إصلاح بمقياس ريختر

25 ابريل 2016

سعوديتان عند مركز اقتراع في جدة للانتخابات (12 ديسمبر/2015)

+ الخط -

لا تشبه السعودية دولةً من جوارها المباشر. ولا دولة على الإطلاق. فعندما تغادر الحدود البرية والبحرية المشتركة بين السعودية والأردن، أو الكويت، قطر، الإمارات، البحرين، عُمان، اليمن، مصر، العراق، عليك أن تتفقَّد ثيابك، حقائبك، لكي تتفادى المساءلة، أو الإعادة من حيث جئت. أنت، منذ اللحظة، تدخل عالماً مختلفاً عما ألفت في دول الجوار هذه، وما اعتبرته طبيعياً فيها، على الرغم من اختلاف قوانينها وطبائع سلطاتها بعضها عن بعض. فلا قرب بعض هذه البلدان من المذهب الديني السائد في السعودية، ولا القبائل الموزّعة بينها وثلاثة حدود أو أربعة، تجعلانك مستعداً لدخول "العالم السعودي". لا أتحدث فقط عن الدول غير الخليجية (مصر، الأردن، العراق، اليمن) التي تختلف اختلافاً بيّناً مع "العالم السعودي"، بل الخليجية التي تتقاسم مع السعودية إطاراً سياسياً واحداً وإرثاً ثقافياً شديد الشبه. حتى إن كنت قادماً من هذه الدول، عليك أن تستعد لما لم تشاهده فيها. عليك، أولاً، أن ترمي الصحيفة، المجلة أو الكتاب الذي كنت تقرأه، حتى لو كان يوزَّع في السعودية. على زوجتك، ابنتك، أختك، ومن معك من نساء الدرجة الأولى في القربي، أن يغطين رؤوسهن، أو وجوههن، وأن يتنحين عن مقعد القيادة، إن كنّ يتناوبن معك في قيادة السيارة على الطريق الطويل، وأن يغادرن المقعد الأمامي كله، ويعدن إلى الخلف، حيث موقعهن "الطبيعي".

ثم، من الآن فطالعاً لا تقترب من إحداهن، ولا تهمس لأيٍّ منهن، لأنك لا تعرف متى وكيف ينقضُّ عليك "المطاوعة" (الشرطة الدينية). طبعاً، لا تتحدث في السياسة، إن أردت أن تمرّ أمورك بسلام.

تذهلني الآن، وأنا أسمع ما يقال عن "ضبط" صلاحيات "المطاوعة" وسلوكها، مفتشي الأخلاق وممثلي السلطة السياسية والدينية في المجال العام، وعن احتمال التفكير في قيادة المرأة السيارة، طوباوي كلامنا عن الحداثة والتجديد والليبرالية في السعودية! كم كان بعيداً، بعد الأرض عن السماء، كلامنا عن تحديث في الأدب والكتابة في السعودية، والرجل لا يستطيع أن يمشي مع زوجته على كورنيش بحري، أو في حديقة عامة كاشفةً وجهها، ولا أقول حاسرة الرأس! أية حداثة، من أي نوع، في مجتمعٍ لا وجود للمرأة في حياته العامة.

تشتد الحملة الغربية على سجل السعودية في مجال حقوق الإنسان (لا تضاهيه في المنطقة سوى إيران!)، ويوصل أوباما رأيه الحقيقي في السعودية من خلال مجلة "أتلانتيك" (لم ينف حرفاً منه) فتضطر السلطات السعودية إلى الكلام عن "تقليص" صلاحيات الشرطة الدينية، وتعيد فتح الحديث عن قيادة المرأة للسيارة، فيما المسألة في مكانٍ آخر. ما يطلبه السعوديون، حسب ظني، ليس كثيراً: حقوق وسلوك وقانون مثل أشقائهم الخليجيين. قد يكون طموحهم لممارسة حياة سياسية واجتماعية وفكرية كما هو حال المصريين والأردنيين والعراقيين واليمنيين بعيد المنال الآن. بلاش هذه الدول "الفلتانة". ماذا عن شيء قريبٍ مما تعيشه الشقيقة الكويت؟

أعطى الملك عبد الله بن عبد العزيز دفعة "إصلاح"، بالمقياس السعودي، لم تتواصل. الآن، يقول العالم للسعودية عليك أن تتغيّري لكي تكوني جزءاً مما يسود العالم من حقوق، لا أن تكوني عالماً وحدك. أيُّ كلام عن الخصوصية، العربية أو الاسلامية، في هذا المجال، يصبُّ في طاحونة التنميط التي ترانا عالماً غير قابل للحرية، وكاد الربيع العربي أن يقلبه  رأساً على عقب، لولا الهجوم الاستبدادي الرجعي الذي انقضَّ عليه في مهده.

سياسة السلحفاة، الإصلاحية، لا تنفع في وضع السعودية، المتأخرة، في حقوق الإنسان، عن محيطها كثيراً. لا بدَّ من سياسة أكثر سرعة ودينامية: قفز الكنغر. قفزات كبيرة وصدمات، بمقياس ريختر، تحتاجها السعودية، لكي تكون قريبةً من أكثر دول جوارها تشدّداً، لا مما هو مطموح فيه لدى الشبيبة السعودية.

ربَّ ضارة نافعة. لعل الحرب التي تخوضها السعودية في اليمن، وتراجع أسعار النفط، وقرب زوال الدولة الريعية، يكون مدخلاً لحياةٍ حقوقيةٍ وسياسيةٍ جديدة. لا تستطيع أن تفرض ضرائب على الناس وترفض، في الوقت نفسه، حقهم في ممارسة مواطنتهم. هذان لا يجتمعان: إما المواطنة أو الشيِخة.

 

E7B23353-660D-472F-8CF3-11E46785FF04
أمجد ناصر

شاعر وكاتب وصحفي من الأردن