تنزوي جانباً، بالضبط لأنه ثبت أنها لا تمتلك الوعي الذي يسمح لها بفهم الواقع، أي فهم الوضع العالمي ومواقف القوى الإمبريالية، والوضع الإقليمي الذي تتنازعه دولٌ أرادت التوظيف في الثورة السورية لمصلحتها، وكانت تضر الثورة، وبعضها يريد تشويهها من أجل تدميرها. ولم تفهم أصلاً أسبابها، على الرغم من أنها حاولت تقليصها الى "إسقاط النظام"، أو حصرها في مطلب عمومي هو "الحرية"، حتى بهمسٍ خفيفٍ حول الديمقراطية. ومن ثم قبول كل من توهمت أنه قادم لخدمة هدفها في الوصول إلى السلطة من المجموعات الأصولية السلفية. ولا شك في أن الانتقام لا يسمح بانتصارٍ، لأنه يقوم على فقْد الوعي والفهم، وبالتالي، الرؤية التي تتحدّد لكيفية انتصار الثورة.
ليست المسألة هيّنة، حيث ابتلت الثورة السورية بأضعف نخبة، وأهزل قوى، أسهمت في المصير الصعب الذي تعيشه الثورة، والمصير المأساوي لكل السوريين الذين وقعوا بين نظامٍ وحشيٍّ ومعارضة تنحكم للغريزة، وعالم يريد تدمير الثورة، وليس إسقاط النظام. كان يهم أميركا تدمير الثورات العربية، وسحق الشعوب، وأرادت تحويل الثورة الى مجزرةٍ لكي "تؤدب" شعوب العالم بإخافتها بـ "المصير ذاته" الذي تعرّض له الشعب السوري. فالثورة هي الخطر الأكبر على رأسماليةٍ تعيش أزمةً عميقةً لا حلّ لها، ويمكن أن تؤدي إلى انهياراتٍ ماليةٍ جديدةٍ، كما حدث سنة 2008، سوف تفضي إلى ثورات في بلدان أخرى، وربما في بلدان كثيرة.
الوهم الليبرالي من طرف، وغريزة الانتقام من طرف آخر، وتعميم الأصولية من طرف ثالث، هي آفة الوضع السوري، و"الجرائم" التي تركّبت على الثورة، وأضعفتها، وهي ما يجب أن يُطرد من الثورة.