معوّض بعد الغيبوبة

04 ابريل 2016

معوّض عادل.. كيف سيواجه صدمة الواقع؟

+ الخط -
كيف يكون الوطن إن غاب المرء عنه ثم عاد؟ معوّض عادل شاب مصري أفاق من غيبوبةٍ لازمته خمس سنوات. ماذا عسى أن يقول له رفاقه وأصدقاؤه، بل وحتى أعداؤه، والذين اختلف معهم. كان معوّض شاباً عادياً مثل آلافٍ من شباب الثورة المصرية، حتى تلقى رصاصتين أدخلتاه في غيبوبةٍ بيولوجية، فيما انغمس مصريون كثيرون في غيبوبةٍ سياسيةٍ، طالت واستفحلت، وصارت غياباً للإنسانية.
ليس وعي معوض كاملاً بعد، إذ يعاني من عدم إدراك البيئة المحيطة به، ولا يستوعب ما يجري حوله. ولن يواجه صدمة الواقع الذي اختلف كليةً عما تركه، إلا بعد استعادته الوعي كاملاً في غضون خمسة أشهر أو ستة، بحسب الأطباء. المشكلة التي تواجه أهله وأصدقاءه وكل من سيلتقيهم بعد العودة من رحلته الطويلة، كيف سيشرحون له ما جرى. وبماذا سيبرّرون له أن الثورة التي شارك فيها، وتلقى بسببها رصاصتين في رأسه، لم تحقق أياً من مطالبها، وانتهت إلى لا شيء. والبلد الذي خرج معوّض ليطلب له العيش والحرية والعدالة الاجتماعية وكرامة الإنسان، غيبه عن الحياة خمس سنوات. نسفت خلالها كل ما حاول هو ورفاقه تحقيقه. وانقلبت على أعقابها ليس إلى يناير/ كانون الثاني 2011 وما قبله، وإنما إلى يوليو/ تموز 1952 وما بعده.
أين من معوّض رفقاء الثورة وفرقاؤها: شباب، ساسة (إسلاميون ويساريون وليبراليون)، عسكريون وأمنيون، رجال أعمال وإعلام، بل والمواطنون العاديون أيضاً. لو قدّر لمعوّض أن يعقد جلسة استماعٍ لهؤلاء معاً، ماذا في وسعهم قوله لتفسير ما فعلوه بمصر؟ هل يخبره العسكريون أن الثورة، بالنسبة لهم، انتهت في الثاني عشر من فبراير/ شباط 2011؟ وما أعقبه من أحداثٍ واستحقاقاتٍ ومواجهاتٍ وصفقات، كانت تمهيداً تكتيكياً لهدف استراتيجي تحقق في 3 يوليو 2013؟
كيف سيستقبل عقل معوّض اتهام الداخلية "الإخوان المسلمين" بالوقوف وراء قتل الثوار في كل أحداث ثورة يناير؟ بماذا سيشعر حين يعرف أن "الإخوان" دافعوا عن الشرطة في أحداث شارع محمد محمود، وقالوا إن "الداخلية" ليس بها قناصة، ولا تستخدم الخرطوش! قد لا يستغرب معوّض أن السلفيين الذين صالوا وجالوا دفاعاً عن الإسلام والشريعة ضد تساهل حكم "الإخوان" وتفريطهم، عادوا إلى كهوفهم ودروسهم في فقه العقيدة والعبادات. كأن برحيل "الإخوان" عادت الشريعة إلى موقعها واستعادت مكانتها، فاطمأن السلفيون، واستكانوا وعادوا إلى ما كانوا. وسيدرك معوّض بسهولة أن لا فرق يذكر بين بعض الإسلاميين وغيرهم (ليبراليين ويساريين وقوميين وناصريين) فكلاهما أشد التصاقاً بالسلطة من رجالها، وأكثر ولاء لأجهزة الأمن من أبنائها.. هؤلاء كذّابون وأولئك مُدَّعون.
ما قد يدهش معوّض، هم أولئك الإعلاميون الذين غابوا خجلاً من "يناير" وخزياً أمام المصريين، ومع اختفاء معوّض، ثم ثورته، في الغيبوبة، خرجوا من غيبتهم بوقاحةٍ واستعادوا أبواقهم ببجاحة.
أغلب الظن أن معوّض كان في غيبوبته يحلم بما ستكون عليه مصر بعد نجاح الثورة. يتمنى مصر مختلفة، وهي بالفعل اختلفت، إذ تخلفت. هذه هي الصدمة الحقيقية التي سيواجهها معوّض، أن مصر لم تبق كما كانت، بل أسوأ كثيراً.
لا يمكن توقع رد فعل الشاب الثوري على غيبوبة مصر، وغياب ثورتها، لكن المؤكد أنه في غيبوبته كان أكثر قرباً من مصر التي أرادها وحلم بها، أما مصر الواقع فهي مثله، في غيبوبة. وإن كان لمعوّض وشباب الثورة من دورٍ في ذلك، فهو الاغترار بالثورة والسذاجة السياسية. أما الرفقاء والفرقاء إياهم فهم شريك أصيل في تغييب الثورة، وإدخال مصر كلها في غيبوبةٍ، الله وحده يعلم كيف ومتى تخرج منها.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.